لا تزال الحركات العلمانية تحاول ارتداء العباءة الليبرالية وتصدر من خلالها ما يمكن أن نسميه محاولة تغيير ما هو معروف من التقاليد والأعراف الاجتماعية والثوابت الدينية بالضرورة وهو منحى آخر فى صناعة الفوضى داخل المجتمعات وهم لا يستطيعون الجهر بذلك صراحة إلا أنه فى الفترة الأخيرة ومع تنحى الرئيس السابق وسقوط الدستور وانهيار الأمن ,أصبحت الأرض خصبة للزراعة من قبل هؤلاء فتراهم –تحت ضغط الحس الدينى الشعبى-يقولون إنهم لا يمانعون فى أن تكون مبادىء الشريعة الاسلامية موجودة فى الدستور وهى خدعة لرجل الشارع البسيط الذى سيقول انهم يريدون تطبيق الاسلام والحقيقة أن المبادىء التى يتحدثون عنها هى مبادىء انسانية عامة موجودة فى الفطرة الانسانية حول العدل والحق......إلخ .لكن أن تكون الشريعة الاسلامية ذاتها هى المصدر الأساسى للتشريع فهى ما يحاول العلمانيون ان يبذلوا جهدهم فى تغيير ذلك المسمى إلى ما يسموه المبادىء العامة . مثلا عندما تصطدم الشريعة بالحقوق الشخصية تجد المعارضة الشديدة من جانبهم وينادون بحق الزواج المدنى-وبالمناسبة تلك تسمية لطيفة من جانبهم-ليقولوا أنه يحق لأى امرأة ورجل أن يجتمعا سويا بعيدا عن الزواج الرسمى والقانونى . الحقيقة إن المجتمعات الغربية على مدى تاريخها ومنذ الثورة على الكنيسة فى القرن السادس عشر وبداية الثورة الصناعية وتحول تلك المجتمعات إلى الإنتاج والرأسمالية ,بدأت تبنى القيم الروحية والسلوكية لديها عبر خبرات متراكمة من الوعى الانسانى الفلسفى بعيدا عن الأديان السماوية ومن ثم تتغير القيم لتغير الفلسفة السائدة وقتها وطبقا للظروف الاقتصادية التى تمر بها فتارة تصبح مصلحة الجماعة أهم من المصلحة الفردية وتارة أخرى تصبح المنفعة الشخصية للفرد أهم من المصلحة العامة وأهم من القيمة الانسانية الجماعية ! ولنضرب مثلا بالسياسة الأمريكية التى هدفت عبر تاريخها بتحقيق مصالحها الشخصية ويدافعون عن الحرية فى العراق ويتدخلون عسكريا بسرعة غير معهودة بينما تستنجد بهم البوسنة والهرسك ويتجاهلونها وتتركهم فى خضم المذابح الجماعية وكأن الحرية والديمقراطية لا تخصهم هناك وهو سلوك انعكس على المواطن الامريكى فتجده يبكى على كلبه الميت ويقيم الحداد عليه بينما لا يبكى على الأطفال الذين ذبحوا بأيدى أمريكية استطاعت أن تنشر الفوضى فى العراق على نحو نموذجى. وعلى النقيض تجد أن القيم والمعتقدات فى الشرق الاسلامى لا تتغير بتغير الظروف فلقد استوعبت القيم التى ما قبل الاسلام ولم ترفض الأعراف والعادات الفطرية ولم تمارس القهر الدينى ولم تضع فكرة الحكم باسم الحق الإلهى ومن ثم فالقيم الدينية اندمجت لتدعم الشخصية المصرية وجعلته لا يحب التشدد وكذلك لا يحب التفريط المخل بالقيم. إن المحاولات التى تتم بتغيير عادات وقيم ومعتقدات الشخصية المصرية لهو أمر يدعونا إلى التأمل إذ أن مدبروا الفوضى فى المجتمعات وجدوا فى التراب المصرى الفرصة لبث سمومهم ولا شك ان تغيير المعتقدات والروحانيات يسهل فكرة الاحتلال الفكرى للشعوب حتى تظل خاضعة لها ومصر هى قلب العالم العربى واختراقه يحقق أمنية قديمة لهم حاولوا تطبيقها بالحروب الصليبية تارة وبتغيير التقافة والمعتقدات تارة أخرى وهذا هو ما يحدث الآن بالفعل وليس ببعيد ما قاله بوش الابن عن أن حرب العراق حرب صليبية متقمصا دور ريتشارد قلب الأسد!! ووصف وزير الداخلية الفرنسى الهجمة الغادرة على المدنيين الليبين العزل بأنها حرب صليبية!! وكأن اسقاط العرب حلم لم يحققه الأجداد وهاههم يسعون بتحقيق ما لم يحققه أجدادهم ونظرة واحدة على الخريطة تجد أن تدخلاتهم العسكرية فى دول المشرق سريعة جدا وكانها كانت مجهزة مسبقا !!. ليس من سبيل لنا سوى الوقوف تجاه تلك الهجمة