أصابنى الذهول وأنا أقرأ هذا العنوان الذى تصدر صفحة داخلية بجريدة الأهرام يوم الثلاثاء الماضى 2 فبراير.. يقول العنوان «خطة زمنية لتطوير القاهرة بحلول 2050» لم أصدق عينى.. وأعدت قراءة العنوان أكثر من مرة.. وحسمًا للحيرة والدهشة.. بدأت أقرأ تفاصيل الخبر الذى جاء به أن الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء رأس اجتماعا وزاريا لمناقشة التصور حول رؤية القاهرة الكبرى عام 2050، وأن هذا الاجتماع حضره وزيرا الإسكان والتنمية المحلية ومحافظا القاهرة والجيزة ورئيس هيئة التخطيط العمرانى، وأكد الدكتور نظيف أن هذه الرؤية لقاهرة 2050 «بهدف رفع مستوى معيشة المواطن فيها، وزيادة القدرة التنافسية للقاهرة كعاصمة وعودتها إلى سابق عهدها كرائدة فى الثقافة والإعلام والتعليم والمال والأعمال والاتصالات والسياحة»!! وهذا اعتراف من الدكتور نظيف بأن القاهرة تراجعت عما كانت عليه فى سابق عهدها.. وأن الخطة الجديدة لإعادتها إلى جمالها السابق تحتاج منا أن ننتظر حتى عام 2050. أى المطلوب منا أن ننتظر أربعين عاما حتى يتم التطوير! وبالتأكيد.. وقتها سنكون جميعا فى رحاب الله.. وافتنا المنية.. نحن سكان العاصمة حاليا.. وكل المسئولين والمخططين للتطوير!! وسيكون الحكم على ما تم تنفيذه من نصيب الجيل بعد القادم.. وستتم محاسبة المسئولين الآن فى مجلس الشعب بعد بعد القادم عن الأخطاء وتجاوزات ما تم تنفيذه.. ووقتها لن يفيد الحساب وموت ياحمار!! ولا اعتراض على التخطيط للمستقبل.. ولكن لماذا لا يكون المستقبل خمس سنوات أو عشر؟ لماذا نحتاج إلى أربعين سنة أخرى؟ أليس هذا هروبا من إيجاد الحلول العملية السريعة لفك اختناق القاهرة وتسليك شراينها المسدودة بفوضى المبانى والعشوائيات وتكدس السيارات وتوقف المرور وتعطل مصالح المواطنين.. لقد أصبحت القاهرة مدينة مغلقة من شدة الزحام.. والشكوى على كل لسان فى طلعة النهار حتى آخر الليل، فهل ننتظر أربعين عاما أخرى حتى نستطيع أن نعبر الطريق بسلام وأن نتنفس فى طمأنينة؟! لقد استطاع الدكتور سمير فرج أن يعيد تخطيط مدينة الأقصر وإزالة كل العشوائيات وإعادة افتتاح طريق الكباش الأسطورى ليصبح أهم وأجمل الطرق الأثرية فى العالم.. كل هذا تم فى أقل من ثلاث سنوات. واستطاع المحافظ اللواء عبدالسلام المحجوب أن يعيد مجد كورنيش الإسكندرية وإزالة الكبائن القبيحة الشكل من على الكورنيش وتوسيع الطرق، حتى أصبح الكورنيش تحفة جمالية، كل هذا تم فى عامين فقط.. ثم جاء من بعد المحجوب.. اللواء عادل لبيب قادما من قنا.. بعد أن حولها إلى مدينة نظيفة شوارعها عريضة مزروعة بالأشجار والزهور، وهكذا أصبحت قنا مدينة يزهو بها صعيد مصر بعد أن كانت منفى وعقابا لكل المغضوب عليهم من الموظفين والمدرسين.. وها هو اللواء عادل لبيب يكمل مسيرة إعادة تخطيط قلب الإسكندرية ليصبح موازية لجمال ورونق الكورنيش، كل هذا يتم فى شهور معدودة، وبترحيب شعبى بالغ الحفاوة. فلماذا تصبح مدينة القاهرة عرجاء مشلولة ضاقت على سكانها حتى خنقتهم وأصبح التحرك فى شوارعها عذابا أليما وصراعا مستمرا وبهدلة ليس لها مثيل فى أى عاصمة تحترم آدمية البشر. وياسيدى الدكتور نظيف.. شكرا لأنك تفكر فى مستقبل القاهرة عام 2050. ولكن نرجوك أن تجمع وزراءك وخبراءك ولجانك فى مهمة عاجلة لإنقاذ القاهرة قبل أن تنفجر بسكانها.. ووضع خطة أقصاها عامان.. لإعادة تخطيط بؤر الزحام والتكدس وفوضى المرور وبلطجة سائقى الميكروباص فى سباقهم المجنون مع سيارات النقل العام. قل لرجالك يادكتور نظيف.. انزلوا إلى الشارع.. وخططوا على أرض الواقع.. وأعط لهم القدوة بأن تنزل بنفسك بدون مواكب الحراسة التى تفتح لك الطريق وأنت مستريح فى سيارتك الفاخرة.. عاين بنفسك وفكر مع رجالك وخبرائك لإنقاذ القاهرة الآن.. وليس بعد أربعين عاما.. لأننا بصراحة نريد أن نعيش الآن عودة القاهرة إلى سابق عهدها.. كما تحلم.. وكما نتمنى جميعا.. أبدأ الآن من مواقع الاختناق بالقاهرة.. وتدريجيا ستكتمل خطة التطوير.. أما حكاية «القاهرة 2050» فهى نكتة لا نصدقها!