شارك الأزهر فى النهضة الأدبية التى ظهرت معالمها فى القرن التاسع عشر، وكان علماء الأزهر هم المعين الذى نهل منه كل من جاء بعد من الأدباء والمثقفين، فهم الذين أحيوا الكتب الحديثة ونشروها محققة ومشروحة فى مطبعة بولاق، وكانوا هم نجوم الصحافة مثل الوقائع المصرية، وظهرت موسوعة "الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية" للحسين المرصفى هى التى أرست الدعائم والمنهج فى النقد والأدب، وقد تلقى عليه البارودى رائد الشعر العربى الحديث، وقد أحسن الدكتور محمد كامل الفقى أستاذ الأدب والنقد فى كلية اللغة العربية ومن زملاء الإمام المجدد محمد متولى الشعراوى رحم الله الجميع، وأوضح من خلال كتابه هذا أن الأزهر جوهرة غالية، لابد ان تجلو، ويبين عن جوهرها، وإظهار قيمتها ، وجاء صدور الكتاب بمناسبة العيد الألفى للأزهر فى الأربعينيات من القرن الماضى، الذى تأخر لمدة أربعين عاماً، فتم إعادة نشر الكتاب بالتزامن مع الإحتفال بالعيد الألفى للازهر الذى تم فى مطلع الثمانينات، مهد المؤلف حديثه عن تاريخ الأزهر وتطوره وعرف أصول النهضة التى غرسها الأزهر ودعمها، فى وقت كانت الأمة فى أحلك الظروف، ولا غرابة فإن الأزهر منقذ مصر، وبانى حضارتها، وآخذ بيدها من الهوة السحيقة التى هوت فيها، ورفعها إلى المكانة السامية التى تعتز بها، وتفتخر بها، ويشار إليها بالبنان، وتدوى آثارها فى كل مكان، وتلمع أنوارها فى كل مكان. وقد تناول الكاتب نواح متعددة، ودراسات متنوعة مستفيضة، وترجم لفريق من أدباء الأزهر، وكان أول من ترجم لهم، وذكر من الأدباء شعراء العصر، فأضفى وأفاض، مثل الشيخ عبدالرحمن قراعة، وتكلم عن الأزهر مصدر الثقافة ، وذكر فروعاً من دوحة الأزهر كدار العلوم التى عهد الخديو إسماعيل إلى على مبارك بإنشائها ليتوفر أبناؤها على دراسة اللغة العربية والعلوم الدينية، مع التزود من علوم العصر وما يستعان به من وسائل التربية والتعليم، كى يعهد إلى المتخرجين فيها بتعليم اللغة العربية، وكان جمهرة تلاميذتها وأساتذتها من الأزهر، فقام على التدريس فيها جمهرة من فحول العلم والبيان، وكان من العلماء والأدباء فيها من الأساتذة منهم: محمد عبده، وحسن الطويل، وحسين المرصفى، وحمزة فتح الله، ومحمد الخضرى، وعبدالعزيز جاويش، وبين المؤلف أن للأزهريين كان لهم دوراً فى إنشاء الجامعة المصرية والتدريس فيها فى بداية أمرها مثل الشيخ محمد المهدى، ومحمد الخضرى والشيخ مصطفى عبدالرازق، وكان لهم دوراً أيضاً فى النهوض بمدرسة القضاء الشرعى، مثل الشيخ حمروش وعبدالمجيد سليم ومحمد بخيت المطيعى والشيخ حسين والى وتعلم فيها الأعلام من الأزهر مثل الشيخ عبدالوهاب عزام، وعبدالوهاب خلاف، وعلى الخفيف، وقد آتت هذه المدرسة اكلها، وأثمرت ثمرها، وخرجت لمصر نوابغ نابغين تفخر بهم، حيث انتفعت بهم البلاد فى نواحى شتى كالنهضة الأدبية، هذه المدارس التى كانت المشاعل الأساسية التى ارتقت بالأدب والثقافة فى مصر ومازالت لها القدرة على العدل باستثناء مدرسة القضاء الشرعى التى الغيت فى نهاية الثلاثينيات.
