دون أن نسأل: من يكتب خطابات الرئيس، أو من يحضر له أجندة لقاءاته وكلماته وتصريحاته، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي، ظهر على التليفزيون وقال كلمته وقضى الأمر. ولا ندري ما إذا كانت الكلمة "ارتجالية" لا تحمل أي فحوى حقيقي لمدلولها اللفظي.. أو أن لها رمزيتها الدالة على واقع حقيقي.. وأنها "شفرة" لا ينقصها إلا تفكيك رموزها وتفسيرها، على نحو يكون أقرب إلى ملامسة الحقيقة التي يتعذر على الرئيس الإفصاح عنها مباشرة. الرئيس في آخر لقاءاته قال إنه سيترك للشعب أن يثأر للشهداء من الإرهابيين!!.. صحيح أن خصومه فسروها بأنها دعوة للاحتراب الداخلي.. ولكن يمكن تفسيرها بأنها في إطار عفوية الخطابات الارتجالية، التي ربما لا تقصد ظاهرها اللغوي وإنما دغدغة المشاعر الغاضبة.. وأيًا ما كان الأمر، فإن هذه الدعوة، بالغة الخطورة ليس استنادًا إلى تفسير الخصوم لها وإنما لأنها ربما تمس أهلية الدولة، وقدرة الرئيس على القيام بواجباته الدستورية: ويمكن أن يُطرح سؤال بالتبعية لتلك التصريحات بشأن دور الدولة ودور الرئيس نفسه، إذا طالب الشعب بأن يحل محل الدولة وأن يحل مكان رئيسها في التصدي لجماعات العنف المسلح؟! الرئيس هو القيم على إدارة البلاد، والدولة مسؤولة وحدها عن تنفيذ القانون، وهي وحدها لها حق حمل السلاح الشرعي واستخدامه وفقًا للقانون وليس عوام الناس، وكلام الرئيس قد نفهمه حال استنفذ هو كل طاقته، وكذلك الدولة.. فتنازلا عن دورهما إلى الشعب.. وهو تنازل "عبثي" يحيل البلاد إلى فوضى وإدراجها في قائمة "الدول الفاشلة". الرئيس أطلق هذه الدعوة، دون أن يحدد طرق الثأر الشعبوي، ولا يمكن لشعب أن يثأر لنفسه وبنفسه ودون وسيط أو وكيل قانوني ودستوري وطني "الدولة".. ولعل ذلك ما يحملنا على الاعتقاد بأن الرئيس والحال كذلك من المرجح أنه كان في سياق "ملاطفة" الشعب وليس إطلاق يده في حمل السلاح غير الشرعي. ولكن يظل كلام الرئيس، كلامًا غير مسبوق، ولم يسبق أن صدر من أي رجل دولة مسؤول في العالم، لأنه يعني في ظاهره إعلانًا رئاسيًا بفشل الدولة في مواجهة الإرهاب.. وحتى لو كانت هذه هي الحقيقة وفي مصر فإن الوضع لم يبلغ إلى هذا الحد بالمرة ولن يبلغه فإن القيادة السياسية في هذه الحالة، تعتذر للشعب وتخلي مكانها لتجربة وقيادة سياسية جديدة.. ومن خلال أدوات التداول السلمي للسلطة "الانتخابات".. وليس بدعوة الشعب بأنه "يتصرف" وحده ويحل محل الرئاسة والجيش والشرطة والقانون والمحاكم والمؤسسات. أنا غير متأكد من صحة الأخبار المتواترة، بشأن قيام مواطنين بحرق سيارة نجل قيادي معارض رفيع المستوى، واعتبرها البعض أولى تجليات دعوة الرئيس للشعب بأن يثأر لنفسه.. وإذا صحت هذه الأخبار فإنه ليس بوسع أحد أن يتوقع نتائج "الدعوة الرئاسية" بين مؤيديه وأنصاره من جهة.. وشكل ردود الأفعال من المعارضة في قادم الأيام من جهة أخرى.. وأعتقد بأن على الرئاسة أن تبادر إلى نزع فتيل هذه الفتنة، درءًا لحريق هائل، قد يصعب السيطرة عليه مستقبلاً. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.