فى الاسبوع الأول من ديسمبر 2014 أعلنت بريطانيا انها اقامت قاعدة بحرية عسكرية فى البحرين حتى تبدأ مرحلة جديدة من العودة النشيطة إلى الاهتمام بقضايا المنطقة وقد أطلقت الصحف البريطانية على هذه السياسة الجديدة سياسة شرق السويس الجديدة فما هى سياسة شرق السويس القديمة باعتبار انها جزء أساسى فى تاريخ المنطقة العربية الحديث وحدود المقارنة بين سياسة شرق السويس فى الحالتين ومدى جدواها فى ظروف تحول النظام الدولى وظهور قوى اقليمية جديدة بعبارة أخرى كيف نقرأ البيئة السياسية الجديدة فى المنطقة من المنظور الجيوسياسى. سياسة شرق السويس هى السياسة التى اتبعتها بريطانيا عندما كانت قناة السويس هى الحد الفاصل بين الممتلكات البريطانية فى الهند وبين أوروبا حيث كان حفر قناة السويس قد أحدث نقله هائلة فى الاستراتيجية الدولية من النواحى العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية .ويكفى أن نشير إلى أن بريطانيا عندما ظفرت من محمد على باشا بامتياز البوسطة الخديوية عبر بورسعيد قبل حفر القناة فقد منحت الملكة البريطانية لمحمد على هدايا قيمة من المجوهرات ورسالة نادرة تقديراً لامتنانها لهذه الخدمة الكبرى ولذلك عندما افتتحت قناة السويس بادرت بريطانيا إلى شراء الجزء الأكبر من أسهمها بل ان بريطانيا اقنعت الخديوى إسماعيل بأن يبيع حصة مصر لأسهم القناة لبريطانيا مما أوغر صدر فرنسا فلجأت إلى التحكيم وكان المحكم الوحيد الذى اختاره الخديوى إسماعيل هو امبراطور فرنسا صديقه نابليون الثالث الذى قضى بتعويض فرنسا بملايين الفرنكات الفرنسية والتى اسهمت فى تفاقم الديون المصرية التى استخدمت ذريعة لاحتلال مصر، ثم أن بريطانيا احتلت مصر لاسباب كثيرة من اهمها السيطرة على قناة السويس حتى تضمن انسياب مصالحها فى شرق القناة وفى غربها . وقد أدت الحرب العالمية الثانية إلى انكشاف الأسد البريطانى والأمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس فأصبحت بريطانيا العظمى عاجزة عن الانفاق على شبكة المصالح البريطانية والترتيبات الدفاعية شرق قناة السويس وظلت تكابر لأكثر من عقدين خاصة وأن الولايات المتحدة كانت قد بدأت سياسة رسمية للحلول محل الامبراطوريات الأوروبية الفانية وكانت الحلقة الأخيرة من تصفية الممتلكات البريطانية خارج الجزر البريطانية هو الانسحاب من منطقة الخليج حيث كانت تهيمن هيمنة كاملة على مقدرات هذه المشيخات من مضيق هرمز جنوباً إلى العراق ثم الأردن وفلسطين ومصر وليبيا والممتلكات الإفريقية وذلك ابتداءا من عام1819 . وفى 16 يناير 1968 أعلنت حكومة العمال البريطانية سياسة جديدة فى شرق السويس وهى الانسحاب الكامل منها خلال ثلاث سنوات وأشاعت الكتابات الغربية فى ذلك الوقت أن الفراغ الذى تتركه بريطانيا لابد من شغله عن طريق الولايات المتحدة وبالفعل أعلن هنرى كسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكى فى ذلك الوقت فى صيف 1968 ما يسمى بالخطة الكبرى grand design وبموجب هذه الخطة تشرف واشنطن على الخليج لكى تحمى المصالح البترولية والاستراتيجية وأمن دوله العربية الجديدة ضد ما كان يسمى حين ذاك التسلل الشيوعى إلى الخليج . وللخطة ثلاثة أضلع، ضلع تتولاه السعودية يمثل الجانب العربى بعد هزيمة مصر الفادحة عام 1967 حيث تحدثت السعودية بأسم العالم العربى منذ ذلك الوقت وحتى الآن ليس فقط فى الخليج وانما فى كل القضايا. والضلع الثانى يمثله إيران – الشاة الذى عين شرطياً على الخليج. والضلع الثالث هو الولايات المتحدة وهذا الترتيب الذى أغفل العراق أدى إلى الصدامات المتتالية بين العراق وايران ثم قامت الثورة الإسلامية فى إيران وغيرت المبادئ الجيوسياسية