شابان جزائريان مولودان في فرنسا، ويعيشان فيها، يتحولان إلى إرهابيين قاتلين. لماذا يتجهان إلى التطرف، وينتهجان العنف، ويقرران حمل السلاح، ويصدران أوامر من نفسيهما بالقتل العشوائي لأي عدد تصله طلقاتهم؟. ولماذا شاب أفريقي من مالي، وجد له ملاذا آمنا في فرنسا، بعيدا عن شظف العيش في بلاده، ينزع نحو التطرف أيضا، ويقتل شرطية فرنسية، ويحتجز رهائن في متجر يهودي؟. ولماذا فتاة جزائرية مولودة في فرنسا، وتهنأ بالعيش فيها، وتنتقل من قمة الحياة المتحررة إلى قمة التشدد، وترتدي النقاب، وتتدرب على السلاح، ثم تهرب إلى أحضان "داعش" في سوريا بعد الجرائم الأخيرة؟. الشابان هما الشقيقان سعيد وشريف كواشي، صاحبا جريمة صحيفة "شارلي إبدو". والشاب الأسود، هو أحمدي كوليبالي، قاتل الشرطية، ومحتجز الرهائن. والفتاة هي حياة بومدين، رفيقة كوليبالي، ثم زوجته بعد ذلك، وهي الخيط الرابع الباقي في تلك الخلية، بعد مقتل الأخوين كواشي، وكوليبالي. كثيرون يحلمون بتأشيرة دخول إلى فرنسا أو غيرها من بلدان القارة البيضاء بأمل بدء حياة جديدة فيها ، ونيل فرصة للعيش والحرية أفضل كثيرا من بلدانهم حيث البؤس السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأعداد كبيرة من هؤلاء من البلدان العربية، باستثناء منطقة الخليج التي يذهب أهلها إلى فرنسا والغرب للسياحة والمتعة، أي للجميع مآرب متنوعة في بلاد النور والحرية. هؤلاء الشباب ممن توفرت لهم فرصة الهجرة، أو اللجوء نجد بعضهم يميل إلى التطرف الديني، والارتماء في أحضان العنف، والغضب على المجتمعات التي رحبت بهم، وفي أسوأ الظروف، ومهما كانت شكاواهم، فإنهم يعيشون أفضل مما كانوا عليه في بلادهم، وإلا لماذا لا يعودون من حيث أتوا، والكارثة عندما يوجهون السلاح على البلدان التي تأويهم وتطعمهم وتعالجهم وتكسوهم وتوفر لهم ممارسة حرية سياسية واسعة؟. وبين هؤلاء من يترك الحياة المريحة ويغادرها إلى سوريا والعراق حيث محارق الموت للقتال طلبا للشهادة والجنة حسب فهمه الضيق المنغلق. هؤلاء المتطرفون يختطفون الدين، ويفسرونه على هواهم، ويعادون العالم كله، بل يعادون من يؤمنون معهم بالإسلام، ويعتبرونهم مرتدين، وقتالهم واجب كما يفعل "تنظيم داعش". هؤلاء يقدمون هدايا مجانية إلى المتعصبين من الأديان والجنسيات والقوميات الأخرى، وهداياهم تصل إلى إسرائيل التي تلقت جريمة المتجر اليهودي لتواصل استثمار وقائع التطرف في تشويه حركات المقاومة الفلسطينية ، وتقدم نفسها للعالم كنموذج للبراءة والإنسانية وليس كونها تمارس الإرهاب الرسمي مثلها مثل كل الدواعش. هناك عرب ومسلمون، ومواطنون غربيون اعتنقوا الإسلام، وسقطوا جميعا في مصيبة التشدد، ويروجون لهذا الفكر، ويصورون الإسلام كأنه دين انتقام مضاد لكل ما هو إنساني وجميل ، ويقدمون الشريعة باعتبارها قانونا للتكفير والذبح فقط. الأمة الإسلامية في مأزق، وإذا كانت لا تُلام لانحراف هؤلاء، لكن بذور التطرف موجودة في مؤلفات للفكر والفقه والتفسير المخاصم للحياة، وهي مؤلفات قديمة ظروفها وأجواؤها وبيئاتها ومناخاتها غير ما نعيشه اليوم، وآن وقت غربلتها، والقطيعة مع الفاسد منها. إنها مأساة أن أجد في مصر، ومما أقرأه على مواقع التواصل، تزايدا في السقوط في مستنقعات الفكر التكفيري، والميل إلى اللغة العنيفة الخشنة، لدى شباب وفتيات، وكبار وصغار، وأجد إشادات بجرائم القتلة في فرنسا، والتبرير لها، والاجتهاد لإقناع الآخرين بأن الفرنسيين والغربيين يستحقون أكثر من ذلك لأنهم يعادون الإسلام والمسلمين، والحقيقة أننا من نعادي أنفسنا، ونحن من نقود أنفسنا للانتحار. كما أجد من يفرحون بداعش، ويمجدون دمويتها، ويحللون جرائمها، لكونهم متضررين من القمع ، لكن هذا وزن مختل للأمور، فالقمع لا يبرر الترحيب بالإرهاب، كلاهما مرفوضان، هما وجهان لنفس العملة ، وهي قتل الحرية والحياة والمدنية. الفئات المنحرفة تستعدي العالم ضدنا، وتعبئ شعوبه، وإذا كان قادة الحكومات يتسمون بالمسؤولية مثل ميركل وأولاند وكاميرون وأوباما وغيرهم عندما يفرقون بين مرتكبي الجرائم وبين الإسلام وعموم المسلمين، لكن من يضمن التيارات اليمينية الشعبوية المتطرفة التي تصعد على أكتاف التطرف المتشح بالإسلام، وتصل إلى مراكز صنع القرار في الغرب، ومن يضمن الشعوب التي تجد نفسها في أوضاع خوف وذعر وقلق من انفجار قنابل، أو إطلاق نار عشوائي، أو التفجير بأحزمة ناسفة، أو يجدون أنفسهم محتجزين كرهائن، هنا سيرفعون صوتهم عاليا ويقولون اطردوا هؤلاء البرابرة، أو أعلنوا الحرب على المسلمين، أو قاطعوهم. العالم كله يسير في اتجاه كراهيتنا بسبب الخوارج الجدد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.