"التنظيم والإدارة" يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف حتى نهاية العام    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    مدبولي يترأس مائدة بعنوان الإصلاحات الهيكلية لتعزيز تنافسية القطاع الخاص    بعدما حددت الثلاثاء المقبل.. إيران ترجئ تشييع جنازات قادتها العسكريين    قصة الصراع في مضيق هرمز منذ الاحتلال البرتغالي وحتى الحرس الثوري الإيراني    إيران تمتلك ورقة خطيرة.. مصطفى بكري: إسرائيل في حالة انهيار والملايين ينتظرون الموت بالملاجئ    تشكيل بايرن ميونخ وأوكلاند سيتي في افتتاح مبارياتهما بكأس العالم للأندية 2025    طلاب الأدبي بالشهادة الثانوية يستأنفون امتحاناتهم بمادة اللغة الإنجليزية    قتل أسرة كاملة حرقًا.. الإعدام شنقًا لعامل في الإسكندرية -صور    العثور على جثة سوداني أمام "المفوضية" بأكتوبر    25 صورة من جنازة نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    حالة طوارئ، روتانا تطرح أحدث ألبومات نجوى كرم    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    لقب وحيد و9 محطات تدريبية.. ماذا قدم جاتوزو قبل تولي تدريب إيطاليا؟    رابطة الدوري الإنجليزي تعلن موعد الكشف عن جدول مباريات موسم 2025-2026    محافظ المنيا يؤكد: خطة ترشيد الكهرباء مسئولية وطنية تتطلب تعاون الجميع    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى الجولان والجليل ومنطقة حيفا    دعاء دخول امتحان الثانوية العامة لراحة القلب وتيسير الإجابة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق    مدبولى: مخطط طرح أول المطارات المصرية للإدارة والتشغيل قبل نهاية العام الجاري    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    ليس لأبراج تل أبيب.. مقطع مزيف للقصف الصاروخي في إسرائيل ينتشر على مواقع التواصل    استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025 بالمنيا    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    رئيس الوزراء العراقي: العدوان الإسرائيلي على إيران يمثل تهديدا للمنطقة    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    مانشستر يونايتد يواجه ضربة بسبب تفضيل جيوكرس لأرسنال    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    5 جوائز ل قرية قرب الجنة بمسابقة الفيلم النمساوي بڤيينا    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    النواب يحذر من تنظيم مسيرات أو التوجه للمناطق الحدودية المصرية دون التنسيق المسبق    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    أخر موعد للتقديم لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة.. تفاصيل    التعليم العالى: المؤتمر ال17 لمعهد البحوث الطبية يناقش أحدث القضايا لدعم صحة المجتمع    أولياء أمور طلاب الثانوية العامة يرافقون أبنائهم.. وتشديد أمنى لتأمين اللجان بالجيزة    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المصرى اليوم» حاورتها لتكتشف معنى جديد للصبر: الحاجة سوسن مواطنة «شقيانة» مهتمة بالشأن العام ولا تترك حقها

لا تملك وأنت تستمع لها وهى تقص عليك حكايتها مع الزمان إلا أن تقول: «يا صبر أيوب» ويا لقوة تحمل تلك المرأة التى لم تتجاوز السادسة والأربعين، ولكنها تبدو فى الستين من عمرها بعد أن زادتها الهموم سنوات فوق سنوات، بملامحها التى تقترب من الشيوخ، وأسنان فمها التى خلعتها، حتى خطواتها المتثاقلة بعد أن بتروا لها الإصبع الكبير فى قدمها، لتسير بقدم لا يفارقها التورم أبداً.