والتمسك بثوابتنا الأخلاقية فاحترام الكبير واجب وهو عرف اجتماعى تاريخى فى مصر وليس من أجل الرئيس السابق الذى حصد بعض العاطفة من بعض الجماهير با عتباره أبا لكبر سنه نحطم قيمة الأبوة فى كل شىء فاحترام الأب فى المنزل والمدرس فى المدرسة والكابتن فى النادى والشيخ العجوز فى الشارع يجعل منا أمة تحترم نفسها والاحترام هو شعار التعامل بين أفرادها لكن الواقع السىء وحالة الانفلات السلوكى الاخلاقى فى الشارع تحتاج لوقفة ودراسة وأدعو الباحثين أن يجروا الأبحاث ويقدموا لنا الحلول حول ظاهرة التدنى التربوى والسلوكى فى مدارسنا وفقدان هيبة المعلم . للأسف كثرت ظاهرة التدخين والتعاطى للمخدرات بين طلابنا وأبنائنا وكثر حيازة هؤلاء الطلاب للمطاوى ,بل وفتش عن تحرش بعض الأولاد المراهقين لبعض المعلمات فى بعض المدارس وللأسف هذا الكلام صادم لنا جميعا لكن عرض الواقع بأمانة خطوة هامة للعلاج . لم يعد الأب أبا فى بيته وافتقد السيطرة وبديهى أن من يفقد السيطرة لا يستطيع أن يربى!. لابد من توجيه خطوة مضادة لتلك الهجمة الشرسة على ثوابتنا ووضع الحلول لتجاوز تلك الظاهرة وأدعو الأحزاب المصرية والجمعيات الخدمية المجتمعية أن تضع اصلاح التعليم مشروعا قوميا .أدعوهم أن يتحملوا المسئولية أمام الله ويفعلوا شيئا ايجابيا واحدا فى المجتمع وترى منهم من عاش فى ستينيات القرن السابق حيث كانت القيم المجتمعية لا تزال حاضرة بقوة فى قلب ووجدان رجل الشارع العادى ويحملون صورة ايجابية وبدلا من التحسر على الماضى علينا جميعا ان نشارك فى حاضر نستحقه. انظروا مثلا بين صورتين ,الأولى بعد أن تنحى الرئيس السابق وعمت الفرحة ميدان التحرير سارع الشباب الواعى والايجابى بتنظيف الميدان فى صورة أذهلت العالم وتحدث عنها رؤساء الدول وكم كانت من لقطة جميلة ,ولقطة أخرى فى نفس الميدان وهم يكسرون أرضه لكى يصنعوا الذخيرة للقتال !! فى لقطة سيئة .ترى أيهما نحبه لمصر؟ السلوك الايجابى هو الذى ينطلق بنا للأمام لكن الرضوخ لدعاوى غريبة عن عادتنا وتقالدينا هو الذى سيمضى بنا للخلف وأعجب حين انسحب المفكرون والحزبيون والحركات الثورية من جمعة الإرادة الشعبية (رغم وجود كثير منهم محترمون ووطنيون بحق) لمجرد أن أكثر من مليون-وفى رواية ثلاثة مليون-مصرى وقف فى ميدان التحرير للحفاظ على الهوية المصرية والدينية!! أراهم قد خذلوا الشعب وأهانوه ولو صدقوا لوقفوا واندمجوا معهم لكن الشعارات الدينية أغضبتهم رغم أن الأقباط قد مارسوا شعائرهم فى الميدان بكل حرية, وأغضبهم أن يهتف الشعب للمجلس العسكرى فى رسالة لدعمه وهو يستحق ذلك دون شك. من لا يمتلك القدرة على احترام الاختلاف كيف نثق به على وطننا ولم يكن من الجدير بهم أن ينسحبوا بتلك الصورة. لماذا يخاف بعض العلمانين من الإسلام علما بأنه لا يوجد فى الاسلام حكم دينى على شاكلة الحق الإلهى أم تراهم فوجئوا بالشعب يفشل مخططات التصعيد مع المجلس العسكرى ويفشل مخططات محاولة طمس الهوية المصرية الدينية . لا يجب أن نخاف من الدين كداعم للشخصية المصرية ومربى لها لكن يحق لنا أن نخاف من التشدد ومن يرفع الشعارات لأغراض أخرى ويصبح هذا الفصيل شأنه شأن العلمانين الذين يقودون الوطن للهاوية بقصد أما من يرفع الشعارات لأغراض أخرى يقود الوطن للهاوية بجهل لكن المصرى الحق هو ذلك الشخص المعتدل الذى يرفض التشدد وفى الوقت نفسه يرفض الانفلات . إن صناعة الفوضى فى المجتمعات العربية تكتب فصولها فى كتاب التاريخ فمن نشر الشائعات واحداث الفتن الطائفية وتفريق الشعوب ومحاولات اسقاط أدوات الردع فيها وتفريق فصائل الشعب الواحد ,هاهم يحاولون طمس الهوية المصرية لكنى أظن أنهم كلما ظنوا أنهم قدنجحوا إلا أن يقول الشعب كلمته لهم أنهم لن يفلحوا أبدا!!