دعا محللون سياسيون تونسيون إلى "الحكمة" في التعامل مع الرسوم الساخرة للرسول خاتم الأنبياء التي ستنشرها صحيفة "شارلي إبدو" الفرنسية في عددها غدًا الأربعاء وذلك رغم الهجوم الدام الذي تعرضت له الصحيفة قبل نحو أسبوع. واعتبر المحللون السياسيون، في حديثهم لوكالة "الأناضول" هذه الخطوة من قبل الصحيفة الفرنسية "تصعيدا" إزاء أحد أهم رمز للدّين الإسلامي وهو الرسول محمد، داعيين المسلمين في المقابل إلى أن تكون ردّة فعلهم "حضارية أكثر بعيدا عن منطق العنف والإرهاب الذي لا يمت إلى الإسلام بصلة". وقال سامي براهم، الباحث في الحضارة العربيّة، إن "شارلي إبدو تتبنى تصورًا معيّنا لحرية التعبير في علاقة بموقف الأديان عامّة وهي لا تستهدف الإسلام فحسب بل كل الأديان وأن خلفية الصحفيين العاملين ضمنها تعتبر أن الدّين أمر فيه تخلف إزاء الحضارة والعقل ويتبنون فكرًا تحقيريًا إزاء قيمة الأديان". ويضيف براهم أن "إعادة نشر الصور مرة أخرى هو ليس إساءة لشخص النبي محمد فقط بل يعكس صورة ذهنية متخلفة لتيار ثقافي عن الإسلام والمسلمين من خلال رمز الإسلام وهو الرسول،" مشيرًا إلى أن "أحداث الأربعاء الماضى أعطت دفعًا معنويًا لتواصل هذه الصحيفة مسارها ومنحتها فرصة نادرة لتخرج من أزمتها المالية فهي لم تكن توَزع سوى 4 آلاف نسخة لتصل اليوم إلى 3 ملايين وربما تكون هناك طبعة ثانية". واعتبر أن هذه الرسوم هي "انعكاس للخيال المريض العصري المعادي للأديان وأنّ مواصلة نشرها يجب أن يتم تقبله باعتباره شكلا من أشكال التعبير العنيف ومُواجهته بكثير منَ الحكمة والخيال والإبداع لتقديم ما في الإسلام من طاقة حب وجمال ومقاومة سلمية". ودعا براهم "المسلمين إلى التفكير في استراتيجية أخرى منافية للعنف المادي للتصدّي لفكر الرسوم الكاريكاتورية تقوم على اسس ثقافيّة وحضاريّة تؤكد تعلقهم بدينهم وبنبيهم من خلا إبراز خصاله عبر عديد الفنون على غرار المسرح والرسم والسينما وغيرها". وأردف أنه "لابد من تجاوز الشعور بالغبن والضّيم تجاه الرسوم التي لا يمكن أن تسيئ للإسلام الذي له 14 قرنا من العمق الديني والأخلاقي، فأكبر كاريكاتور مسيء للإسلام هو هذه العملية الإرهابية التي حصلت قبل أيام (في إشارة للهجوم على شارلي إبدو)". وعن مصير الجالية المسلمة في فرنسا وغيرها من الدول الغربية أكد أنه "عليها أن تتدرب على إدارة الأزمات وأنه يجب أن تطالب بحقوقها المدنية والسياسية وخروجها إلى وضع المواطنة الكاملة بتجاوز وضع الخوف من كل أزمة تحصل، فمن قام برسم الكاريكاتور المسيء للإسلام ونشره هدفه تصيد الانفعاليين واستفزازهم ليفقدوا القدرة على التحكم في أنفسهم." وبدوره قال المحلل السياسي نصر الدّين بن حديد، إن "التعدي على أي مُعْتقد عمل إرهابي في حد ذاته وبالتالي لا يًمكن لهذه للصحيفة أن تكون ضحية إرهاب وتمارس الإرهاب تجاه المسلمين وحتى غير المسلمين". وأكّد أن "الجميع اليوم أمام وضعية على قدر كبير من الخطورة ويجب تجاوز ما يمكن اعتباره تأويلات للحرية إلى بناء علاقة ثقة واحترام متبادل بين جميع الاطراف والبلدان". وأضاف أن "إعادة نشر الرسوم الكاريكاتوريّة فيه تصعيد خطير وهو إرهاب بأتم معنى الكلمة فشارلي إبدو لا تحترم المعتقدات الإسلاميّة والمسيحية مع العلم انها لم تنقد المحرقة او شيء يمس اليهود". كما قال بن حديد إن "ذلك الفعل يعبّر عن عقيدة العقل الأوروبي الذي يفكر في ذاته ويشترط من الآخرين ان يمارسون الطاعة والقبول دونما نقاش". من جانبه دعا الشيخ الزّيتوني حسين العبيدي كافة الشعوب من مختلف الأديان إلى "تنفيذ وقفة احتجاجية سلمية في كامل الدول أمام السفارات الغربية ومراكز الحكومات للمطالبة بسن قوانين تمنع استفزاز المشاعر الدّينية علىاختلاف الأديان". وأضاف العبيدي أنه "كان من الأجدر عدم الدّعوة إلى العنف والقتال ورفعه شعار العلم باعتبار أن أول كلمة نزلت في القرآن هي إقرأ بعيدا عن سفك الدّماء وعن كل من يريد أن يبرز بان الاسلام دين دموي." كما أشار إلى أنه "من المفترض على المُسلمين أن يواجهوا الاعتداء على مقدساتهم ورموزهم الإسلامية بوقفات احتجاجية أمام قدام قصر الإليزية حتى يتم قد يتم إيجاد طرق من قبل الأطراف الغربية لاحترام المشاعر الدّينية ومنع استفزاز المسنلمين بمكثل هذه الرسوم والكاريكاتور". ومن المنتظر أن تنشر صحيفة "شارلي إبدو"، غدا الأربعاء، أول أعدادها بعد الهجوم الدامي الذي أودى بحياة عدد من صحفييها، الأربعاء الماضي، متضمنا رسما كاريكاتوريا جديدا على غلافها للنبي محمد خاتم المرسلين، حسب أحد رسامي الصحيفة. ووفق ما نشره، باتريك بيللوكس أحد رسامي شارلي إبدو، فإن عدد الأربعاء سيشمل على صفحة الغلاف رسم كاريكاتوري للنبي محمد والدموع تنهال من عينيه، حاملا لافتة مكتوب عليها "أنا شارلي"، في إشارة إلى عبارة كانت رمزا للتضامن مع الصحيفة في الأيام الماضية ضد الهجمة التي تعرضت لها. وأعلى الرسم الساخر من الرسول محمد، دونت عبارة "الجميع مغفور له"، كما تضمن الغلاف عبارة "عدد غير مسؤول"، باللون الأحمر. وقتل 12 شخصًا، بينهم رجلا شرطة، و8 صحفيين، وأصيب 11 آخرون، الأربعاء الماضي، في هجوم استهدف مقر صحيفة "شارلي إبدو"، الأسبوعية الساخرة في باريس، أعقبته هجمات أخرى أودت بحياة 5 أشخاص خلال الأيام الماضية، فضلًا عن مصرع 3 مشتبه بهم في تنفيذ تلك الهجمات.