فى الوقت الذى تنشغل فيه العديد من القوى السياسية الفلسطينية بوهم (الديمقراطية سواء تلك التى ستجرى فى انتخابات المجلس التشريعى أو غيرها من الفاعليات) , ووهم الانسحاب من غزة , كان أسرى فلسطين الذين يزيد عددهم على الثمانية آلاف أسير يعيشون أسوأ الأوضاع الانسانية , حين يمارس الاحتلال عليهم أبشع صور التعذيب النفسى والجسدى , وحين تمتد سنوات السجن دون بارقة أمل فى الافراج عنهم , وياليت أسرهم وسجنهم يكون بثمن لدى القادة والمسئولين العرب والفلسطينيين , وإنما للأسف يكون سجنهم بلا ثمن يذكر , فها هو التطبيع الرسمى بين 13 دولة عربية وبين الكيان الصهيونى على قدم وساق ويقترب حجم التبادل التجارى بينهما من المليار دولار عن عام 2005 , وكأن القضية الفلسطينية قد حلت والسلام عاد بالخير على الشعب الفلسطينى وعلى الأسرى , الذين هم رمز الصمود والعزة الفلسطينيين فأفرج مثلاً عنهم جميعاً أو حتى عن بعضهم , كل ذلك لم يحدث , ورغم أن شارون – الذى يصارع الآن لحظة كتابة هذا المقال سكرات الموت - لم يعدهم بأى شىء بل واستمر فى سياسات القتل لقيادات الانتفاضة والتعذيب للأسرى , رغم ذلك فإن هذه القيادات العربية لا تريد أن تصدق الواقع وتكذب حتى على نفسها , وتتخيل أنها تعيش بالفعل لحظة بناء الدولة الفلسطينية لمجرد انسحاب احادى الجانب (هو فى الواقع تحريك واعادة توزيع لقوات الاحتلال مع قضم عشرات الكيلو مترات من محيط غزة) . * على أية حال .. لايزال أسرى فلسطين يعيشون واقعهم الصعب , ويلخصون المأساة الفلسطينية كاملة وهم لذلك يحتاجون إلى دعم حقيقى لهم , دعم مادى وسياسى واعلامى , إذ من العار , كل العار أن نصمت على جريمة استمرارهم رهن الأسر والاعتقال خاصة السياسيون منهم , ان اسرائيل تمارس عليهم التعذيب البشع ليس من اليوم فحسب بل منذ عشرات السنين , وفى هذا المقال نستعرض أحدث تقريرين صدرا حول مأساة هؤلاء الأسرى ومدى خطورتها وأهميتها نستعرضهما على ما بهما من آلام ومحن وحقائق توقظ النوم الخائفين من حكامنا ومثقفينا وسياسيينا الذى يؤلم بعضهم حدث وقع منذ ستين عاماً اسمه إحراق اليهود فى أفران النازى ولا تؤلمهم مأساة حقيقية تقع أمام أعينهم اليوم فى أفران النازى الصهيونى , لعل هذه التقارير توقظ ضميرهم ان وجد . التقرير الأول صدر عن جامعة الدول العربية والثانى عن وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينية , فماذا يقولا ؟ تشريع التعذيب فى التقرير الأول حذر الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير محمد صبيح من خطورة استمرار اسرائيل فى ممارسة أساليب التعذيب المحرمة دولياً ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الاسرائيلية , مؤكداً أن إسرائيل هى الدولة الوحيدة التى تمارس أساليب التعذيب المحرمة دولياً وتجيز التعذيب وتضفى عليه صفة الشرعية وتمارسه كوسيلة رسمية تحظى بالدعم السياسى والتغطية القانونية التى وفرتها المحكمة العليا لأجهزة الأمن الاسرائيلية عام 1996 عندما منحت جهاز الأمن الداخلى (شاباك) الحق فى استخدام التعذيب وأساليب " الهز والضغط الجسدى ضد المعتقلين الفلسطينيين " . ولفت التقرير الى أن قوات الاحتلال اعتقلت منذ عام 1967 وحتى اليوم ما يزيد على 650 ألف مواطن فلسطينى , (أسأل هنا عن رأى الزميل الصحفى حازم صاغية فى هذا الرقم ودلالاته اللاأخلاقية وهو الذى تؤرقه صباح مساء المحرقة اليهودية التى ربما وقعت قبل 60 عاماً ويزعج نومه أحاديث