الإسلام ليس مجرد عقيدة دينية نؤمن بها لأخرتنا فحسب، بل هو العمود الأساسي الذي يقوم عليه أمننا القومي وأمن الدول العربية والإسلامية. والغرب يعلم جيدًا أنه لو توحد المسلمون جميعًا فسوف يسودون العالم، وإن لم يكن ذلك، فعل أقل تقدير لن تستطيع احتلالهم ونهب ثرواتهم وخيرات شعوبهم. أدعياء الثقافة والإسلام: بمجرد أن يقرأ بعض الحمقى من بعض أدعياء الثقافة كتابًا أو كتابين في الفلسفة، يشرعون في مناصبة العداء لخالقهم الذي منحهم ملكة العقل والتفكير، ويعدون ذلك من الوجاهة الثقافية ويتقربون بها للغرب الذي يرحب بذلك ويحتفي بهم. والأمثلة على ذلك لا حصر لها. ويعلم الغرب جيدًا أن الإسلام يشتمل على مبادئ روحية وأخلاقية عظيمة تقوم بتربية الإنسان بطريقة متوازنة، وحماية الفرد والأسرة، ومن خلالهما حماية المجتمع ككل، ويبني على ذلك حضارة كانت قائمة بالفعل وأخذ عنها الغرب مقومات حضارته التي يتباهي بها الآن. فإذا كانت ما يقرب من 28 دولة أوروبية تحاول تجميع وتوحيد صفوفها لتكوين اتحاد فيما بينها، والعوامل التي تربطها ببعضها البعض لا تعدو أن تكون بعض الروابط الجغرافية الواهية، بينما الدول العربية التي تجمعها روابط أكثر قوة ووثوقًا وأعظمها اللغة الواحدة والعقيدة المشتركة فضلا عن اشتراكهم في منطقة جغرافية واحدة. ومع ذلك لم تحاول الدول العربية والإسلامية، مجرد محاولة أن تقوم بالتقارب فيما بينها وخلق علاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية تقربهم من الوحدة المنشودة، لأن حكامهم مع الأسف الشديد منغمسون من أعلى رؤوسهم وحتى أخمص أقدامهم في حماية عروشهم، أكثر من اهتمامهم بمستقبل شعوبهم وأجيالهم القادمة، وغالبًا ما يكون ذلك بالاستعانة بقوى خارجية لا يهمها إلا أن تظل هذه الدول متخلفة ومتفتتة. وبينما يوشك عصر الثروة البترولية على الأفول، فإن الدول العربية لم تستفد من هذه الثروة الهائلة التي كان يمكنهم بها بناء حضارة تليق بماضي الأمة الإسلامية وعلى أسس راسخة، وتضعهم في مصاف الدول المتقدمة علميا واقتصاديا واجتماعيا، ولم يحصلوا من ورائها مع الأسف الشديد إلا على القشور المادية الزائفة للحضارة. والغرب والاستعمار الغربي هو المسئول عن تخلف وتفكك الأمة العربية وبقائها على هذا النحو بشراء الحكام والإيقاع بين بعضهم البعض، لتبقى هذه الدول في ذيل أمم العالم، وليسهل عليهم نهب ثرواتها. وليس صحيحًا على الإطلاق أن هناك نصوصًا مقدسة في الإسلام تعادي الدنيا كلها، بل أن الترتيب الصحيح لهذه العبارة هو "أنه وفي كل الأديان السماوية نصوصًا، لا أقول تعادي، ولكنها تخالف كلفة العقائد الأخرى، وهذا أمر طبيعي، وإلا لأصبحت كلها عقيدة واحدة، تحمل مبادئ متشابهة. بل أنني أجزم أن الإسلام هو أكثر الديانات السماوية من حيث سماحته واحتفائه بالبشرية وبأصحاب الديانات السماوية الأخرى. ولكن هذه العبارة تنطبق تمامًا على اليهودية، ففيها نصوص مقدسة تعادي البشرية كله، وليس الإسلام فقط، فلننظر مثلا إلى النصوص اليهودية المقدسة وكيفية التعامل مع الآخرين الذين تطلق عليهم "الأمميون": ففي "العهد القديم" وفي سفر التثنية تقول قوانين الحرب وهي تحدد لهم أسلوب الاستيلاء على المدن، وأسلوب التعامل مع أهل البلاد وتصف ذلك: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك. وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربا، فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هذه. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبعد منها نسمة ما. التثنية: 20: 10-16 أن السلطة في الأرض لليهود، وعليهم أن يبذلوا جهدهم في سبيل ذلك بشتى الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة. ملعون كنعان! عبد العبيد يكون لإخوته. وقال: مبارك الرب إله سام. وليكن كنعان عبدا لهم ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدا لهم وعد لإبراهيم يعطيه لإسحاق من بعده الذي يعطيه بدوره ليعقوب، عليهم جميعا السلام، وفقا لروايتهم. وكنعان الملعون في هذا النص هو جد العرب وسلالتهم، قبل إسماعيل عليه السلام. وبالطبع فليس لكنعان ذنب على الإطلاق، سوى كونه ابن حام الذي غضب عليه نوح. هذا النص المذكور يعتبر من أوائل ما يقرأه المرء