ما وصلتني رسالتها وبدوري أعرضها عليكم أنا زوجة أحد المعتقلين, حضرت أخيرا ندوة لمناقشة أوضاعنا وتكلمت مع الأستاذ جمال سلطان و الدكتور كمال حبيب في محاولة لإيضاح موقفي و البحث عن بارقة أمل في جب اليأس الذي سقطنا فيه بلا ذنب. لكنني كنت مرتبكة مشتتة لم أستطع أن أعبر عن نفسي, أنا و زوجي من البسطاء الذين كان من الممكن أن تمر بنا الحياة و نمر بها دون أن يشعر أحد, ولكن لم تكد تمضي شهور على زواجنا حتى اعتقل زوجي وتغير وجه الحياة تماما, انجبت طفلي بعدها بشهور وأخذته على كتفي ليراه أبوه في الزيارة. لقد أصبحت المعاني كلها ملتبسة على والأشياء مشوشة في رأسي بعد أن درت في متاهة الاعتقال والتظلم و إعادة الاعتقال ست سنوات كاملة مثلا كلمة الزيارة أنا أزور زوجي لماذا؟ المفروض أن نعيش في بيتنا كأسرة صغيرة أنا وهو والطفل ونزور الناس و يزورنا أما أن يحبس بعيدا و أزوره أنا وابنه فهو وضع غير طبيعي وغير عادل لا أكاد أفهمه, لا أعرف هل أفرح بالزيارة لأنني أراه أم أحزن لأنني أفارقه؟عندما تنتهي الزيارة و أخرج إلى الشارع أتعثر في خطواتي أحسد أى امرأة تسير مع زوجها في الطريق و إذا لاحظت أنها مقطبة الجبين أتعجب ماذا تريد أكثر من انطلاقها معه أحرارا؟ الحرية هي التى تعطي للحياة معني و قيمة و بدونها ينطفئ نور الدنيا. كلمة زوجة قدمت نفسي أولا أنني زوجة معتقل, فهل أنا حقا زوجة ؟وما الدليل علي ذلك؟أنا وحيدة حائرة متخبطة تلاشت ذكريات شهور الزواج القليلة تحت وطأة مفردات حياتي الجديدة زيارة, تصريح, سجن, معتقل, عسكر, قلق, رعب, مرارة, انتظار يفضي إلي لا شئ. ربما يخطرببال أحدكم أن ينصحني بفض ارتباطي بزوجي فهذا من حقي, و لا أنكر أن هذا الخاطر داهمني و أوجعني كسوط يلهب ظهري و يوقظني من سباتي, و لكن بمجرد أن تلتقي عيناي بعينيه المتلهفة حتي أندم علي أنني سمحت لهذا الخاطر أن يسبح في فراغ عقلي المشتت, لم يعد ينظر لي كمجرد زوجة لقد أصبحت طوق نجاته. كلمة الشكوى ماذا كتبت في الورقة التي أردت تقديمها كشكوى ؟ كتبت أنني زوجة لمعتقل منذ ست سنوات و لم يفرج عنه رغم عدم وجود قضية أو اتهام أو انتماء لأي تنظيم أو جماعة. أعدت قراءة الورقة قبل تقديمها, هل هذه الكلمات الباردة تعبر عن حالي ؟؟مزقتها و سحقتها بقدمي تبا للكلمات إن وعاءها يضيق عن استيعاب عذاباتي لن أكتب, و لن أتكلم, سوف أعبر عن مأساتنا بشكل مختلف, سوف أتأمل الوجوه من حولي لأمتص مشاعرهم, ذلك الأب المكلوم وتلك الأم التي يتجافى جنبها عن مضجعها وهي تتذكر أن ابنها ليس في فراشه و هؤلاء الأطفال الذين لا يعرفون أباهم إلا مجرد رمز و خيال باهت. سوف أملأ نفسي بكل هذا العذاب والشجن, الأسي و الشوق و اللهفة, الحيرة و القلق و التعب ثم أطلقها صرخة عالية مدوية, صرخة ملتاعة ترن في أرجاء الوطن. كلمة الوطن ما هو الوطن؟ أريد أن تصل صرختي إلي مسامع المسئولين تعلمهم أنهم من الجبارين في الأرض و أن حسابهم عند الله سيكون عسيرا وتقيم الحجة علي كل من سمع بنا ولم يمد إلينا يده, لماذا أشعر أنني لست في وطن بل في صحراء قاحلة خالية من البشر ؟لماذا أصرخ فيتردد صدى صوتي دون مجيبا؟ لماذا ألعق جراحي و أهيم علي وجهي ويغلق الجميع أبواب مخادعهم دوني؟ الآن سكنت نفسي بعد أن أطلقت صرختي و هاأنذا استسلم للمشيئة الإلهية وأتذكر موقف سيدنا إسماعيل حين أسلم نفسه للذبح امتثالا لإرادة الله. هاأنا أضع رأسي علي الأرض و يتطلع قلبي للسماء وتنساب دموع السكينة من عيناى, و أناجي ربي أنا راضية بحكمك يا أرحم الراحمين و ستجدني إن شاء الله من الصابرين.