أحمادى نجاد عنها !!) ويؤكد التقرير انه رغم حالة التهدئة القائمة , الا ان أعداد الأسرى فى تزايد مطرد , اذ تواصل قوات الاحتلال حملات الاعتقال العشوائية , ووصل عدد من اعتقلتهم منذ مؤتمر شرم الشيخ الى نحو ثلاثة آلاف مواطن , فيما اعتقلت نحو 270 مواطناً خلال نوفمبر (2005) . وقدرت أعداد الأسرى منذ ما قبل انتفاضة الأقصى والذين مازالوا فى الأسر , بنحو 570 أسيراً . وذكر أن هناك 369 أسيراً معتقلين منذ ما قبل قدوم السلطة فى مايو 1994 , فيما اعتقل نحو 201 أسير بعد اتفاق أوسلو وقبل انتفاضة الأقصى ومازالوا فى الأسر . وفيما يتعلق بالأسيرات , ذكر التقرير أن هناك أكثر من 400 أسيرة اعتقلن خلال انتفاضة الأقصى , ونحو 116 أسيرة لايزلن رهن الاعتقال , ونبه الى أن 25 أسيرة اعتقلن العام الماضى فى مقابل 35 أسيرة العام 2004 . أما فيما يتعلق بأوضاع الأطفال الأسرى , ذكر التقرير أن اسرائيل تعتقل الأطفال وتحاكمهم وتحتجزهم فى ظروف سيئة للغاية فى المناطق الفلسطينية , وهو ما يخالف القواعد القانونية الدولية التى أقرها المجتمع الدولى , وأفاد ان كل المواثيق والأعراف الدولية جعلت من السجن بالنسبة الى الاطفال " الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة " الا ان سلطات الاحتلال جعلت من قتل الأطفال واعتقالهم الملاذ الأول وليس الأخير , فهى تفرض عليهم احكاماً قاسية وصلت بحق بعضهم الى المؤبد , وطالب التقرير كل المؤسسات التى تعنى بالأطفال بالتحرك الجاد والفورى لإنقاذ مستقبلهم , وقدر عددهم بنحو أربعة آلاف طفل اعتقلوا منذ بداية انتفاضة الأقصى , فيما لايزال نحو 301 طفل فى الأسر . وقدر التقرير عدد الأسرى القدامى (وهو اسم يطلق على الأسرى الذين اعتقلوا قبل قدوم السلطة ومازالوا معتقلين) بنحو 369 معتقلاً , لافتاً إلى أن أوضاعهم قاسية للغاية ولا تختلف عن أوضاع الأسرى عموماً . وعن الأوضاع الصحية للأسرى , ذكر التقرير ان 1200 يعانون من أمراض مزمنة , منهم من اعتقل وهو مصاب برصاص ولم يقدم له العلاج اللازم , ما يعرضه لخطر الموت , فى حين تفتقر المعتقلات الى عيادات مناسبة للرعاية الطبية الضرورية , كما ان هناك العشرات بحاجة لعمليات جراحية عاجلة لإنقاذ حياتهم , بمن فيهم مسنون وأطفال ونساء رفضت الادارة نقلهم للمستشفى , ومازالت تعالجهم بحبة " الأكامول " السحرية التى يصفها الأطباء لجميع المرضى على اختلاف أمراضهم رغم خطورتها الكبيرة على الصحة العامة . وكشف التقرير ان 99% من الأسرى تعرضوا للضرب , فيما وضع 65% منهم فى الثلاجة وتعرض نحو 89% منهم للشبح , و93% منهم للوقوف لمدة طويلة , ونحو 94% الى الحرمان من النوم . التقرير الثانى : أسرى العام 2005 .. التعذيب فلسفة كيان أما التقرير الثانى فأعدته وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينية وفيه كشفت أن قوات الاحتلال الإسرائيلي, اعتقلت خلال العام المنصرم 2005 ( 3495 مواطناً) من مختلف محافظات الوطن, لازال منهم (1600 أسير) خلف القضبان. وأوضح التقرير السنوي, الصادر عن دائرة الإحصاء بالوزارة, أن قوات الاحتلال واصلت خلال العام 2005, حملات الاعتقال بأشكالها المتعددة, حيث اعتقلت ( 3366 مواطناً) من محافظات الضفة الغربية والقدس وأراضي ال"48", يشكلون ما نسبته ( 96.3 %) من أجمالي الذين اعتقلتهم خلال الفترة المستعرضة, و( 129 مواطناً) من محافظات قطاع غزة, يشكلون ما نسبته ( 3.7 % ). ولفت تقرير الوزارة, إلى أن هناك المئات من