أثار اعتداء قوات الأمن في جنوب أفريقيا على نواب معارضين وإخراجهم بالقوة من مبنى البرلمان أثناء قيام الرئيس جاكوب زوما بإلقاء كلمة، الأسبوع الماضي، كثيرا من التساؤلات حول وضع ومستقبل الديمقراطية في البلاد. وفي حديث مع وكالة الأناضول، قالت سوزان بويسن، وهي أستاذة علوم سياسية في جامعة "ويتواترسراند" بمدينة جوهانسبرغ، معلقة على هذه الواقعة: "نعم إلى حد ما أضر الحادث بالديمقراطية في البلاد، لكنه لم يشكل مفاجأة". والأسبوع الماضي، أخرجت قوات الأمن بالقوة، يوليوس ماليما، زعيم حزب "المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" المعارض، وعدد من نواب الحزب، من مبنى "الجمعية الوطنية" (الغرفة الأولى للبرلمان)، إثر مقاطعتهم خطاب حالة الأمة السنوي الذي يلقيه الرئيس جاكوب زوما أمام البرلمان. وتحدثت تقارير إعلامية محلية أن بعض النواب أصيبوا بجروح خلال اشتباكات مع عناصر الأمن، وتلقى أحدهم إسعافات أولية خارج البرلمان. وأثناء إلقاء كلمته، قاطع نواب معارضون "زوما"، وسألوه: "متى سيقوم بتسديد الأموال العامة التي استخدمها لتجديد مقر إقامته الشخصية الريفي؟ في شهر مارس / آذار 2014، اتهمت النائب العام في جنوب أفريقيا، ثولي مادونسيلا، الرئيس جاكوب زوما ب"استخدام مبالغ طائلة من الأموال العامة لتجديد منزله الريفي"، وطلبت منه تسديد هذه الأموال. وكان من المفترض أن يكلف تحديث المنزل ميزانية الدولة نحو 2.5 مليون دولار، لكن التجديدات الفخمة، رفعت التكلفة الإجمالية إلى ما يقرب من 23 مليون دولار، غير أن "زوما" نفي مرارا ارتكاب أي مخالفات، ورفض سداد أي أموال. وأدت أسئلة النواب المعارضين إلى مقاطعة وتأخير جزء من خطاب "زوما" حول حالة الأمة الذي طال انتظاره، ما دفع رئيس البرلمان لإعطاء أمر لقوات الأمن بإخراج النواب. ويملك حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم 249 مقعدا في "الجمعية الوطنية" المكونة من 400 مقعد. من جانبه، انتقد "أندريه دوفنهاغ"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "نورث ويست" في مدينة بوتشفستروم (شمال شرق)، واقعة إخراج النواب بالقوة من مبنى البرلمان. وقال في حديث لوكالة الأناضول، إنه "حادث مؤسف للغاية ويظهر أن البرلمان صار تحت الهجوم". وأضاف: "كنا خير مثال (للديمقراطية)، لكننا نتقهقر في الوقت الراهن في ظل الضغوط على المؤسسات الديمقراطية في البلاد". ومتفقا مع سابقيه، اعتبر النائب جيمس سيلفي، الرئيس التنفيذي لحزب "التحالف الديمقراطي" المعارض، أن إخراج نواب المعارضة بالقوة من البرلمان "يضر الصورة الديمقراطية في البلاد". وقال في حديث ل"الأناضول": "لم نعد مثالا للديمقراطية في أفريقيا بعد الآن"، زاعما وجود "نمط منهجي" ضد أولئك الذين يكافحون الفساد في البلاد. وأضاف: "نحن بحاجة إلى اتخاذ خطوات لاستعادة الديمقراطية، وينبغي على رئيس الجمعية الوطنية ورئيس المجلس الوطني للمقاطعات (مجلس محلي) السماح للنواب بالتعبير عن أفكارهم دون استدعاء عناصر الأمن لإخراجهم". وأشار النائب إلى أن حزب "التحالف الديمقراطي"، حزب المعارضة الرئيسي في جنوب أفريقيا، تقدم بطلب أمام المحكمة العليا في مقاطعة "الكاب الغربية" للحصول على تعهد بعدم استدعاء الشرطة لإخراج نواب من "الجمعية الوطنية". ومضى قائلا: "لا يمكننا أن نتسامح مع حالة يتم فيه إخراج النواب من المجلس أو تهديدهم بمثل هذا الإجراء أثناء تنفيذ واجبهم في محاسبة المسؤولين التنفيذيين، وهو حق يكفله الدستور لأعضاء البرلمان". في المقابل، وصف حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم في بيان، الطلب الذي قدم إلى المحكمة ب"النفاق الذي يفضح حزب التحالف الديمقراطي، على حقيقته، الذي هو على استعداد لاستخدام المحاكم لتقويض الديمقراطية ودستورنا". ولا يزال الكثيرون يعتقدون أن إخراج نواب المعارضة بالقوة من البرلمان حادث منفرد. وقال "ديرك كوتسي"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جنوب أفريقيا، إن "الواقعة (إخراج النواب من البرلمان) لم تضر الديمقراطية بشدة؛ لأننا ما زال لدينا العديد من المؤسسات القوية مثل وسائل الإعلام والقضاء والمجتمع المدني، من بين مؤسسات أخرى". واعتبر "كوتسي" أن ما حدث في البرلمان كان حادثا منفردا، وأعرب عن اعتقاده بأن "البرلمان اكتسب مزيدا من الاحترام، عندما اعتذر رئيسه باليكا مبيتي إلى يوليوس ماليما بعد أن وصفه بأنه صرصار". غير أن الأكاديمي الجنوب أفريقي حذر رغم ذلك من أنه إذا تكررت حوادث مماثلة لإخراج النواب بالقوة بعد ذلك، فإن هذا سيؤثر على الديمقراطية. وبنفس القدر، يعتقد المحلل السياسي والكاتب "مزوكسولو مبولاس"، أنه إذا استمر تكرار حوادث مماثلة، فإن مصداقية البرلمان سوف تصبح موضع تساؤل، لكنه لا يشعر بأن ثمة تهديد للديمقراطية في البلاد. وفي الوقت نفسه، وجهت عدة منظمات انتقادات للبرلمان بعد التشويش على أجهزة الهاتف المحمول خلال خطاب زوما في البرلمان. وتقدم "منتدى المحررين الوطني" في جنوب أفريقيا، إلى جانب عدد من المنظمات، إلى المحكمة العليا للحصول على أمر أن يتعهد البرلمان بعدم تكرار التشويش على إشارة المحمول مجددا.