يخلط كثيرون هذه الأيام عن عمد بين دعوة تجديد الفكر الاسلامي باعتباره عملا بشريا يحتمل الصواب والخطأ وبين نقد النص الديني الاسلامي "القرآن الكريم" وهو كتاب المسلمين المقدس الذي لا يجوز نقد نصوصه التي تعهد المولي عز وجل بحفظها، وقد أشتد هذا اللغط بعد خطاب الرئيس السيسي في ذكري المولد النبوي الشريف، ثم زاد اللغط ضراوة بعد حادث "شارل إبدو" الارهابي في باريس، فلم يكد الرئيس يطرح فكرته حول ضرورة تنقية الفكر الاسلامي من النزعات المتطرفة لبعض التفسيرات والاجتهادات الفكرية لشيوخ المسلمين التي يستند اليها "المتطرفون" في تكفير من يختلف معهم، الا وانهالت عليه معاول "الاسلاميين" المنغلقون علي أنفسهم نقدا ونقضا للفكرة وصاحبها، ولم لا يفعلون وقد رأوا فيها مناسبة للنيل من "غريمهم" السياسي حتي لو علي حساب الحقيقة، فالرجل لم يقل بنقد أو تنقية "النص" الديني كما يدعي هؤلاء، وانما فقط نادي بتنقية فهمنا وترجمتنا واجتهاداتنا في تفسير النصوص الدينية كخطوة علي طريق تجديد الخطاب الديني، وهو اجتهاد وتجديد واجب لكي يظل تفسير النص القرآني مواكبا لكل العصور كما بشرنا بذلك المولي عزل وجل، وهي مسئولية كل مسلم وليس الرئيس فقط في أن نبذل قصاري جهدنا في أن نصل بالصورة الصحيحة للاسلام لكل العقول في كل زمان ومكان، أما التحجر عند اجتهادات وتفاسير مر عليها قرون دون تمحيص أو إعادة نظر فهو انفصام عن الحضارة الانسانية ومتغيراتها، وعلي الجانب الآخر ينشط "المتطرفون" العلمانيون أيضا والمنادون بكل جرأة وتجرؤ بجواز نقد وتنقية النص القرآني ذاته وليس فقط تفسيره باعتباره نصا تاريخيا أحيانا، أو باعتباره نصا روحانيا يخاطب الروح فقط أحيانا أخري، أقول مع أن هؤلاء ينشطون منذ زمن في الكثير من منابرنا الاعلامية والثقافية في بلد يشكل الدين والقرآن تحديدا كل حياة أهله، فقد منحهم حادث "شارل إبدو" الارهابي وهو حادث مدان ومستهجن بكل تأكيد من كل من لديه ذرة من عقل أو منطق، وهو مدان من الاسلام قبل أي دين آخر حيث يقول المولي عز وجل في محكم التنزيل: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَان مَنْصُوراً (الاسراء 33)، أقول قد منح حادث "شارل إبدو" الآثم المتطرفين الغربيين وبعض العلمانيين من بني جلدتنا فرصة جديدة (أو هم ظنوا كذلك) للنيل من "الاسلام" باعتباره دين يحض علي الارهاب والتطرف علي حد زعمهم وافترائهم الكاذب الآثم، وهنا أقول للمتطرفين من الجانبين أن نقد ترجمتنا وفهمنا وتفسيرنا للنصوص القرأنية جائز بل وواجب خاصة مع تطور البشرية والحضارة الانسانية بكل متغيراتها، بينما نقد النص القرآني المقدس والمنزه و المنزل والمحفوظ من المولي عز وجل فهو عمل غير مقبول وغير جائز، ومن يفعله يتجاوز كل معايير التأدب مع الله ومع عقيدة المسلمين، و أهيب بكل صحفنا ومنابرنا الاعلامية أن تنتبه لكل هذا الذي يحاك لهذا الوطن وهذا الدين القيم الذي تكالب عليه بعض أهله قبل أعدائه مع الأسف الشديد، لأن أمننا القومي وسلمنا الاجتماعي مهددان بهذا الذي يرتكبه هؤلاء الحمقي من الجانبين بحجة الخوف علي الدين والدفاع عنه تارة أو بزعم "التنوير وحرية الفكر" تارة أخري، ولعل الجميع يدرك أن حالة البلد لا تحتمل أبدا هذا العبث، وعلينا جميعا أن ندرك الفرق الشاسع بين تجديد فهمنا للدين الذي هو واجب كل الوقت، وبين هدم الدين ذاته في قلوب المؤمنين الذي هو محظور كل الوقت، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.