تأكدنا الآن أن العلمانيَّة ليست مشروعًا للنهضة، ولا مشروعًا سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو فكريًّا أو ثقافيًّا، بل هو مجرد مشروع للشوشرة على المشروع الوطني الإسلامي، ذلك أن من حقائق الأشياء أن الناس في البلدان العربيَّة والإسلاميَّة وبدرجات مختلفة لن تنجح في إقامة مشروع للنهضة إلا على الأساس الإسلامي، ذلك لأن الإنسان ليس جمادًا ولا يخضع لقواعد المادة وحدها، بل يدخل في ذلك عوامل ثقافيَّة وتاريخيَّة ووجدانيَّة اقتصاديَّة أو اجتماعيَّة أو نهضويَّة، فإن أي مشروع للنهضة يتجاهل البعد الثقافي والحضاري والوجداني للإنسان سيفشل حتمًا، ولعلَّ ذلك كان السبب الأساسي لفشل كل مشروعات النهضة على غير الأساس الإسلامي والتي تمت في مجتمعاتنا في المائة عام الأخيرة. ولأن العلمانيين الكبار يعرفون هذه الحقيقة فإنهم مثلًا كانوا يدعون لإجبار الناس بالقوة على تبني مشروعات غير إسلاميَّة، ومن ثَمَّ تحول هؤلاء المثقفون العلمانيون إلى أداة في يد العسكر والأنظمة الديكتاتوريَّة. وصحيح أن المشروع الإسلامي مشروع واسع يحتمل اجتهاداتٍ متعددة داخل الإطار، ويقبل النقد والنقد الذاتي، فإن هذا لا يعني إمكانيَّة نجاح المشروع العلماني، لأنه أصلا ليس مشروعًا بل مجرد شوشرة. ولقد تحقق أن العلمانيَّة ما هي إلا شوشرة على المشروع الإسلامي من خلال ما حدث مع رجب طيب أردوغان إبان زيارته الأخيرة لمصر. فالرجل وحزبه ومشروعه كان قد تعرَّض لنقد حاد من العلمانيين المصريين على اعتبار أنه رجل مراوغ يبطن الإسلام، ويدعو إلى الخلافة العثمانيَّة، وأنه أحد العثمانيين الجدد، بل وحرضوا عليه الجيش التركي... الخ، إلا أنه فجأة أصبح نبراسًا لهم ونموذجًا يجب أن يُحتذى لمجرد أنه قال أنه يطبق العلمانيَّة في تركيا، وبديهي أن ظروف تركيا مختلفة، فالرجل محكوم بدستور معين يعاقبه قانونًا إذا قال غير ذلك، بل إنه شخصيًّا تعرَّض للسجن والحرمان من العمل السياسي 5 سنوات لمجرد أنه أظهر مشاعر إسلاميَّة أثناء إلقاء قصيدة شعر، وكذا فإن التركيبة التركيَّة لها تعقيداتها التاريخيَّة والجغرافيَّة، فهي جزء من أوروبا، وعضو في حلف الناتو، والتعاون بين الجيش التركي وإسرائيل أمر تقليدي، وهناك مشاكل عرقيَّة مثل الأكراد، وطائفيَّة مثل العلويين ودينية مثل الأرمن، ولتفكيك هذا كله بالنسبة لأردوغان فإن الأمر يقتضي السير بحكمة والكلام بحكمة أيضًا، وهكذا فإن الرجل كان يوجِّه كلامه إلى تركيا وأوروبا وأمريكا وليس مصر، ولو كان هو شخصيًّا في مصر لرفض العلمانيَّة فورًا، ولكال لها السباب. هذا بالطبع فضلًا عن سوء النية في توجيه الأسئلة إلى الرجل وسوء الترجمة، وانتزاع معانٍ لم يقلها الرجل من كلامه، فالرجل لم يتكلم عن التجربة المصريَّة، بل عن التجربة التركيَّة. أيًّا كان الأمر فإن معنى لجوء العلمانيين إلى الاستعانة بكلام محرف أو حقيقي من أردوغان أنهم أفلسوا تمامًا، ووصلوا إلى أن الإسلاميَّة في مصر حقيقة واقعة لا يمكن الفكاك منها، فراحوا يرجون من المصريين أن يكونوا مثل إسلاميَّة أردوغان التي تحترم الحرية والرأي الآخر ونريد أن نطمئن الجميع، أنه سواء كانت هناك تجربة الحركة الإسلاميَّة في تركيا التي انتهت إلى تجربة أردوغان أو لم تكن موجودة، فإن الاتجاه الإسلامي في مصر وكل العالم قد حسم أمره باتجاه احترام التعددية السياسيَّة والدينيَّة والثقافيَّة واحترام صندوق الانتخابات واحترام حرية التعبير والنشر وحرية العقيدة والفكر وحرية تشكيل الأحزاب وكل الحريات السياسيَّة والفكريَّة المعروفة. المصدر: الإسلام اليوم