للمنطقة وأنهت الخطة الكبرى التى وضعها كيسنجر. والمعلوم أن سياسة شرق السويس التى انتهت بالانسحاب البريطانى من الخليج فى نهاية عام 1970 حيث اتفقت بريطانياوإيران سراً على أن تسلم بريطانيالإيران جزيرتي طنب الصغرى والكبرى مقابل تخلى إيران عن دعواها فى البحرين وهو الأمر الذى تم فى استفتاء نظمته الأمم المتحدة فى سبتمبر 1970 حيث اختار شعب البحرين الاستقلال. أما على المستوى الخليجى فقد كان رد الفعل مختلفاً حيث جددت إيران دعواها على البحرين التى استمرت أكثر من قرن ونصف . وكانت بريطانيا هى التى تصدت لإيران فى هذه القضية على النحو الذى سجلت كتب التاريخ تفاصيله، بل ان بريطانيا اقتسمت إيران مع الامبراطورية الروسية منذ عام 1907 بعد هزيمة روسيا أمام اليابان وهذه الهزيمة هى التى أدت فى النهاية إلى تعملق اليابان الذى فوجئت به واشنطن فى مؤتمر القوى البحرية فى واشنطن عام 1922 وما تبع ذلك من الصدام المروع بين اليابان والولايات المتحدة فى بيرل هاربر 1941 . أما الجانب العربى ، فقد حاول أن يشكل تكتلاً من المشيخات التى احتلتها بريطانيا وانسحبت منها وهى قطروالبحرينوالامارات المتصالحة على ساحل عمان أى الامارات المكونة الآن لدولة الامارات العربية المتحدة حيث كانت الكويت قد استقلت عن بريطانيا مبكراً منذ عام 1962 وكانت تلك بداية سياسة شرق السويس الجديدة فى ذلك الوقت. بدأت محاولات التكتل الخليجى بإنشاء اتحاد بين دبى وأبو ظبى فى 18 فبراير 1968 أى بعد اعلان بريطانيا الانسحاب من المنطقة بشهر واحد ثم بدأت الإمارات التسع مشروع اتحاد الإمارات العربية الذى انهار فى اجتماع المجلس الأعلى فى اكتوبر 1970 وكان الموضوع هو أطروحتى لدرجة الماجستير وكنت اتمنى أن ينجح ولكن فشله قد أسرع الخطى لانهاء الرسالة وتقديمها للمناقشة والتى تصدر قريبا فى كتاب بعنوان الإمارات العربية التسع من التبعية الى الاستقلال حيث استقلت عمان هى الأخرى من بريطانيا عام 1970 وخلافة السلطان قابوس بن سعيد والده فى حكم البلاد. وإذا كانت سياسة شرق السويس الأولى تعنى التخفف من التزامات بريطانيا فى كل المنطقة الواقعة شرق قناة السويس وخاصة فى الخليج رغم أن بريطانيا العظمى كانت تهيمن هيمنة مطلقة على مقدرات الخليج وعلى بتروله منذ أبرمت مع هذه المشيخات بما فيها الكويت ما يسمى تاريخياً بالاتفاقيات المانعة منذ عام 1892 التى جعلت التصرف فى أمور الخليج حكراً على بريطانيا العظمى ، فان سياسة شرق السويس الجديدة تتسم بثلاثة خصائص، الخصيصة الأولى انها عودة لتحمل مسؤليات الدفاع عن دول الخليج ضد إيران الإسلامية وليس ضد الشيوعية كما كان الأمر فى الخمسينيات والستينيات. الخصيصة الثانية، أن سياسة شرق السويس القديمة كانت تعنى التخفف من الالتزامات الدفاعية والمالية والسياسية، أما شرق السويس الجديدة فتعنى العكس مع ملاحظة أنه كان يمكن لبريطانيا أن تنفق على هذه الالتزامات من دخول المستعمرات الأخرى حيث لم يكن فى الخليج سوى البترول منخفض الثمن. الخصيصة الثالثة، هى أن رحيل بريطانيا كان ايذانا بشيخوختها وحلول القوة الفتية الأميركية الجديدة محلها، أما الآن فإن بريطانيا تحاول أن تعوض انسحاب الولايات المتحدة الجزئى من الشرق الأوسط بأكمله إلى أسيا والمحيط الهادى. هذه المهمة الجديدة تأتى فى اطار ترتيب الأوضاع فى الخليج عندما تصبح إيران فى علاقة طبيعية مع الغرب أما إذا فشل الاتفاق مع إيران فإن وجود بريطانيا لا يعنى سوى تسليح الخليج حتى يصبح خطاً متقدماً فى حالة الصدام العسكرى مع إيران. ومن شأن هذه السياسة الجديدة التى لم تتبلور تماماً إثارة شكوك إيران ومخاوفها وارتفاع وتيرة العداء بينها وبين دول الخليج.