كغيره من أطفال مجتمعه بأوغندا، ترعرع فيكتور أوشين، في أسرة معدمة دون مأكل أو ملبس يكفي، حتى أنه كان يتشارك غطاء سرير واحد مع إخوته في ليالي الشتاء القارس، ناهيك عن معاناته من جرائم متمردي "جيش الرب للمقاومة". إلا أنه بدلاً من الاستسلام، ألهمته المعاناة خوض رحلة طويلة من الدفاع عن ضحايا التمرد والحروب، قبل أن يؤسس مجموعة تطوعية لمساعدتهم، وهي الجهود التي بسببها رشحته إحدى المنظمات الأمريكية، لنيل جائزة نوبل للسلام هذا العام، ليصبح بذلك أول أوغندي يرشح للجائزة العالمية المرموقة. وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، يقول أوشين (33 عامًا) إنه عانى خلال مراحل تعليمه، حيث أنه كان قد أنهى سنة واحد فقط من الابتدائية عندما هاجمت لصوص الماشية قريتهم واضطرت الأسرة إلى البحث عن ملجأ في مخيم للاجئين في بلدة ليرا (شمالي أوغندا). ويضيف أوشين: "قضينا أربع سنوات هناك، وكان هذا محبطا للغاية بالنسبة لي"، مشيرًا إلى أنه ناقش مع والدته استئناف دراسته وبالفعل عاد إلى المدرسة ملتحقًا بالصف الخامس. وحول عودته للدراسة والتحاقه بالصف الخامس، يقول: "انضممت للصف الخامس، وأدائي كان في غاية السوء في تلك السنة، كنت ثاني أسوأ طالب في صفي خلال الفصل الدراسي الأول". قبل أن يستدرك: "ولكن عندما حان وقت الفصل الدراسي النهائي، جمّعت كل شيء تعلمته وحصلت على أعلى الدرجات، مما جعلني الأفضل". ويتابع: "لم أر والدتي تأكل قط، كانت تعد الطعام وتتظاهر بأنها تأكل، لأنها أرادت الإبقاء على الطعام من أجلنا". ويضيف: "لم يكن لدينا ما يكفي من الطعام، حيث اضطررنا للعيش على وجبة واحدة يومياً طيلة سنوات". وعن معاناة والدته، يستطرد أوشين حديثه: "كنا نراها (أمنا) تخسر كيلوجرامات من وزنها، إلى أن أصيبت بالملاريا عام 1996 في ذروة تمرد جماعة جيش الرب للمقاومة". وخشية التعرض لاختطاف محتمل من جانب مسلحي الجماعة التي أُخذ عنها الصيت السيئ في البلاد، لم تتمكن الأسرة من نقل الأم السقيمة من قرية "أبيا" في مقاطعة "ليرا"، شمالي أوغندا، إلى أقرب مستشفى، قبل أن يجازف أحد الأطفال بالتسلل عبر الأدغال للوصول إلى مستشفى آخر. بصوت لا يخلو من المرارة، يتابع أوشين: "المستشفى طلبت من الطفل المال، ونحن لا نملك شيئاً، فعاد بخفي حنين". وهباءً منثورًا، حاولت الأسرة الحصول على الدواء للأم التي هي بأمسّ الحاجة إليه، وسط مخاطر التعرض للاختطاف وتفجيرات الألغام الأرضية، حتى قضت في نهاية المطاف على فراش مرضها، ليقع على أوشين عبء رعاية إخوته الثمانية. لم تكسر وفاة الوالدة من عزيمة أوشين، بل كانت "أحد أسباب إلهامه"، فهو دائمًا يتذكر الوعد الذي قطعه لها، بأنه "لن ينضم إلى صفوف المسلحين"، وهو الوعد الذي بقي وفيًا له حتى اليوم، فاختار السلام، وبات مناصرًا لحقوق ضحايا الحرب. ويكمل أوشين حديثه حول تعليمه قائلا: "أنهيت المرحلة الابتدائية بدرجات عالية على رأس فصلي، وانضممت لمعهد ليرة تاون في عام 1997"، يقول أوشين: "كانت الحياة صعبة، اضطررت إلى قطع أشجار الجوز الشيا وحرقها من أجل الحصول على