«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا بني إسرائيل : تعالوا نحتكم إلى التوراة .. ميثاق الرب ووعده المكذوب .. بقلم : عبد الحليم أبوحجَّاج

شكا إبراهيم إلى الرب عقمه ، وأبدى حزنه وهمَّه ، إذ خشي أن يموت ولا ولد له من صُلبه يرثه بعد موته ، وأن ما يتركه من ميراث سيؤول حينذاك لأليعازر الدمشقي مديرأعماله والقَيِّم على بيته وأمواله ، فيسمع الرب شكايته ويطمئنه بأن وارثه هو الذي يخرج من صُلبه ، وسيكون عدد نسله كثيرا ، " ثم أخرجه إلى خارج وقال : انظر إلى السماء وعُدَّ النجوم إن استطعت أن تَعُدَّها . وقال له هكذا يكون نسلك " . تك / صح 15 : 5 . وقد مرَّ بنا قول الرب مخاطبا إبراهيم " وأجعل نسلك كتراب الأرض ، حتى إذا استطاع أحد أن يَعُدَّ تراب الأرض فنسلك أيضا يُعَدُّ " . تك / صح 13 : 16 . فارتاح إبراهيم بكلام الرب وهدأت نفسه وذهب عنه الكدر، وزاد اطمئنانه حين أزال الرب شكوكه . " وقال له – لأبرام – : أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها ". تك / صح 15 : 7.
"ولما صارت الشمس إلى المغيب ، وقع على أبرام سبات . وإذا رُعْبَة مظلمة عظيمة واقعة عليه . فقال لأبرام : أعلم يقينا أنَّ نسلَك سيكون غريبا في أرض ليست لهم ويُسْتَعْبَدُون لهم . فيذلونهم أربع مئة سنة !. ثم الأمة التي يُسْتَعْبَدُون لها أنا أدينها . وبعد ذلك يَخْرُجُون – أي نسلَك - بأملاك جزيلة . وأما أنت – يا أبرام – فتمضي إلى آبائك بسلام وتُدْفَن بشيبة صالحة. وفي الجيل الرابع يرجعون – أي : نسلك - إلى هنا ، لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملا . ثم غابت الشمس فصارت العتمة ، وإذا تنور دخان ومصباح نار يجوز بين تلك القطع " . تك / صح 15 : 12-17 . " وفي ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلا : لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير؛ نهر الفرات . القَيْنيين والقنْزيين والقدمونيين والحثيين والفِرِزِّيين والرَّفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين " . تك / صح 15 : 18– 21 . وزادت التوراة السامرية قبيلة الحُوِّييِّن.
نتوقف عند الجملتين 13-14 من صح 15 في سفر التكوين ، إذ نرجح أن الرب يتحدث فيهما عن قوم موسى في مصر وليس في أرض فلسطين ، وأن المقصود بنسل أبرام هم بنو إسرائيل المقيمون في مصر، وهو من قبيل النبوءة لما سيحدث لهم في الزمن المستقبل ، لأن القوم الذين يَستعبِدون بني إسرائيل هم المصريون ، وأن الذي يُذِل بني إسرائيل هو فرعون مصر ، وأن مدة عبوديتهم وإذلالهم أربع مئة سنة (400 ) . ثم بعد هذه السنين يتدخل الرب فيضرب فرعون وجنوده ويُخِرج بني إسرائيل من أرض مصر ويخلِّصهم من العبودية.