وتكلم عن الأزهر والبعوث، وبين أن الأزهر كان البيئة الصالحة لنقل ثقافة الغرب وآدابه، فذهب كثير من أبناء الأزهر إلى أوروبا مبعوثين، فأثبتوا كفاية واقتدارا، وكانوا قدوة لغيرهم، كان منهم البارزون فى الترجمة، كرفاعة الطهطاوى وزملائه، وتكلم عن الأزهر والصحافة، وفى كلامه عن الصحافة تحدث عن مجلة الأزهر، فاوضح أن هذه المجلة (حملت لواء الدين والعلم والأدب ردحاً من الزمان، ووجد فيها الفحول الأغيار على الدين منبراً تشع منه أصواتهم، ويردون على شبه الملحدين والمارقين)، وتطرق المؤلف للديث عن المصححين (المحققين)الذين بعثوا الكتب الأدبية القديمة الحافلة بالأدب الحى والعلم الدقيق، مما هو نتائج عقول الأدباء والعلماء، وقد عهد إلى علماء الأزهر بتصحيح طائفة ضخمة من هذه الثقافات من أدب وتاريخ وتفسير وغير ذلك، مما هو من أمهات الأصول من كل فن، فجهدوا فى تصحيحها من كل خطأ يقعون عليه ومنهم الشيخ محمد قطة العدوى، والشخ نصر الهورينى وغيرهم.
ثم عرج المؤلف للحديث عن الأزهر والصحافة، فقد اعتمدت الصحافة على الأزهريين قبل غيرهم فى نهضتها، ووجدت منهم منذ نشأتها الأعوان الأقوياء، والأعضاء النافعين، والأقلام البليغة، والأفكار الناهضة، وأمدوا الصحف ببحوث العلم، وروائع الفكر، وطرائف الأدب، واتخذوها منبراً اعتلاه الأدباء والشعراء، وكبار المفكرين ، فروجوا سوق الأدب، ودعوا إلى الإصلاح الاجتماعى فى مختلف ألوانه وشتى أساليبه، ومن الصحف التى ظهرت فى هذا الوقت الوقائع المصرية، وحررها فترة الإمام محمد عبده وأنشأ قسماً أدبياً نشر فيه الفصول الأدبية وحرر اللغة من الجمود والضعف والتكلف، ومجلة روضة المدارس ، وصحيفة الأهرام وأبو نظارة ،وصحف النديم مثل التنكيت والتكيت وغيرها ...
وتكلم عن الأزهر والخطابة، تكلم عن الخطابة السياسية وأداه هذا إلى الكلام عن الأزهر والثورة العرابية ، وأبان أن الثورة العرابية أزهرية ، لأنها وجدت من الأزهر أعواناً بالقلب والجهد والفكر والتوجيه والإرشاد وتكلم عن الخطابة الديينة، وتحدث عن أشهر خطباء الأزهر.
وعرض المؤلف للحديث عن أعلام الحركة الأدبية التى قامت فى رحاب الأزهر وأعلامها مثل الشيخ حسين المرصفى والشيخ حمزة فتح الله، وسيد المرصفى، وحسين والى، وإسماعيل الخشاب، وحسن العطار، ومحمد شهاب، وعبدالرحمن قراعة، وعلى الليثى، وبين أن الأزهريون كانوا أساتذة الشعراء البارزين فالمرصفى كان استاذاً للبارودى، والبسيونى كان أستاذاً لشوقى والشيخ محمد عبده كان أستاذاً لحافظ، والشيخ كان أستاذاً لعبدالمطلب، تحدث الفقى عن جهود هؤلاء الأدباء راجعاً إلى آثارهم النادرة التى لا تتوافر للباحثين، فهو قد بذل جهداً كثيفأً لإماطة اللثام عن هؤلاء الأعلام .