الملمح الأساسى فى حياة الحاجة سوسن، كما يطلق عليها معارفها وجيرانها، هو أنها مواطنة من بين ملايين الناس فى مصر، اختلط شأنها الخاص بما تعيشه مصر من شأن عام، بدءاً من بيعها كل ما تملك لعلاج زوجها الراحل من دون جدوى، مروراً بوفاة ثلاثة من أبناء أشقائها وهم فى أعمار مختلفة، انتهاءً بفشل زيجة ابنتها الكبرى، تؤكد لك أن شكواها تتلخص فى كلمة واحدة هى «الفساد» الذى صار مأساة حياتها هى وكل المصريين، ولذا فهى مصرية لا تختلف كثيرا عن بقية المصريين سوى أنها لم تعتد إغلاق الباب فى وجه الريح، بل تصر على مواجهتها مهما كانت شدتها.
الاسم فى الرقم القومى، سوسن على سليمان، وسنة الميلاد 1963، أم بالفطرة، تحملت مسؤولية أشقائها الست ومن بعدهم أخوتها الأربعة من أبيها، فى حياة أبويها وزوجة أبيها، اعتادت أن تواجه الحياة بابتسامة يساندها فيها حبها لابن عمها يحيى الذى ارتبطت به منذ أن وعت للمشاعر لغة. قصة حب كادت أن تفشل بسبب رفض الآباء لمشاعر الأبناء لولا أحكام القلوب التى جمعت الحبيبين، ليصرا على إتمام الزواج والعيش فى منوف حيث يعمل يحيى، ومن دون الاعتماد على الأهل.
وهو ما تحكى عنه سوسن بالقول: «عشت مع يحيى أجمل 11 سنة فى عمرى كله كان كل شىء، أنجبنا ثلاثة أبناء، طارق وغادة ونورا، وحانت لحظة الفرج حينما عثر زوجى على عقد عمل فى قطر فى مطلع التسعينيات، ليسافر ويعود لى بعد عام واحد مصابا بفيروس سى انتقل له أثناء تلقيه علاجاً بأسنانه.
خشيت على يحيى من المرض وكانت صحته فى تدهور مستمر، طرقت كل الأبواب لعلاجه، بعت كل شيء فى البيت حتى قطن المراتب من أجل أن يستعيد يحيى صحته ولكن فى أقل من عام كان كل شىء قد انتهى، تركنى أنا وأولاده نواجه الحياة وحدنا، وجدت نفسى الأب والأم لثلاثة أبناء ربيتهم منذ اللحظة الأولى على رفض أى محاولة مساعدة من المحيطين بنا حتى ولو لم تتجاوز حدود طبق حلوى أو بعض الفاكهة من الجيران. ولم أجد أمامى كى أعيل أبنائى سوى أن أشترى الملابس من سوق الجملة وأبيعها فى المصالح الحكومية بهامش ربح يكاد يكفينا ويكفى تعليمهم».
كانت الكرامة، والاعتزاز بالنفس والاستغناء عن مظاهر الحياة التى لا يقدرون عليها هى أهم ما يعنى الحاجة سوسن فى تربيتها لأبنائها، يتظاهرون بالشبع والبيت خال من الطعام، يرتدون ما يسترهم دون طمع فى مزيد.
الشيء الوحيد الذى كانت تقتطع من قوتها لتشتريه هو جريدة الأهرام يوم الجمعة كى تقرأ بريد الأستاذ عبد الوهاب مطاوع. وفى أحد أيام جُمع عام 1996 قرأت رسالة لزوج وكيل وزارة جار عليه الزمان وأصابه المرض فأقعده، وأرسل رسالة يشكو فيها سوء معاملة زوجته له وضيقها بمرضه وخدمته.
شعرت سوسن أن واجبها يحتم عليها توعية تلك الزوجة الجاحدة لنعمة وجود زوجها بجوارها، فأرسلت رسالة لبريد الأهرام تحكى قصتها وزوجها وكيف أن وجوده بجوارها حتى فى أشد لحظات المرض، كان أفضل بكثير من وحدتها هى وأبنائها.
لتفاجأ بنشر رسالتها فى بريد الجمعة وباستدعاء عبد الوهاب مطاوع لها فى الجريدة، وهى ما تتذكره بالقول: «ذهبت للأستاذ مطاوع فى مكتبه فوجدته يسلم على ويسلمنى شيك بمبلغ 5000 جنيه، فقلت له إننى لا أقبل المساعدة من أحد، فقال لى إنه مبلغ تبرع به أحد القراء من دون أن يذكر اسمه لمساعدتى فى تسديد الديون التى تراكمت على بسبب مرض زوجى.