ولكن الرب يعاقبهم على كفرهم به وارتدادهم عنه بصناعة إله آخر على هيئه العجل يعبدونه من دون الله ، فيتيهون في صحراء سيناء أربعين سنة وهي المدة التي تكفي بانقراض الأجيال الثلاثة التي كفرت وعملت المعصية ، ونشوء الجيل الرابع وهو جيل جديد بريء مما فعله آباؤهم حين تنكروا لنعمة الله عليهم إذ أخرجهم من أرض مصر، وحرَّرَهم من طغيان فرعون وجبروته . ونسترشد على صحة رأينا ما ذكرته التوراة نفسها في موضع آخر . " وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر، فكانت أربع مئة وثلاثين سنة " (430) . إذن هذه السنوات هي مدة إقامتهم في مصر، وقد زاد سِفر الخروج ثلاثين سنة عن سِفر التكوين – (ولعلها سنوات التيه الأربعين وليس الثلاثين ، أو أن عدم التنسيق بين كتبة التوراة فيما يروون من أخبار يجعل رواياتهم تختلف ويصيبها شيء من الشك في مصداقيتها ) - . وبعد انقضاء هذه المدة الزمنية حصل خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة موسى عليه السلام حين انشق لهم اليَم ( البحر) بقدرة الله سبحانه ، ولكن أين كانوا يقيمون ؟ هل كانوا في مصر أم كانوا في بلاد السراة جنوب الحجاز ومرتفعات عسير (غرب شبه الجزيرة العربية ) ؟ . وأي بحر انشق لهم إبان خروجهم ؟ هل هو بحر سُوف ( البحر الأحمر حاليا ) أم هو فرع النيل بأرض النوبة في شمال السودان ؟ . وإلى أين ذهبوا بعد التيه ؟ . هذا هو السؤال !.
نستكمل ما بدأناه ، إذ أراد الكاهن الكاتب أن يَمُدَّ في مساحة الأرض التي تَدَّعي التوراة أن الرب قد أعطاها لأبرام " لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " ؛ غافلا عن أصحابها المُمثَّلين بالأقوام العشرة - السابق ذكرهم - الساكنين في هذه المساحة الكبيرة ، وهي بلا شك نظرة احتلالية . وتخطيط صهيوني بحت لابتلاع الأرض بعد طرد أصحابها منها .
ونلاحظ أن هناك عهدا مكررا من الرب لأبرام بأن يعطيه أرض الكنعانيين واليبوسيين وسائر القبائل العربية الفلسطينية , وهناك ميثاق آخر قطعه الرب مع أبرام بإعطاء نسله أرضا أوسع في مساحتها وأشمل في قبائلها , وبهذا الميثاق قد حدد كاتب التوراة البلاد التي تضمها حدود الدولة الصهيونية ( مملكة إسرائيل الكبرى) لتشمل أرض مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزءًا من أرض العراق الحالية ، وما فتئتْ عيونهم تختلج وهي ترنو إلى يثرب ( المدينة المنورة ) لتتكشف نواياهم عن أطماعهم في الاستيلاء على مزيد من الأرض على حساب أقوام أخرى تُقتَلع من أرضها وتُطرد منها إلى الضياع .
الأسماء تتغيَّر بطلب من الرب :
يبدو أن كاتب هذا السفر أو كُتَّاب التوراة جميعا متعصبون ليهوديتهم بجعلها هوية قومية عرقية رغم مجيء اليهودية ونزول الألواح على موسى نبي اليهود بعد أن أخرجهم من مصر سنة 1290 ق.م لهدايتهم من الضلال ولتحريرهم من العبودية والعنصرية . إلا أننا نرى ألوانا مختلفة من هذا التعصب العرقي – الديني منتشرة في التوراة ، منها عدم قبول الكهنة أن تظل الأسماء التي نزلت بها التوراة الأصلية كما هي ، فقاموا بتغييرها بأسماء تتفق مع اللغة العبرية القديمة التي هي في الأصل لهجة من لهجات العربية الساميَّة السائدة في ذلك الزمان وفي تلك الجغرافيا الكنعانية ، واتخذها اليهود لغة تواصل مع أهل تلك البلاد ، واستدل علماء اللغات والبحث التاريخي على ذلك باستدلالات كثيرة ليس هنا مجالها . كما توصل هؤلاء العلماء التاريخيون – اللغويون إلى أن اللغة التي كان يتكلمها موسى وبنو إسرائيل في منبتهم – مصر- هي اللغة الهيروغليفية ؛ التي نزلت بها ألواح موسى (التوراة ) ... وحين عبر اليهود نهر الأردن بقيادة ( يوشع