جمال سلطان دائما نفكر في الوقت الضائع ، دائما لا نتحرك إلا عندما نكون على شفا الكارثة ، لا يوجد في بلادنا أي تفكير مستقبلي في أي شيئ ، هذا ما انطبع في خاطري وأنا أقرأ أمس خبر تفكير حكومة أحمد نظيف في نقل ثلاث عشر وزارة إلى خارج القاهرة ، لتخفيف التكدس والزحام ، القاهرة مدينة مختنقة على الدوام منذ عدة أعوام ، ورغم الخطط الإنقاذية العديدة من كباري وأنفاق وشبكة مترو الأنفاق ، إلا أن كل ذلك لم يغير من الأمر شيئا ، لأن نمو المدينة وحجم التكدس فيها ونمو حركة الطرق وعشرات آلاف السيارات التي تزيد سنويا في شوارعها لا يمكن أن يكون له حل وفق هذه الرؤية الترقيعية ، ومن ثم لم يكن هناك أي بد من نقل جزء كبير من العاصمة إلى خارجها ، والحقيقة أن حل مشكلات القاهرة يصعب أن تقوم به عقول إدارية ، أو وزارة نمطية ، إنها بحاجة إلى عقل خلاق ويمتلك الخيال ، كما يمتلك الجرأة على اتخاذ القرار ، الدكتور نظيف الذي يناقش هذه الفكرة اليوم ، هو نفسه الذي تفاخر بافتتاح مبنى هيئة الاستثمار الضخم منذ شهور في أحد أهم بلاوي القاهرة ، وهو شارع صلاح سالم ، وهو شريان المطار الرئيسي ، لم تجد حكومة نظيف سوى هذه النقطة المختنقة أصلا لكي تضيف إليها مبنى ضخما يؤمه كل يوم الآلاف ، أيضا وزارة الداخلية عندما أدركت في النهاية أنها كابسة على نفس المرور والخلق ومصالحهم بموقعها التاريخي في قلب القاهرة ، قررت الرحيل ، فأين فكرت ، رحلت إلى العباسية ، ربما لأنها رأت أن العباسية منطقة هادئة وفارغة ونائية ، والحقيقة أن العباسية كانت تحتاج إلى إخراج منشآت حكومية منها وليس إضافة المزيد من البلاء إليها ، تخيلوا أن منطقة لا تتجاوز الربع كيلو متر تحتوي على مجمع ضخم للمحاكم والإدارة التعليمية وهيئة كهرباء الريف ومجمع لخدمات السجل المدني وشؤون المغتربين ومنشآت أخرى عديدة ، الأمر الذي يجعل هذه البقعة كارثة خاصة في أوقات النهار ، فأتت الداخلية لتضيف إليها المزيد ، وفي العباسية كارثة أخرى تتمثل في جامعة عين شمس التي تصيب بالاختناق الكامل شوارع الخليفة المأمون وامتداد رمسيس والعباسية والزعفران بصورة مزمنة ومرضية ولا حل لها على الإطلاق ، وكانت وزارة الإسكان قد خصصت مساحة ضخمة ومميزة للجامعة منذ قرابة تسع سنوات في التجمع الخامس مثل الجامعة الأمريكية ، وبينما أوشكت الجامعة الأمريكية على نقل مقراتها وأنشأت مبنى فاخرا ، نام السادة الذين تناوبوا على جامعة عين شمس ولم يضعوا حتى سور على الأرض ، الأمر الذي جعل وزارة الإسكان ترسل خطابا يهدد بسحب الأرض لانعدام الجدية ، بل إن الجامعة لمزيد من النكاية في القاهرة وأهلها راحت تتوسع في منشآتها خلال العامين الأخيرين فأنشأت مبنى ضخما لكلية الحقوق ومبنى آخر كبيرا بجوار كلية العلوم ، ولم تترك مترا واحدا إلا وفكرت في البناء عليه ، جامعة عين شمس وجامعة القاهرة أصبحتا عبئا هائلا على القاهرة ، ولا بد من قرار جرئ وحاسم لنقل الجامعتين خارج القاهرة ، لأن نقلهما سوف يحل أكثر من خمسين في المائة من مشكلات مناطق الجيزة ووسط القاهرة ومصر الجديدة على الأقل ، كما أنه سوف يحيى مناطق أخرى تنقل إليها الجامعتان ستشهد بالتأكيد طفرة تجارية وخدمية ترتبط بالجامعة ، ولقد قامت دول عديدة من قبلنا مثل تركيا والبرازيل ونيجيريا باتخاذ هذا القرار الصعب من وقت مبكر بنقل العاصمة كلها ، فنشأت مدن جديدة وصل عدد سكانها الآن إلى الملايين ، كما تم إنقاذ العواصم التاريخية القديمة ، فهل في مصر من يملك الخيال والأفق والجرأة على اتخاذ مثل هذا القرار ، أو على الأقل تفريغ القاهرة من الوزارات والجامعات والمؤسسات الجماهيرية . [email protected]