كما أخبرنى برغبة دكتور محمد إبراهيم سليمان بالذهاب له، فقلت له إننى بخير ولا أحتاج للذهاب لأى طبيب، فضحك وقال لى إنه وزير الإسكان قرأ رسالتى ويريدنى فى مكتبه، فذهبت لمكتب الوزير فى الموعد المحدد، فعرض على المساعدة المالية كل شهر وقال لى إن أولادى الثلاثة صاروا مسؤوليته لحين تخرجهم، فرفضت وبررت له ذلك بأن أبنائى يستحيون ارتكاب الأخطاء بسبب رؤيتهم لتعبى وسعيى عليهم، وأننى لو اعتمدت على الوزير فى تربيتهم فسوف يفقدون هذا الحياء لأن كل شىء بات سهلاً».
طلبت سوسن من وزير الإسكان الأسبق أن يوفر لها وظيفة بالقرب من محل سكنها، فصدر قرار تعيينها فى وظيفة كتابية فى مديرية إسكان منوف قبل أن تغادر مكتبه، براتب 140 جنيهاً، وهو مبلغ بالنسبة لها بالإضافة لمعاش زوجها الراحل، إلا أن أهم ما فى قصة تعيينها كما تقول كان فرحة أبنائها بوظيفتها التى حالت بينها وبين المرور على المكاتب تبيع الملابس، حتى إنها فوجئت فى أحد الأيام بابنها طارق وقد أتى لمحل عملها ومعه أصدقاءه يبرهن لهم أن أمه موظفة حكومية.
ولم تقتصر مساعدة الوزير للحاجة سوسن على ما فعل ولكنه كان دائم المتابعة لها فى العمل للاطمئنان عليها وعلى أبنائها، كما كان وراء منحها شقتين فى مساكن محدودى الدخل فى السادس من أكتوبر واحدة لها وأخرى لطارق كى يتزوج بها.
فى مكتب الوزير عرفت الحاجة سوسن بعضا من ملامح العلاقة بين السلطة وبعض الصحفيين فى مصر، بعد أن سمعت ورأت كتاباً سعوا وراء مصلحتهم بقطعة أرض أو امتيازات من الوزارة، وعندما فشلوا قرأت هجومهم على صفحات الجرائد بعدها على الوزير وسياساته، لتؤكد لك: «هناك أسماء رنانة فى الصحافة لها بريقها عند الناس ولكنها لا تساوى شيئاً عندى إنهم يبتزون الحكومة فى الخفاء، ويهاجمونها فى العلن، وهذا عين الفساد يا أستاذه.
ما عدا الأستاذ مجدى مهنا، لم ألتق به ولا مرة فى حياتى ولكنه كاناً رجل كنت أصدقه فى حواره الذى لا زيف فيه مع المسؤولين، كان هو الذى يصبرنى على أمور كثيرة أراها فى البلد وتؤلمنى، كان نفسى أقابله لكن الموت كان أسرع منى».
وتسير الحياة بالحاجة سوسن تتابع وترصد ما يحدث للوطن، تتابع الغلاء الذى لا يرحم ميزانيتها ذات ال480 جنيهاً، ورغم ذلك تتحايل على المعيشة كشأن كل المصريين، تسعى لزواج الابن والابنة ولو الدين والتقسيط والاقتراض من البنك بضمان راتبها، الذى لم يعد يتبق لها سوى نصفه بعد خصم أقساط الدين، وعقلها وقلبها يؤكدان لها أن تزويج الأبناء سترة، وتشريفهم أمام الناس واجب ورسالة، فتهون الديون ومتاعب العيشة، ولكن الألم والمرض والموت هم الذين لا يهونون بسهولة. هكذا تقول الحاجة سوسن حينما تتذكر نور عينيها «منير» الذى خطفه الموت وهو فى الثامنة والثلاثين من العمر، وتتهم الفساد بأنه السبب فى موته.