بن نون ) ووصلوا غربي النهر، أقاموا في أريحا - المدينة الكنعانية ، وتعلموا اللغة العبرية المتداولة حينذاك على ألسنة الكنعانيين بأرض فلسطين التي لم يدخلها موسى قط ، فترجموا توراتهم إليها ، وأحلُّوها محل الهيروغليفية على ألسنتهم وفي كتاباتهم بحكم الموقع الجغرافي الجديد ، وبحكم اختلاطهم بأقوام يتحدثون لغة غير لغتهم الأولى . إذ كيف لهم أن يتعايشوا مع أصحاب الأرض وهم غرباء عنهم ؟. وكيف لهم أن يتخاطبوا ويتفاهموامع شعب كنعاني بلغتهم الهيروغليفية الدخيلة ؟! . من هنا فَرضت عليهم الحاجة الاجتماعية إلى تعلم العبرانية – إحدى لغات الكنعانيين - لغة للتفاهم ووسيلة للاتصال وتبادل المنافع مع أصحاب الأرض الساكنين فيها . ثم صارت اسماً علماً لهم ، فعُرفوا بالعبرانيين لأول مرة في التاريخ في زمن متأخر جداً ، وذلك بعد انقسام ما يُسمى دولتهم إلى دولتين شمالية وجنوبية - بعد موت الملك سليمان بن داود . فاحتكروا لأنفسهم هذه اللغة العبرانية الجديدة عليهم ، كما احتكروا الرب إلها قومياً لهم . وتبعاً لذلك ؛ فقد تغير كثير من عاداتهم وتقاليدهم ، ودخل على معتقداتهم الدينية وطقوس عباداتهم شيء من معتقدات الكنعانيين الوثنية ، كما تأثروا بفنون الطعام والملبس ، وتداولوا في معاملاتهم التجارية الأوزان والعملات الكنعانية مثل الشاقل والقَسِيطة . وانسلخوا عن كل ما له صلة بالمصريين الفراعنة مع تقادُم الزمن ، ونسوا لغتهم الأولى نتيجة تَرْكِها مع توالي الأجيال ، فغيَّروا اسم أبرام إلى إبراهيم وغيَّروا اسم ساراي إلى اسم سارة , وذلك ليتوافق مع النسق الصوتي الذي فرضه عليهم تداول اللغة الجديدة . ولكي يعطي كاتب هذا السفر التوراتي صفة القدسية لهذا التغيير فقد نسبه إلى الرب . قال الرب مخاطبا أبرام : " فلا يُدعى اسمك بعد أبرام بل يكون اسمك إبراهيم " . تك / صح 17 : 5 . ثم يطالعنا كاتب آخر في موضع آخر: " وقال الله لإبراهيم : ساراي امرأتك لا تدعو اسمها ساراي بل سارة ، وأباركها فتكون أمما وملوك شعوب , منها يكونون " . تك / صح 17 : 15- 16. وقد يتساءل القارئ الكريم : أليس ورود هذين الاسمين ( إبراهيم وسارة ) بهذا القالب اللغوي في الإنجيل الآرامي والقرآن العربي صيغة ونسقا صوتيا دليلا على عربيتهما ؟. وهل اللغة العبرية في كينونتها إلا إحدى اللغات الكنعانية المحكية السائدة في بلاد الفلسطينيين حينذاك ، والتي تنتمي إلى الأسرة الساميَّة ؟ . فهي من حيث النسب أخت الآرامية التي نزل بها الإنجيل , وهي أخت اللغة العربية القرشية التي سادت في بلاد الحجاز وأنزل الله بها القرآن الكريم على قوم يتلسَّنون باللسان العربي المبين . وليس يسعفنا المقام لطرح ومناقشة ما توصَّل إليه علماء تاريخ اللغات المقارن من أن اللغة العربية القديمة ( القحطانية الجنوبية والعدنانية الشمالية) هي أمٌّ لكل اللهجات الساميَّة التي ارتقت كل منها إلى درجة لغة مستقلة بذاتها حين تفرَّقت الأقوام وتباعدت ديارها ، فكانت البابلية والآشورية والكنعانية والفينيقية والعبرانية والآرامية ومن بعدها السريانية والعربية القرشية الحجازية وغيرها ، مع احتفاظ كل منها بالجينات الوراثية المنقولة إليها من اللغة العربية الساميَّة الأم ، ومع المحافظة على صلات القرابة اللغوية وبقاء السمات والخصائص البنيوية التي تظهر في شخصية كل منها . ولا يباعد بينها وبين طابعها السامي ذلك التأثير الحاصل من الغزو الثقافي الخارجي وما يرافقه من تفشي الفيروسات اللغوية والألفاظ الدخيلة الآتية من لغات أجنبية ؛ كاللغات الهند- أوروبية ، والأنجلو- سكسونية ، ومجموعة اللغات السنسكريتية والمجموعة الطورانية ...الخ .
