"الشرطة كانت في القلب من الثورة (ثورة 25 يناير/كانون ثاني 2011)، وأراد الله أن يكون 25 يناير، هو أيضاً عيد للشرطة، وذكرى ما ضحت به".. كلمات قالها الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في 15 مارس / آذار من عام 2013، لتثير عاصفة من الانتقادات. أصحاب تلك الانتقادات ذكَّروا مرسي آنذاك، أن اختيار هذا التاريخ كان "للاحتجاج على ممارسات الشرطة"، والمطالبة بإقالة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي. وبعد مرور ما يقرب من عامين على المناسبة التي استدعت مرسي إلى قول هذه العبارة المثيرة للجدل، جاء إخراج حفل الشرطة بعيدها، والذي أقيم اليوم الثلاثاء، قبل أيام من موعده المقرر في 25 يناير/ كانون ثان، لترسم صورة لموقف الشرطة من تلك الثورة، لا تختلف كثيرا بل تكاد تتطابق مع عبارة مرسي، وذلك من خلال عدة لقطات: اللقطة الأولى: أذاعت وزارة الداخلية في بداية الحفل فيلما تسجيليا، أظهرت فيه الوزارة تأييدا وتعاطفا مع الشباب الذي خرج إلى الميادين في 25 يناير/ كانون ثان 2011، مطالبا ب"العيش"، و"الحرية"، و"العدالة الاجتماعية". وفرق الفيلم من خلال اللقطات بين شباب كانوا يتظاهرون سلميا في الميادين، رافعين مطالب مشروعة، وآخرين كانوا يشعلون النيران في سيارة تابعة لقوات الأمن المركزي (قوات مكافحة الشغب). واستطرد الفيلم مقدما إحصائية لخسائر الشرطة في أحداث يناير/ كانون ثان 2011، والتي تسبب فيها ذلك الفريق المدمر، ومنها الاعتداء على 141 قسم شرطة، وتدمير 3 آلاف و141 مركبة شرطية، والاعتداء على 11 سجنا، وهروب 16 ألفا و157 سجينا آخرين. واستعرض الفيلم ما بذل من جهود لاستعادة الأمن وتعويض هذه الخسائر، خلال المرحلة الانتقالية التي سبقت تولي مرسي رئاسة البلاد في 30 يونيو/حزيران 2012، وخلال فترة حكم مرسي (استمر حتى 3 يوليو / تموز 2013)، رغم الصعاب التي واجهتهم، انتهاء بمظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013 التي أمَّنتها الشرطة، ورفع خلالها المواطنون رجال الشرطة على الأعناق اعترافا منهم بالدور الذي يبذلونه. وتطرق الفيلم لما اعتبره جرائم"جماعة الإخوان"، التي وصفها ب"الإرهابية" بعد عزل مرسي، وكيف نجحت الشرطة في تأمين المواطنين ضد جرائمها. وينتهي الفيلم على المشهد الشهير لمواطنين وهم يحملون رجال الشرطة على أعناقهم في تظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، وفي الخلفية شعار "الشعب والشرطة والجيش إيد واحدة". اللقطة الثانية: في مشهد يبدو جديدا على احتفالات الشرطة، قدم الشاعر عبد الله حسن، قصيدة بعنوان "احترامي"، أكدت كثيرا من المعاني التي أشار إليها الفيلم. وحملت أبيات القصيدة اتهاما لمن وصفهم بأنهم "يقتلون القتيل ثم يمشون في جنازته باكين"، ويحمّلون الشرطة مسئولية قتله، في مسعى لإثارة الشباب وتحقيق الانفلات الأمني تنفيذا لمخططاتهم. وأكدت القصيدة في ختامها التلاحم بين ثورة يناير/ كانون ثان 2011 وعيد الشرطة، بقول الشاعر: "والليلة عيدكم هو عيدنا 25 من الشهور.. اكتب يناير". اللقطة الثالثة: هذه المعاني التي أشارت إليها القصيدة، ساعد كثيرا على توصيلها دموع أهالي شهداء الشرطة الذين كرمهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الاحتفال. وتنقلت كاميرا التلفزيون المصري خلال إلقاء القصيدة بين وجوه الأهالي الذين تفاعلوا معها بذرف الدموع، في مشهد يحرك القلب ويثير المشاعر. اللقطة الرابعة: أكسبت اللقطة الرابعة جهاز الشرطة بُعدا دينيا، يقربه بشكل أكبر من جموع الشعب المصري، وظهر ذلك من خلال استلام سيدتين من أسر الشهداء ترتديان زي المنقبات دروع تكريم أبنائهما من الرئيس السيسي. وحملت هذه اللقطة إشارة - أيضا - إلى أن جهاز الشرطة لا يعادي "الملتزمين دينيا"، كما تتهمه بعض التقارير الإعلامية، بدليل ظهور بعض أفراد عائلات الشرطة بزي المتدينين. اللقطة الخامسة: ساهم أداء الرئيس المصري بشكل كبير في رسم ملامح اللقطة الخامسة، والتي أظهر فيها تعاطفا ملحوظا مع أسر الشهداء، فحرص على الاستماع لهم أثناء استلام الدروع، وصافحهم بحميمية شديدة، واستدعى أطفال الشهداء للوقوف بجانبه وهو يلقي خطابه، في مشهد يثير التعاطف معهم لفقدانهم ذويهم. اللقطة السادسة: كان الرئيس المصري بطلا للقطة السادسة - أيضا - ، وقدم فيها ما فهم أنه "إشارات" تخص مناسبة الاحتفال بذكرى ثورة 25 يناير/ كانون ثان 2011. وحذر الرئيس من رفع السلاح في وجه الجيش والشرطة، وقال معلقا على البيت الشعري "فلإن بسطت يديك شكرًا قاتلي .. أنا لست أعتزم القتال لأقتلك" الذي قاله الشاعر عبد الله حسن خلال فقرات الحفل، قائلا:: "عذرا يا عبد الله.. من سيرفع السلاح على مصر لا لا لا". وأشار إلى أطفال الشهداء بجانبه مضيفا: "أبناء الشهداء المتواجدون بجانبي اليوم ضحى آباؤهم وهم إخوتنا وأبناؤنا لكي تظل مصر". واستطرد قائلا: "مصر تتعامل وفق دولة القانون ومن تم القبض عليهم والتحقيق معهم تم وفق القانون"، منوها إلى أن "مصر دولة عريقة عمرها 7 آلاف عام تحترم نفسها وأهلها وتنفذ القانون على الجميع بداية من رئيس الجمهورية حتى أصغر مواطن في مصر". وقدم الرئيس رؤيته للتظاهر، قائلا: "انتبه وأنت تطالب بحقوقك ألا تضيعنا معك، لابد من الإدراك التام ماذا تعني الدولة، ويجب أن نشد على يد بعضنا البعض، في تجاوزات تحدث، ولكن هل يمكن في ظل الظروف الحالية ألا يحدث تجاوز، سيحدث وسيكون غير مقبول ولن نقبل باستمراره، ولكن مصر تعيش في ظرف استثنائي''. ويحتفل جهاز الشرطة بعيده السنوي يوم 25 يناير/ كانون ثان، من كل عام، وهو يعد تخليدًا لذكرى موقعة الإسماعيلية (شمال شرق) عام 1952 التي راح ضحيتها خمسون شهيدا وثمانون جريحًا من رجال الشرطة المصرية على يد الاحتلال الإنجليزي في 25 يناير/ كانون ثان من ذات العام.