ما الحكاية يا حاجة سوسن، وهل تلصقين كل شىء فى حياتنا بالفساد؟ ومالك أنت والحديث عن الفساد وناسه؟ تجيبك قائلة:» صبرك بالله، الحكاية بدأت مع عودة منير، الابن الأكبر لشقيقتى وكنت أعتبره ابنى، من مقر عمله كمشرف فى شركة مقاولات فى محافظة البحر الأحمر، بوجبة السمك التى اعتاد أن يحضرها لنا فى كل مرة، تجمعنا فى منزل شقيقتى كلنا، أكلنا وضحكنا، ولعبنا كبارا وصغار، وفجأة شكا منير من ألم فى ساقه، تفحصتها فوجدت دائرة صغيرة حمراء كما لو كان لدغة حشرة.
حاولت التهوين عليه ولكن زاد الألم، فذهبنا لطبيب طلب عمل تحاليل وفحوصات، نفذنا ما طلب وعدنا له فأخبرنا أن منير يعانى من جلطة وقرر دخوله مستشفى الزراعيين، فصرفنا فى الأيام العشرة التى قضاها فيها 9000 جنيه، وأصرت المستشفى على أن ندفع قبل دخول منير 2000 جنيه، و2000 جنيه أخرى أجرة يد الطبيب، ويا ليتها جاءت بنتيجة، فقد خرج من المستشفى وقد زاد الألم عليه وانتفخت بطنه، ذهبنا للطبيب فطلب فحوصات أخرى أكدت وجود خلايا سرطانية، يومها شعرت بالانهيار فأخفيت على أختى الحقيقة لأن منير كان نور عينيها، كان يتألم وأنا عاجزة عن عمل شىء،
لم يكن أمامنا سوى المستشفيات الحكومية، التى أتمنى أن يُعالج بها جميع السادة المسؤولين فى بلادنا، ليعرفوا أن ميزانية وزارة الصحة فى بلادنا مهدرة على مستشفيات تهين كرامة الإنسان ولا تعالج، أليس فساداً أن يكون ابنى فى المستشفى يعالج من مرض خطير كالسرطان ويطلب منى الطبيب علبة دواء ب13 ألف جنيه، من أين للبسطاء بهذا المبلغ؟
أليس من الفساد أن تجلس الممرضة على مقعدها عند باب العنبر الممتلئ بالمرضى ثم تطلب منهم أن يأتوا ليحصل كل منهم على الدواء؟ أليس فساد أن تسيطر على العنبر رائحة عفونة لا يتحملها بشر نتيجة وجود ماسورة مكسورة فى أرضيته دون أن يهتم أحد بإصلاحها وكأن المرضى ليسوا بشراً؟ ثم من أين جاء لمنير ومن كانوا معه فى المستشفى وغيرهم ممن لا نعلم عنهم شيئاً، السرطان ذلك المرض اللعين؟ أليست مبيدات «يوسف والى» التى أغرقت خضروات المصريين وفاكهتهم؟
أيستطيع يوسف عبد الرحمن وراندا الشامى أن يفعلا ما فعلاه بدون إذن الوزير أو معرفته؟ ولماذا لم يحاكم يوسف والى أو يحقق معه كما أوصت المحكمة فى حيثيات حكمها على مساعديه؟ الفساد يا أستاذه يتوحش عندما يُطبق القانون على الغلابة، ولا يستطيع الاقتراب من المسنودين».
مات منير، وكان يوم موته مأساة فى حياة الخالة سوسن، ليس فقط لأنها تلعن الفساد الذى خطف منها ابن شقيقتها، أو لكون الفراق صعباً ومريراً، ولكن أيضاً بسبب إصرار إدارة المستشفى الحكومى الذى كان يعالج به منير على تحصيل رسوم إدارية من أسرته قبل السماح لهم بالحصول على جثمانه، لتثور ثائرة الحاجة سوسن وهى تتساءل أمام باب الإدارة فى المستشفى عن سبب تلك الرسوم التى لم تجد لها معنى فى غياب الرعاية الحقيقية بالمستشفى، وفى وجود وفر من فاتورة العلاج على نفقة الدولة يقدر بنحو 5000 جنيه.