ويتكرر العهد الذي قطعه الرب على نفسه لإبراهيم : " وأقيم عهدي بيني وبينك , وبين نسلك من بعدك في أجيالهم ,عهدا أبديا , لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك ، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان مُلكا أبديا , وأكون إلههم " . تك / صح 17 : 7 – 8 . ثم هناك جملة أخرى سبق ذكرها تقول " لأن جميع الأرض التي أنت ترى ، لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد ، وأجعل نسلك كتراب الأرض ........... " . تك / صح 13 : 15 – 16 .
من خلال قراءتنا للجملتين السابقتين نجد أن التوراة تعترف بإبرام العهد الإلهي بين الرب وبين إبراهيم , وبين الرب وبين نسل إبراهيم من بعده عهدا أبدياً . ونحن مضطرون إلى إعادة سؤال سابق : مَن هم نسل إبراهيم وإسحق ؟.
تشير التوراة في كثير من المواضع أن الذي يحق له أن يرث إبراهيم من بين أولاده هو ولده اسحق ابن سارة البابلية الكلدانية عربية الجذور والمنبت ، فأخرجت أخاه إسماعيل بن إبراهيم الذي ولدته هاجر المصرية وأخرجت نسله من هذا الحق ، كما استثنت إخوته الستة الذين ولدتهم ( قطورة ) الكنعانية ، وهي الزوجة الثالثة لإبراهيم . ثم ينتقل الحق في الميراث من بعد اسحق إلى أحد ولديه التوأمين وهو يعقوب ، وتستثني عيسو التوأم الآخر وأولاده ، وتُبقي على أبناء يعقوب من زوجتيه ( ليئة ) وجاريتها ( زلفى ) , و( راحيل ) وجاريتها ( بلهى ) ، وعددهم اثنا عشر ولدًا ذكرًا وابنة واحدة اسمها ( دينا ) . وتستمر التوراة في تبيان أبنائهم وأحفادهم الذين تسميهم نسل إبراهيم حينا ونسل اسحق حينا آخر، ودرجت على تسميتهم بني إسرائيل نسبة إلى يعقوب ... وللتوراة أن تفصِّل حسب هواها وحسب هوى كتبتها وما يريدون !... ولكنهم لا يستطيعون أن يُخفوا حقيقة إبراهيم العربي البابلي الكلداني الذي خرج من أور الكلدانيين مسقط رأسه بجنوب العراق ، والذي لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا ينتمي لجنس العبرانيين ، ولا يمت بصلة لبني إسرائيل من الناحية الدينية ، لأنه سابق على موسى النبي الذي نزلت عليه التوراة وكان رسول اليهودية بخمسمائة سنة تقريبا ... كذلك يندرج نفس القول على اسحق وعلى يعقوب الذي هو إسرائيل وعلى أبناء يعقوب الذين هم بنو إسرائيل , فكانوا جميعا سابقين على موسى وتوراته ، إذ كان الفرق الزمني بينهم وبين موسى أكثر من 450 سنة تقريباً . ونحن لاننفي اتصال النسب العرقي بين بني إسرائيل الأسباط الإثني عشر وأنسالهم الأنقياء وبين إبراهيم وأصله العربي ، ولكن إثبات ذلك مستحيل في هذا الزمان لعدم إمكانية الفرز الحقيقي بسبب دخول أقوام أخرى في دين اليهودية ، وهي أقوام متباعدة الأصول ولا تجمعها الفروع ، فاختلطت الدماء وتلوَّث النقاء وتلاشت الصلات التاريخية . فيهود اليوم ليسوا استمرارًا تاريخياً لبني إسرائيل الذين زالوا بزوال النقاء العرقي ، من هذا المنطلق فإن يهود اليوم الذين جاءوا من القارات الست بألوانهم البيضاء والسوداء والحمراء والصفراء ، وتجمَّعوا في فلسطين بلا نسب بينهم ، لا يحق لهم شيء يُسمى حقوق بني إسرائيل التاريخية .