في التوراة. وهو مفتاح الدراسة في عدد هائل من المدارس الإنجيلية في الولاياتالمتحدة، وعدد ضخم من المدارس يتلقى الدراسة بها الملايين من التلاميذ ... يفتتحون دراساتهم بهذا الكلام وتتفتح مداركهم عليه. وخرج يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران ... واضطجع في ذلك المكان فرأى حلما قال له الرب فيه: أنا الرب اله إبراهيم أبيك واله إسحاق. الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك. ويكون نسلك كتراب الأرض، وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبا، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض. وهذه النصوص هي التي يستند عليها القادة الإسرائيليون كمصدر وحي، وكشريعة مقدسة لإقامة دولتهم في فلسطين، على أساس أن كل جريمة تصبح شرعية وقانونية من أجل تحقيق وعد الرب. أما بقية الشعوب الأخرى فتقول عنهم هذه النصوص: ويقف الأجانب ويرعون غنمكم، ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم. أما أنتم فتُدعون كهنة الرب، تُسمّون خدام إلهنا. تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتأمرون. (سفر أشعياء 61: 5-6). ثم هذا النص في سفر المكابيين الثاني (15:34) الذي يعادي العالم بأسره: قال موسى: يا رب! لماذا خلقت شعبا سوى شعبك المختار؟! فقال: لتركبوا ظهورهم، وتمتصوا دماءهم، وتحرقوا أخضرهم، وتلوثوا طاهرهم، وتهدموا عامرهم. وتمنح النصوص المقدسة الحق لبني إسرائيل في تحقيق أغراضها بالغزو والاحتلال – ويصبح الله هو "رب إسرائيل" وهو أيضًا "رب الجنود" ليضفي على حروبهم القداسة والشرعية: "ولا يسمع لكما فرعون حتى أجعل يدي على مصر، فأخرج أجنادي، شعبي بني إسرائيل من أرض مصر بأحكام عظيمة (سفر الخروج 4). الرب ... يطرد من أمامك شعوبا أكبر وأعظم منك. ويدفع ملوكهم إلى يدك فتمحو اسمهم من تحت السماء. ولا قيمة للعهود والمواثيق والأيمان عند اليهودي مع الأجنبي (الأممي)، ولليهودي أن يتحرر منها متى شاء. ولا قيمة لأعراض غير اليهود في نصوصهم، فلليهود الحق في اغتصاب النساء غير اليهوديات، وليس للمرأة اليهودية أن تبدي أية شكوى إذا زنا زوجها بأجنبية غير يهودية أن السلطة في الأرض لليهود، وعليهم أن يبذلوا جهدهم في سبيل ذلك بشتى الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة. ملعون كنعان! عبد العبيد يكون لإخوته. وقال: مبارك الرب إله سام. وليكن كنعان عبدا لهم ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدا لهم والإسلام يحض على التفكير والتدبر، كسبيل للوصل إلى الحقيقة ويمنح حرية الاعتقاد والعقيدة، ولكنه يضع قيودًا على المجاهرة بالأفكار الإلحادية وفرضها على الآخرين. ويتحدث الغرب كثيرًا ويحتفي بحرية الفرد، ويتحدث ضمن ما يتحدث عنه عن الحرية الجنسية للمرأة بالذات. ولكنني أعتقد أن هذه الحرية هي إحدى نكبات الإنسانية والحضارة الحديثة. ويتهمون الإسلام بالتخلف والرجعية، لأنه يقصر هذه العلاقة داخل نطاق الزواج فقط. ولا أدرى لماذا لا يتحدث أحد عن حق الطفل الذي يولد عن هذه العلاقة في أن يكون له أبوين طبيعيين يعرفهما، ويعرفانه، بل ويُعّرف هو بهما لكي ينشأ إنسانًا سويا له كافة الحقوق وعليه كافة الواجبات، ويمنحانه الحب والرعاية والحماية الغريزية. ويستعيضون عن ذلك (بالتبني) الذي لا يمكن أن يعوض الطفل عن (معرفة أبويه) على الأقل، وحتى وإن لم ينشأ معهما معا، ونشأ مع أحدهم فقط لأي سبب كوفاة أحدهم أو انفصالهما، فإنه يمكن أن ينشأ إنسانًا صالحا وسويًا تحت كنف أحدهما. عداء العالم الغربي للإسلام، وعداء الحكام العرب للمبادئ الإسلامية ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان هو السبب الأساسي في خلق التعصب والإرهاب، وأعتقد أن إيقاف الإرهاب يتوقف على توقف انتهاك الحريات العامة وحقوق الإنسان في العالم العربي، ونشر العدالة، ومنح الفرص المتساوية للجميع في المجتمع، والارتقاء بنظام التعليم والقضاء على الأمية والفقر المدقع الذي تعيش فيه الأغلبية الساحقة. فنعم بالإسلام عقيدة وحضارة، للفرد وللأسرة، للمسلم وغير المسلم، حياة آمنة يعرف فيها الجميع حقوقهم وواجباتهم، وينعمون بالحرية المسئولة، ولا يتعرضون فيه لأخطار الانفلات الأخلاقي غير المحسوب.