وتشكو لك قائلة: «علاج منير كلفنا 200 ألف جنيه لم تمنحنا منهم الدولة غير 25 ألف جنيه، أليس هذا فساداً يا عالم؟ ثم يطالبوننى بدفع رسوم إدارية هو موت وخراب ديار؟».
كان لموت منير الدافع للحاجة سوسن فى أن تتقدم ببلاغ للنائب العام تتهم فيه يوسف والى وزير الزراعة الأسبق بالتسبب فى موته هو ومن معه فى العنبر محمود ومأمون، اعتقدت أنه سيكون من سيهتم ببلاغها وأنه قد يكون دافعاً للمسؤولين لفتح التحقيق مع الرجل الذى أوصت المحكمة به، ولكن الحياة فى مصر لا تعترف بأحلام البسطاء وخيالاتهم الساذجة،
فبدلا من أن يفتح باب التحقيق مع الوزير ومساءلته فى بلاغ رسمى طبقا للقانون، استدعت نيابة السادس من أكتوبر الحاجة سوسن لتحقق معها فى سبب تقديمها البلاغ، وسألوها عن أى علاقة لها بيوسف والى، فنفت، فاتهموها بالسب والقذف فى حق وزير الزراعة الأسبق، ولكنها لم تشعر بالخوف كما تقول: «أعلم أننى كنت كمن يصدم رأسه فى حائط، ولكننى لم أكن أريد أن أصبح شيطاناً أخرس، فعلت ما يجب على فعله ويكفينى هذا».
وتواصل الأحداث صدامها مع سوسن، لتعلم أن الابنة التى اقترضت من أجل سترتها، غير سعيدة فى حياتها مع زوجها الذى لم يتورع عن تكرار ضربها إلى حد أنه كسر لها أنفها. فتسارع بإخراجها من بيت الزوج ومعها ابنتها الصغيرة، وتتجه لتحرير محضر رسمى له استندت عليه فى الدعوى التى أقامتها لتطليقها من زوجها.
لتفاجأ بإحضار الزوج شهادة مختومة من محل عمله يؤكد فيها أنه كان غائباً فى محل عمله بسيناء فى يوم الواقعة، لتجابه الحاجة فساداً آخر فى الضمائر، يضطرها للسفر إلى سيناء أكثر من مرة لمناشدة المسؤولين فى مدرسة زوج ابنتها قول الحق، فيعترفون بأنه لم يكن موجوداً فى ذلك اليوم. تحكى وتقول: «عدت للمحكمة التى أصرت على تشكيل لجنة للسفر والتأكد مما قلت لهم، فسافرت معهم وعدنا ليعرف الجميع أن زوج ابنتى كاذب وغير أمين عليها، وكاد الفساد أن يمنحه حق التسلط عليها».
آه... نسيت أن أحكى لكم قصة بتر الأصبع الكبير فى قدم الحاجة سوسن، الذى أضاف لمعاناتها معاناة، تحكى عنها قائلة: «ارتطم أصبع قدمى بشدة وأنا أجرى فى الشارع للحاق بابنتى غادة بعد مكالمتها الباكية من زوجها، تجاهلت الألم وواصلت السير، وبعد عدة أيام لاحظت ورماً فى قدمى فذهبت للطبيب الذى أكد ضرورة بتر الأصبع، من يومها وقدمى هكذا تعانى ورماً يمنعنى من السير بشكل طبيعي. الحمد لله بسيطة».