الفحم لدفع رسوم مدرستي وإعالة الأسرة". ويضيف: "أنا سعيد أن جهودي في حرق الفحم آتت أكلها، اليوم، يمكنني التحدث باللغة الإنجليزية"، مشيرًا إلى أنه عمل بوظائف كثيرة وغريبة لكسب المال. ومن بين المهن التي امتهنا أوشين العمل كعامل نظافة، وحفر الحدائق، وباع أيضًا الحليب وتفريغ الرمال من الشاحنات، ونقل الطوب، وبيع الأسماك، وبعد ذلك كموظف استقبال بإحدى الإذاعات. ويوضّح أنه قدّم طلبًا في وقت لاحق إلى وظيفة في مؤسسة " ستريت توك" الأوغندية وحصل عليها بعد عام، ثم التحق ببرنامج دبلوم "عطلة نهاية الأسبوع" في جامعة كمبالا العالمية للقيادة. ويلفت إلى أنه في عام 2006 قصف الجيش الأوغندي مواقع لجماعة "جيش الرب للمقاومة" وتمكن من تحرير العديد من المختطفين وفرار أعضائها. أوشين الذي كان قد وعد والدته المحتضرة أنه لن يعقد بندقية، أسس جمعية "نادي السلام" لتلبية احتياجات الأطفال الذين اعتادوا على القيام بدور نشط في القوات المسلحة، ويضيف: "والأهم من ذلك، أردت تأهيل أولئك الذين كانوا عائدين من أسر الجماعة المسلحة". ولم يكتف أوشين بذلك، بل بدأ من خلال شبكة مبادرة الشباب الأفريقي (AYINET)، في تعبئة المتطوعين الذين ذهبوا إلى القرى في جميع أنحاء البلاد لمساعدة المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج، مضيفًا: "لم نكن نملك المال، ولكن نقدم المساعدة أيا كان نوعها". ويلفت أوشين إلى أن "الناس غالبا ما تصور أفريقيا كقارة عنيفة حيث الشباب غاضبون ويقتلون بعضهم بعضا.. نعم نحن نرى الكثير من ذلك، ولكن هناك الكثير من الأفارقة محبين للسلام جدا". وفي يوم 7 فبراير الجاري، تلقى أوشين اتصالاً هاتفياً من "لجنة خدمة الأصدقاء الأمريكيين" (غير حكومية)، وتعمل على تعزيز السلام والعدالة، بأنه تم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام لعام 2015 على أعماله الإنسانية. ويقول في هذا الإطار: "ترشيحي لجائزة نوبل للسلام جعلني أكثر تواضعًا، خاصة أن لجنة خدمة الأصدقاء الأمريكيين رشحت سابقا عظماء أمثال مارتن لوثر كينغ جونيور، المهاتما غاندي، الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ورئيس الأساقفة ديزموند توتو، وغيرهم". يذكر أن لجنة "خدمة الأصدقاء الأمريكيين" كانت قد حازت على جائزة نوبل للسلام بالمناصفة مع "مجلس خدمات الأصدقاء" (غير حكومية)، عام 1949. فوجئ أوشين، بهذا الخبر، وللوهلة الأولى لم يصدق نفسه بأنه تم اختياره للفوز بهذه الجائزة المرموقة عالمياً. عن ذلك يقول: "فوجئت لهذا، وشعرت بالتواضع، لدرجة أنني تساءلت عما إذا كانوا يقصدونني". وإلى جانب منظمته التي ينتمي إليها وهي "شبكة مبادرة الشباب الأفريقي"، تم ترشيح الناشط الحقوقي الأفريقي لنيل الجائزة العالمية. وتأسس "جيش الرب للمقاومة" كحركة مسيحية مسلحة في شمالي أوغندا عام 1986، وهو نفس العام الذي استولى فيه الرئيس يوري موسيفيني على السلطة في كمبالا. ويقدر أن ما بين 200 و500 من مقاتلي الحركة، يروعّون المجتمعات المحلية في أنحاء كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى.