كيف تمارس حركة المقاومة الإسلامية حماس السياسة في مقاعد السلطة، وتمارس معها العمل المقاوم؟ وكيف تتغلب على هذا التعارض؟ يبدو من الجدل الدائر حول هذا الموضوع، أن هناك تعارضا بالفعل بين الدور الذي قامت به حماس وهي في المعارضة، والدور الذي يفترض أن تقوم به الآن، وهي في قلب السلطة الفلسطينية. ويتكرر السؤال كثيرا، حتى يصبح حقيقة لا تحتاج إلى مناقشة، وكأنها قاعدة عامة. والواقع لا يؤكد وجود تعارض بين العمل المقاوم والعمل السياسي، بل أكثر من هذا أن المقاومة تمثل موقفا سياسيا من قضية التحرير، والعمل من أجل التحرير، هو عمل مقاوم، ولكن لا يشترط ممارسة المقاومة بالسلاح فقط. وفي كل حركات التحرر، يكون على تلك الحركات اختيار المنهج المناسب للعمل، طبقا للظروف والمتغيرات المحيطة بها. لهذا نقول إن نهج المقاومة يمثل الإطار الحاكم لحركة المقاومة الإسلامية، وأنها تمارس هذا المنهج بكل السبل والأدوات، ومنها أدوات المقاومة المسلحة، وأي أدوات أخرى. فالمقاومة هي الفكرة الحاكمة لموقف تحرري، يقوم أساسا على استعادة الحق الفلسطيني. والعمل لتحقيق هذا الهدف يحتاج لكل أدوات المقاومة المسلحة والعمل السياسي، وأيضا العمل الاجتماعي والاقتصادي. وعليه لا نرى أن حماس تواجه سؤالا حرجا، ووجودها في السلطة لا يعني تغير موقفها، بل أن الناخب الفلسطيني اختار حماس بسبب موقفها المقاوم، وأراد لها أن تمثل الأغلبية وتشكل الحكومة، لا كي تغير موقفها السياسي، بل كي تطبق نهجها وتوجهاتها. وبالطبع نعرف أن السلطة الفلسطينية تقوم على اتفاقيات أوسلو، وهي الاتفاقيات التي تعارضها حماس، وغيرها من حركات المقاومة، ولكن اختيار الناس لحركة حماس هو اعتراض صريح على تلك الاتفاقيات وعلى نتائجها على أرض الواقع، وهو بالتالي تصريح بل تفويض لحركة حماس لتعديل تلك الاتفاقيات. ولا يمكن القول بأن تلك الاتفاقيات، والتي لم يلتزم بها الجانب الإسرائيلي، أصبحت ملزمة للشعب الفلسطيني للأبد، بل الأصح القول بأن اختيار حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، رغم موقفها المعارض، يعد رفضا شعبيا لمجمل الأوضاع التي ترتبت على تلك الاتفاقيات. وكأن اختيار حركة حماس لتمثيل الشعب الفلسطيني، كان استفتاءا على تلك الاتفاقيات، حيث عبر الناس عن رفضهم لها. ولعلنا نقول إن دخول حركة حماس للانتخابات التشريعية كان فعلا من أفعال المقاومة، أي كان فعلا سياسيا يندرج داخل نفس مشروع المقاومة. وقد جاء هذا الفعل في موعده، ولم يكن متاحا من قبل. فالانتخابات في عام 1996، كانت لانتخاب الفريق الذي سوف يقوم بتطبيق اتفاقيات أوسلو، ولكن انتخابات 2006، دارت حول الموقف من الفصيل السياسي الذي تبنى اتفاقات أوسلو، وحول الاتفاقيات نفسها ومجمل الأوضاع التي أدت لها. ولهذا جاء دخول حركة حماس في هذه الانتخابات، كفعل سياسي مقاوم في مواجهة الأوضاع الداخلية والخارجية. وأصبح نجاح حماس، هزيمة لمشاريع التسوية التي لم تراع الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، ولا الحد الأدنى منها. ولهذا نتصور أن تأثير دخول حماس للانتخابات وفوزها الكاسح فيها، لا يقل عن تأثير أعمال المقاومة المسلحة التي مارستها الحركة طيلة السنوات الماضية. والمتابع لرد الفعل تجاه فوز الحركة في الانتخابات، يتأكد من تأثير هذا الفوز على مجمل الأوضاع الدولية والإقليمية. وهنا علينا أن لا نستهين بفعل المقاومة السياسي، ولا بإمكانية ممارسة المقاومة حتى مع الدخول في مفاوضات. ووقائع التاريخ تشهد بتكامل الأدوار السياسية والعسكرية، في حركات المقاومة والتحرير. ونرى في الواقع أن وجود حركة حماس في السلطة الفلسطينية في هذا الوقت، ضرورة تاريخية للأمة العربية والإسلامية، ولا نبالغ في هذا. فيبدو أن البعض سوق لنا مفاهيم مغلوطة، فالسياسة لا تعني الاستسلام، ولا المفاوضات تعني التنازل عن الحقوق. لهذا نحتاج بشدة إلى أداء من نوع مختلف، وحركة حماس قادرة على تحمل هذه المسئولية. أداء لا يربط بين العلاقة الجيدة مع المجتمع الدولي، والمعونات المذلة، والتي تتحول إلى مكاسب شخصية وتؤسس لفساد النظام. وأداء لا يربط العمل السياسي والمفاوضات بالاستسلام، ولا يقوم على مقولة استحالة مواجهة القوى الغربية، والدفاع عن حقوقنا. وفي نفس الوقت، نحتاج إلى صورة لا تجعل من العمل السياسي إما استسلام أو تهور وحماقة. فالعمل السياسي المقاوم لا يعني أبدا الاندفاع الأهوج، ولا يعني تعريض الناس للخطر بزعم الدفاع عن حقوقهم. فالبعض حاول تسويق صورة للعمل السياسي، جعلت السياسة جزءا من التنازل عن الحق، وجعلت المقاومة هي رفض العمل السياسي، وتلك صور خاطئة. والسياسة هي فن تحقيق الممكن، وفن إدارة الصراع، ولم يقل أحد أنها فن التنازل. ومن خلال وعي وإدراك حركة حماس للحقوق الفلسطينية الثابتة، تستطيع تحقيق الممكن الآن، دون التنازل عن ما قد يكون ممكنا غدا، ودون التنازل عن ما يبدو مستحيلا حتى في المستقبل المنظور، لأنه حق للأجيال القادمة. وما يقال عن السياسة يقال عن المفاوضات، فكل حركات التحرر تفاوض قوات الاحتلال، والتفاوض مع المحتل لا يلغي من نظرتنا له كمحتل. والمفاوضات يحكم عليها من خلال نتائجها، وليس من خلال مجرد ممارستها. ومرة أخرى نقول أن البعض صور لنا التفاوض بوصفه تنازل عن الحقوق، والواقع أن في التفاوض مرونة وتنازل، ولكن ليس عن الحق والثوابت، وإلا فلما التفاوض إذن. وعليه نرى أن حماس ستقدم لنا نهج المقاومة، بالحكم والسياسة والمقاومة، وربما أيضا بالتفاوض.