ما زال شأنها الخاص يختلط بِشأن البلد العام ليخلق واقعاً مؤلماً وصعباً إلى حد كبير. فدخلها الذى لا يتجاوز الخمسمائة جنيه، وتنفق منه على ابنتيها ولمة عائلتها يوم الجمعة، يؤرق حياتها ويجعلها لا تحسب فقط نفقاتها اليومية ولكن أنفاسها أيضاً، وهو ما جعلها تقف حاملة لافتة كبيرة علقت عليها قرن بازلاء، وثمرتى كوسة وطماطم، وتقف بها أمام مجلس الوزراء مستنكرة غلاء الأسعار الذى لم يترك للفقير فرصة العيش بأبسط الإمكانيات. وهو ما تصفه قائلة: «من قال إننا نأكل فى كل يوم لحماً مع الغذاء؟
يوم لحم وأيام خضر وأرز وكله رضا من الله، ولكن أن يصبح حتى توفير الخضر على الأقل فى 20 يوماً من الأمور المشكوك فيها، هنا يجب التوقف وإلا فما معنى البقاء. فقررت عمل احتجاج أمام مجلس الوزراء بجوار مجلس الشعب، الذى كان مشغولاً وقتها بمسرحية روايح التى كانت تقدمها فيفى عبده على أحد مسارح الدولة، والأعضاء يحتجون كيف لراقصة أن تمثل على مسرح قطاع عام؟
تعجبت يومها من أعضاء البرلمان الموقر الذين تركوا همومنا والأسعار تكوى جلودنا والناس تموت فى طوابير العيش، وتفرغوا لمناقشة قضية فيفى عبده. أخذونى من يدى إلى شرطة مجلس الوزراء، وسألونى عمن حرضنى لفعل ما قمت به لأن شكلى وهيئتى لم تقنعهم أننى مهتمة بالسياسة أو أفهم بها.
ولما تأكدوا من حديثى سألونى عما أريد، فأجبتهم أننى أريد التحدث لرئيس الوزراء، فطلبوا منى كتابة طلب، كتبته ولكن فاتت الأيام ولم يسأل فى رئيس الوزراء، ولم يطلب لقائى. لا أعلم لماذا؟
هل هو رئيس حكومة أخرى غير حكومة المصريين؟ هل لديه عقد عمل إضافى ولذا لا يجد الوقت للقاء الغلابة الذين بحاجة لمن يسمع همومهم ويهون عليهم».
حزينة هى الحاجة سوسن بما حدث للمصريين فى السودان عقب مباراة مصر والجزائر، تؤكد لك أن ما حدث ليس ذنب الجزائريين بل ذنب المصريين الذين ذهبوا إلى هناك فضُربوا وعادوا ليبكوا كالنساء فى التلفزيونات، وتضيف: لن نفعل شيئاً كالعادة، لو هناك نية فعل أى شىء كنا وقفنا بشدة فى حادث الطيارة المصرية سنة 99 والتى اتهموا البطوطى أنه السبب فى سقوطها لمجرد قوله «توكلنا على الله»، لقد أضاعتنا الحكومة وأهدرت حقوقنا فلماذا يبكى عليها غيرنا؟
أصبح هم غالبية المصريين «الطفشان» والبحث عن أى فرصة فى بلاد الله، وأضرب كفاً بكف حينما أرى أحد المسؤولين فى التلفزيون يتساءل عن سبب الهجرة غير الشرعية واندفاع الشباب فى اتجاه سفر لا ينتهى بهم إلا إلى موت. ألا تعرف يا سيادة المسؤول لماذا يهرب هؤلاء الشباب؟
ألا ترى الموت فى عيونهم وهم هنا أحياء، يذهبون للبحث عنه بدلاً من انتظاره؟ ألا تشعر بمرارة الغلب تعتصرهم بلا أمل فى غد يغير طعم أيامهم؟ أين زراعة الصحراء فى مصر؟
أين اقتصاد طلعت حرب؟ أين المعامل لدكتور زويل الذى لم أصدق مبرراته فى عدم فعل شىء لمصر، فمن يرد فعل شىء يفعله؟ أين مصر يا ولاد؟ أين؟ أين ابنتى؟ أين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.