المواطنين والطلبة تم احتجازهم لساعات طويلة أو لأيام قلائل على الحواجز ونقاط التفتيش ومراكز التوقيف, بالإضافة إلى ال(3495 مواطناً), لم تتمكن الوزارة من توثيقهم, منوهاً إلى أن عدد من اعتقلتهم قوات الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى, بلغ حوالي ( 40000 مواطن ومواطنة). وبين التقرير أن قوات الاحتلال اعتقلت خلال العام المنصرم, ( 400 طفل) لا زال منهم (301 طفلاً) رهن الأسر, مما يهدد مستقبلهم بالضياع, إلى جانب أنهم يعاملون بقسوة ومحرومين من مواصلة مسيرتهم التعليمية, وتصدر بحقهم أحكاما جائرة تصل أحياناً للسجن مدى الحياة. كما لفت التقرير إلى اعتقال قوات الاحتلال لعشرات الفلسطينيات في ظروف صعبة, حيث يتم احتجازهن في أماكن لا تليق بهن, دون مراعاة لجنسهن واحتياجاتهن الخاصة, ودون توفر حقوقهن الأساسية, التي نصت عليها المواثيق الدولية والإنسانية, إلى جانب المعاملة الاستفزازية من قبل السجانين والسجانات وتوجيه الشتائم لهن والاعتداء عليهن وتعرضهن للتفتيش المذل خلال خروجهن للمحاكم أو للزيارات أو حتى من قسم لآخر, منوهاً إلى أنه لازال هناك ( 25 أسيرة ) خلف القضبان. وأظهر تقرير وزارة شؤون الأسرى والمحررين, أنه مع بداية العام 2005 كان هناك ( 21 أسيرا) قد أمضوا أكثر من عشرين عاماً, ولم يتم الإفراج عن أي أسير منهم, فيما وصل عدد الأسرى الذين امضوا أكثر من عشرين عاماً مع نهاية العام المنصرم, إلى ( 35 أسيراً), منهم ( 30 أسيرا) فلسطينيا, أقدمهم الأسير ا سعيد وجيه العتبة, من محافظة نابلس, وهو معتقل منذ 29-7- 1977م أي منذ أكثر من 27 عاماً. وأضاف أنه يوجد من بين أقدم الأسرى ( 5 أسرى عرب) وأقدمهم الأسير اللبناني سمير سامي القنطار, المعتقل منذ 22-4-1979م, وأربعة آخرين من الجولان المحتلة هم: بشير سليمان المقت, وعاصم محمود والي, وسيطان نمر والي, وصدقي سليمان المقت وجميعهم معتقلين منذ العام 1985م . بالإضافة الى ذلك , بين تقرير الوزارة, أن عدد شهداء الحركة الوطنية الأسيرة, بلغ مع بداية العام المنصرم, (176شهيداً), أضيف إليه خمسة شهداء جدد, ليصل إجمالي عدد الشهداء ( 181 شهيداً ), منهم ( 59 شهيد) خلال انتفاضة الأقصى, وذلك بسبب سياسة الإهمال الطبي الممنهجة والتعذيب القاسي المشرع قانوناً والقتل العمد بعد الاعتقال . الآن .. وبعد قراءة هذه الحقائق والتى وردت فى تقريرين لا غبار عليهما , نسأل ما العمل ؟ إن الاجابة المباشرة تقول إنه لم تعد تجدى الحلول التفاوضية , لأنها تنطلق للأسف من موقع الضعيف , موقع المستسلم , والحالة الوحيدة التى ثبت فيها أن التفاوض مجدى هى حالة (حزب الله) حين أطلق سراح أسراه ومعهم أكثر من 400 أسير فلسطينى وعربى بفضل قيامه بأسر جنود احتلال عند مهاجمتهم لجنوب لبنان بعد تحريره وكذلك حين أسر عقيد موساد إسرائيلى من خلال استدراجه الى بيروت , تلك هى الحالة الوحيدة التى أمكن فيها التفاوض والوصول الى نتائج ايجابية أما باقى الحالات فكانت أقرب إلى الاستجداء ولم تجد شيئاً ملموساً , وعليه لابد من تفعيل منطق ومنهج المقاومة داخل فلسطين وخارجها بهدف تحرير الأسرى , ليس معنى هذا اغفال النضال السياسى والاعلامى بل لابد أن تسير كل المسارات فى طريق واحد , ولابد من تحريك الرأى العام الدولى والعربى والإسلامى لحمل مسئولية وشرف قضية الأسرى ورفعها الى أعلى المراتب والاصرار عليها . ذلك هو الطريق .. فمن يسير فيه ؟! E – mail : yafafr @ hotmail . com