ليس من قبيل الصدفة أبدا أن تتضافر جهود خبيثة هذه الأيام من فرقة "العلمانيين" الذين ينادون بجواز نقد النص القرآني باعتباره نص تاريخي أحيانا، أو باعتباره نص روحي يخاطب الروح ولا علاقة له بحقائق التاريخ أحيانا أخري، أحدهم يكتب عن ذلك منذ اسابيع في إحدي الصحف القومية معرضا بالتوراة تصريحا وبالقرآن تلميحا لما ورد فيهما من قصص يتناول قصة سيدنا موسي مع فرعون مصر، وبالأمس خرج علينا دعي آخر بكلام فارغ يصب في ذات الاتجاه مناديا بجواز نقد النص القرآني باعتباره نص تاريخي، ويعضدهم في ذلك نفر آخر من العلمانيين الأقل شأنا في هذا البلد الذي فتح لهم صفحات جرائده القومية وقنواته التليفزيونية لينفثوا فيها سمومهم، أولهم ينطلق في لغطه من قصة اضطهاد فرعون مصر لموسي عليه وعلي نبينا افضل الصلاة والسلام واضطهاده لقومه من اليهود، وهو يري سامحه الله أن القصة كلها غير حقيقية وأن اليهود لم يوجدوا أصلا في مصر في أي وقت من الأوقات، وهو يقول ذلك مستندا لكتابات غربية في هذا الشأن، وهو هنا يتجرأ علي القرآن الكريم ويطالب بنقده نقدا تاريخيا مكذبا ما جاء فيه ومستشهدا ومصدقا لما جاء به علماء الغرب، وهو يطالب (لا سامحه الله) بجعل القرآن مجرد نص يعالج نقص روحي عند المسلمين وليس نصا تاريخيا يحتوي علي حقائق ووقائع تاريخية حقيقية، وهو بذلك يري أن تلك النصوص القرآنية غير حقيقية وغير صحيحة تاريخيا كما قال، أما العلماني الآخر فلم يخرج كثيرا عن هذا المعني عندما نادي في حوار تليفزيوني مع الشيخ سالم عبد الجليل بجواز نقد القرآن باعتباره نص "تاريخي"، وأيده في ذلك آخرون علي صفحاتهم في الفيس بوك بل وزاد عليه أحدهم بأن اتهم الشيوخ بأنهم لا يفهمون معني كون القرآن نص "تاريخي"، واستشهد في اتهامه هذا بآية "سهم المؤلفة قلوبهم"، وهنا يبدو أن العلمانيين يخلطون عن قصد بين ضرورة بل وحتمية نقد "ترجمة" البشر وفهمهم للنصوص القرآنية وتفسيرهم لها، وبين نقد النص القرآني ذاته، وحينما تقول لهم أن نقد ترجمتنا وفهمنا وتفسيرنا للنصوص القرأنية جائز بل وواجب خاصة مع تطور البشرية والحضارة الانسانية بكل متغيراتها، بينما نقد النص القرآني المقدس والمنزه و المنزل والمحفوظ من المولي عز وجل فهو عمل غير مقبول وغير جائز، ومن يفعله يتجاوز كل معايير التأدب مع الله، وحينما تقول لهم ذلك يبادرونك بالسؤال.. وهو إيه الفرق بين نقد النص القرآني ونقد تفسيره؟؟، وأنا أرد عليهم بكل بساطة بأن نقد التفسير هو نقد عمل بشري، أما نقد النص ذاته فهو نقد لعمل الهي بحت لا ولم نحط به بعد، ولن نفعل مهما اوتينا من قوة وعلم، ولشرح ذلك نضرب مثلا بقصة فرعون موسي ذاتها، فحينما يقول القرآن أن اليهود كانوا في "مصر" وانهم اضطهدوا من قبل فرعون، فعلينا أن نسلم بذلك ولا نشكك فيه تحت أي ذريعة لأنه قول الله سبحانه وتعالي، أما ما يجوز نقده في تفسير القصة القرآنية فهو: هل مصر التي وردت في القرآن في تلك القصة هي مصر الحالية؟؟ أم أنها مكان آخر جغرافيا؟؟، هنا يمكن أن نتفق أو نختلف دون أن يمس ذلك النص القرآني المنزه عن النقص أو النقد، ولكل العلمانيين أقول..أرجوكم لا تخلطوا عن عمد بين أفكاركم السقيمة وبين فكرة التنوير التي تلعبون وتتلاعبون بها وبنا؟؟