عندما كان الفريق أول عبد الفتاح السيسي مرشحا لرئاسة الجمهورية كان طرحه الأساس متعلقا بالاقتصاد والتنمية وفتح فرص عمل جديدة للشباب ، وقد سخر البعض منه عندما عرض أفكارا تبدو بدائية أو لا تتصل بنظام دولة ومشروع وطن ، مثل حديثه عن عربات صغيرة لتوزيع البضائع تمنح للشباب ونحو ذلك ، لكن على كل حال كانت تلك الأفكار تؤكد إدراكه الواضح حينها أن معضلة الوطن الأساسية هي في الفقر والبطالة وتدني ظروف العيش وسوء الاقتصاد ، وبالتالي كان المفترض أن يكون مشروعه الأهم في سنته الأولى هو التوسع في كافة النشاطات التي تدعم الاقتصاد وتحيي مواته وتفعل التنمية ، ودعم المشروعات التي تفتح فرص عمل للشباب وتستثمر الطاقة البشرية في الإنتاج ، ولكن الذي حدث بعد توليه الرئاسة يكشف عن أنه مهموم بالأمن أولا ، والأمن أخيرا ، على الأقل في تلك اللحظة ، فسواء حزمة القوانين والقرارات التي صدرت بإشراف الرئيس الانتقالي عدلي منصور أو تلك التي صدرت في فترة توليه المسؤولية مباشرة وليس من وراء ستار ، كلها تعطي الانطباع بأن أولوية الرئيس الآن هي السيطرة الأمنية وحصار أي قوة معارضة وإنهاء "السياسة" من المجتمع المصري بأي تكلفة وبأي سبيل ، إن استطاع . أمس فاجأنا علاء يوسف، المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بأن الرئيس المصري وافق علي قرار بقانون يستهدف استحداث فئة جديدة ضمن أعضاء هيئة الشرطة بمسمى "معاون أمن"، يتم تعيينهم وتأهيلهم وفقًا لأسس ومعايير خاصة ل"الاستفادة من حملة الشهادة الإعدادية (المرحلة النهائية من التعليم الأساسي) ذوى القدرات الصحية والنفسية والرياضية المؤهِلة لعمل رجل الشرطة . وفي بيان رسمي أمس الإثنين، قال يوسف، أنه "سيتم الاستفادة من الفئات العمرية الشابة ما بين 19 و23 عامًا من خلال تأهيلهم وتدريبهم وفق أحدث البرامج الشرطية المتطورة؛ بما يضمن تعزيز القدرات الأمنية فى مواجهة خطر الجريمة بكل أشكالها وأنماطها ، موضحا أن "معاونى الأمن سيكون لهم صفة الضبطية القضائية، كما سيسرى عليهم ذات القواعد الخاصة بأفراد هيئة الشرطة عدا بعض القواعد، ومن بينها قواعد الترقى ومدة الدراسة والتأهيل ومدة الترقية" . مصر تملك واحدا من أضخم أجهزة الشرطة في المنطقة العربية وربما في العالم كله ، وإذا كانت هناك ظروف استثنائية الآن لتوابع الثورة ، فإن الجيش يعزز قدرات الشرطة ، بل إن هناك قرارات جمهورية صدرت مؤخرا تجعل الجيش مسؤولا بشكل مباشر وحصري عن محافظات بكاملها هي المحافظات الحدودية ، فماذا يعني تفكير الرئيس في التوسع في جهاز الشرطة وتضخيمه أكثر مما هو ضخم ، ماذا يعني انشغال الرئيس والمجموعة المحيطة به باستيعاب هذه الفئة العمرية من الشباب في مشروع أمني وليس في مشروع انتاجي ، هل اقتنع السيسي أخيرا بأن مصر تحتاج إلى عصا الأمن وليس إلى زر المصنع و منجل الفلاح ، وإذا كانت الدولة مترفة إلى هذا الحد وتملك توفير عشرات أو مئات الآلاف من فرص العمل للشباب وتدفع لهم رواتب وحوافز وخلافه ، فلماذا لا تستوعبهم في قطاعات أخرى إنتاجية أو إدارية تعاني الضعف والتعثر ويعاني المواطنون فيها الأمرين إذا اضطروا لإنجاز أعمال إدارية أو قانونية أو غيرها في أجهزة الدولة ومؤسساتها . المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء هاني عبد اللطيف دافع عن القرار الجديد أمام الفضائيات بقوله : أن القرار الرئاسي باستحداث فئة جديدة في الجهاز الشرطي يستهدف "تطوير وإعداد فرد شرطة عصري في كافة التخصصات الأمنية ويهتم بحقوق الإنسان لمواجهة تحديات المرحلة وأنه "سيتم إلحاق المقبولين بمعهد الضباط للتدريب لمدة 18 شهرا ، مؤكدا أن "خريجي معهد معاوني الأمن بعد إعدادهم كفرد شرطة عصري، بمواصفات خاصة جدا، من خلال تدريسهم مناهج منها حقوق الإنسان سيعملون بكافة التخصصات الأمنية ويتمتعون بالضبطية القضائية لمواجهة تحديات المرحلة . ولا أعرف معنى "حشر" حقوق الإنسان في هذا السياق ، لشبان لم يكملوا حتى تعليما متوسطا ، ويخضعون لتدريبات شرطية نفسية ومادية قاسية ، ثم يطلقون في الشارع مسلحين بالضبطية القضائية ، فهل هؤلاء هم الذين سيعيدون وجه "حقوق الإنسان" للحالة الأمنية في مصر ، لمن يوجهون مثل هذا الكلام . نصيحة لوجه الله ، طريق النجاح والإنجاز لأي نظام سياسي حديث لا يمكن أن يعبد بالتوسع في الأمن والسيطرة والقمع وتوسيع السجون وتضخيم قوانين الاستبداد وإهدار ضمانات العدالة ، وإنما بالتنمية ونشر روح العدل والتسامح واحترام آدمية الإنسان وكرامته وحريته .