ونلاحظ أيضا أن الرب يقيم عهدا أبديا , ويقيم ملكا أبديا ، ويعطيهم الأرض إلى الأبد ... فتكرار كلمة الأبد ...أبديا... هو ما نسمعه على ألسنة بني إسرائيل والصهيونية هذه الأيام بإضفاء صفة الأبدية في قولهم : إسرائيل الأبدية , أورشليم عاصمة أبدية , بقاؤهم أبدي , ملكهم للأرض أبدي , دولتهم أبدية ...فكل هذا وغيره كثير مما أخذوه عن توراتهم التي كتبها عزرا - بعد موت موسى بثمانمائة سنة - بمشاركة فريق من الكهان بعد السبي البابلي . ثم نلاحظ في الجملتين السابقتين أيضا أن هذا الرب هو إله إبراهيم ونسله فقط ، فيحتكر اليهود هذا الرب الذي يدعونه إله إسرائيل . فهو ليس رب الأقوام الأخرى ، وليس هو رب البشر، وإنما هو ( يَهْوَا ) الرب القومي الموقوف عليهم وعلى نسلهم وحدهم . وقد أوردت التوراة تصريح الرب ليهود بني إسرائيل من خلال مخاطبته لشخص موسى : " أتخذكم لي شعبا وأكون لكم إلها " . خروج / صح 6 : 7 . ومن قبل كان خطاب الرب لإبراهيم : " لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك ... وأكون إلههم " . تك / صح 17 : 7- 8.
ثم نجد الإشارة واضحة بأن أرض كنعان كانت كلها أرض غربة إبراهيم ، فصارت مُلكا أبدياً له ولنسله من بعده حسبما أراده اليهود ، وأوجدت التوراة هذا الرب وحددت وظيفته ليكون في خدمة يهود بني إسرائيل . كما أناطت به قتل الشعوب الأغيار (الجُوييم ) وطردهم وتشريدهم وسلبهم حقوقهم وأملاكهم ونقلها إلى ( شعبه المختار! ) ، وجعلت من هذا الرب " بلفور" عصره وزمانه السابق على بلفور القرن العشرين الميلادي ، فيعطي مَن لا يملك أرضا لمن لا يستحق ، وكِلا ( البلفورَيْن ) يُصْدِر وعدًا بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين على حساب الفلسطينيين أصحاب الأرض ، ويعمل على تنفيذه . لأن هذا الرب هو رب بني إسرائيل ورب اليهود فقط ، فتُصَوِّره لنا التوراة وهو يمشي أمامهم مُشرِعا سيفه , مستعدا لقتال الكنعانيين واليبوسيين والحثِّيين , طاردا إياهم من أمام شعبه ( المُدلل!) . وجعل الكاتب هذا العهد وهذا العطاء لسارة ولابنها اسحق وليعقوب بن اسحق وأحفاده ( أسباط بني إسرائيل) . فأوجدت التوراة بذلك سنداً دينياً ملفقاً ، يمنع مشاركة اسماعيل ابن هاجر وأبنائه من بعده لإسحق ابن سارة ولأبنائه من بعده في إرث أبيهم إبراهيم . " وقال الله لإبراهيم ساراي امرأتك لا تدعو اسمها ساراي ؛ بل اسمها سارة ، وأباركها وأعطيك أيضا منها ابنا . أباركها فتكون أمما وملوك شعوب منها يكونون ، فسقط إبراهيم على وجهه وضحك . وقال في قلبه هل يولد لابن مئة سنة ؟!, وهل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة ؟! " . تك / صح 17 : 15 – 17 . في الجُمَل السابقة ، كما الجُمَل اللاحقة دليل توراتي على أن إسماعيل هو الابن البكر لأبيه . وشريعة حامورابي البابلي التي حفظها إبراهيم وعمل بها اسحق ويعقوب والأسباط ، وكذلك الشريعة اليهودية – الموسوية التي جاءت بعدهما تعطي الابن البكر صلاحيات اجتماعية خاصة وتُميَّزه عن إخوته في الميراث ، فتعطيه الضِّعْف وتجعله القيِّم والنائب لأبيه على إدارة شئون البيت وأهله وعلى الممتلكات .... إلخ . فأين هذا الحق المسلوب من بكورية إسماعيل الذي وُلِد قبل اسحق بأربع عشرة سنة . " وأعطيك أيضا منها – من سارة – ابنا " ، فالرب يقرر أن يعطي إبراهيم من سارة ولدا مثلما أعطاه ولداً من هاجر من قبل وهذا ما نلمحه من كلمة ( أيضا ) . ثم اقرأ معي سؤال إبراهيم لنفسه عندما بَشَّره الرب بولد من سارة : " وهل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة ؟! " . يقف إبراهيم حيال هذه البشرى ضاحكا مستغربا حدوثها ، فجاء كلامه على صيغة استفهام إنكاري ، الغرض منه واضح ؛ وهو استبعاد حدوث ولادة سارة ذات التسعين خريفا ، واستحالة ذلك منه بعد أن وصل عمره إلى مئة سنة ، على الرغم من وجود إسماعيل ابن هاجر الابن البكر لإبراهيم يجري على الأرض .
وتظهر عواطف إبراهيم وحنانه وخوفه على ابنه إسماعيل فإنه يتوجه إلى الرب ليحفظه ويرعاه . ولكن الرب – كما تُصَوِّره التوراة - فيه جفوة البداوة ، وفيه غلظة أهل الصحراء الرُّحَّل ، وفيه عنادهم واستحواذهم على كل شيء ، وهي بعض من طباع بني إسرائيل . فيتمنى إبراهيم على الله أن يحفظ ابنه إسماعيل ويكثر من نسله . ولكن الرب يُصِرُّ على إقامة العهد مع ( اسحق ) ابن سارة الذي لم تلده بعد . ويبتلع إبراهيم ريقه اطمئنانا على ابنه إسماعيل عندما أخبره الرب أنه سيباركه وسيكثر من نسله ويجعله أمة كبيرة . " وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك . فقال الله : بل سارة امرأتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه اسحق , وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده . وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه , ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا . اثنى عشر رئيسا يلد وأجعله أمة كبيرة .. ولكن عهدي أقيمه مع اسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية " . تك / صح 17 : 18 - 22 . وتُصِرُّ الأقلام الكهنونية في مطبخ الكهنوت على الاعتراف بسارة فقط زوجا لإبراهيم , وعلى أن اسحق فقط ابنه من دون سائر الأبناء " بل سارة امرأتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه اسحق " . " ولكن عهدي أقيمه مع اسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية " . لاحظ أنه حتى ذلك اليوم الذي قطع فيه الرب ذلك العهد لإبراهيم كان اسحق في عالم الغيب لم يولد بعد ، وعندما حال الحوْل ووُلد اسحق كان إسماعيل يكبره بأربع عشرة سنة.
إذن الأحداث مطبوخة والرواية مُفَصَّلة حسب الطلب الإسرائيلي ( اليهودي – الصهيوني ) تمهيدا لوضع اليد الاحتلالية على أرض كنعان فلسطين . وحرمان أبناء إسماعيل من ميراث أبيهم ... لأن أمه مصرية من أحفاد مصرايم بن حام بن نوح ... وحام هذا - كما يُصَنِّفه النسَّابون التوراتيون - هو نفسه أبو كنعان الذي ينتسب له الكنعانيون ، وله قصة غريبة وعجيبة تحكيها التوراة - ولا تستحيي – فتخبرنا أن نوحا عندما صحا من سُكره ، غضب من ابنه حام أصغر أبنائه الثلاثة ، فاستحق لعنته ، ولكن نوحا لم يلعن ابنه حام على فعلته المفتراة ، بل لعن حفيده كنعان ابن حام الذي لم يكن مولودا حينذاك ؛ ودعا عليه بأن يظل – كنعان وليس حام - عبدا ذليلا لأخويه ( سام ويافث ) ، فلماذا؟.
إنها قصة ملفقة وظريفة يمكن قراءتها في سفر التكوين / صح 9 : 20 – 28 من التوراة المفبركة ليدرك القارئ أن الأيدي التي تنسج الشِباك كانت تفتل الخيوط الأولى منذ عهد نوح للاستيلاء على أرض كنعان فلسطين . وتحكي القصة التي قام بتأليفها حاخامات اليهود في عصر متأخر ليبرِّروا أطماعهم في استملاك فلسطين بحجج دينية واهية : أن نوحا عليه السلام كان فلاحا وغرس كرما ، وشرب من الخمر فسكر ، وتعرَّى داخل خبائه ، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه ولم يغطِّهِ ، وإنما ذهب وأخبر أخويه – سام ويافث – فغطياه برداء دون النظر إلى عورته . " فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير (حام ) فقال ملعون كنعان ! .عبد العبيد يكون لإخوته , وقال مباركٌ الربُ إله سام . وليكن كنعان عبدًا لهم . ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام . وليكن كنعان عبدا لهم " . تك / صح 9 : 24 – 27. فإذا كان نوح قد غضب من ابنه حام لأنه فضح عورة أبيه بالنظر إليها ، فما ذنب كنعان بن حام الذي لم يكن مولودا حينئذ ليتحمل وزر أبيه ؟ . قصة ملفقة ومكذوبة أيضا على سيدنا نوح وعلى أبنائه ، الغرض منها إخراج الكنعانيين من رحمة جدهم الأعلى وكسر غصنهم من شجرة العائلة السَّاميَّة ، ليخلو لليهود وجه الجد الأعلى المشترك ، والانفراد بالإرث الموروث دينياً عن الأجداد والآباء . هذه هي العقلية اليهودية الاحتلالية المبكِّرة التي تساندها العقلية الصهيونية المتأخرة في التخطيط والتفنن في رسم خريطة الطريق لوضع اليد على أرض كنعان العربية الفلسطينية وانتزاعها من أصحابها المالكين لها ، وطردهم منها بحجة ملفقة تُصَوِّر لنا الرب ظالماً , غليظ القلب , شرس الطباع , منزوع الرحمة والعدل ... وتُصَوِّره قاتلا ومجرما وإرهابيا - بلغة العصر. أفلا يستحق أن يُقَدَّم ( ربُّ الجنود ) إلى محكمة الجنايات العليا لتقول فيه كلمتها على ما ارتكب من آثام وقبائح وجرائم حرب ضد الإنسانية في حق الكنعانيين أصحاب الأرض الفلسطينية ، وفي حق غيرهم من الأقوام البشرية المتعاقبة عبر مسيرة قافلة الزمان . ؟!.
وإلى لقاء مع المقالة الثالثة إن شاء الله ..
1 2 3 4 › »


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.