البعض يتحمس لفكرة "تهجير" أهالي سيناء، ويتهم كل من ينتقدها ب"الخيانة".. أو ب"إسلامي إرهابي" يتآمر ل"إسقاط الدولة"!! قد نحترم مثل هذا "الاقتراح" من منطلق "حرية الرأي".. ولكنه ليس كذلك.. بمعنى أنه ليس حرية رأي.. وإنما "تحريض" على "طرد" سكان منطقة كبيرة من بيوتهم وأراضيهم، وهي "جريمة" لا يمكن تبريرها تحت أي مزاعم بما فيها مكافحة الإرهاب. منذ عهد مبارك، وثمة شكوى من عجز النخبة المصرية على "الخيال الإبداع".. ويستسهلون الحلول الكسولة والمتثائبة، ولا يعملون عقولهم في التفكير والاجتهاد الإبداعي.. حتى بلغ بالمصريين حد الحديث عن النموذج التركي والنموذج الماليزي والنموذج الإندونيسي والتونسي.. وحتى عن النموذج الليبي حين اعتبر مصريون التخلص من القذافي برصاصة في رأسه "إبداعًا" أنهى جدل "الدولة العميقة" مبكرًا في ليبيا.. فيما لا يتحدث أحد عن "النموذج المصري" مطلقًا!! هذا التجريف الذي أصاب "الطبقة الخصبة" في مصر، نجد تجلياته في كل أزمة وطنية كبيرة، إذ لا نسمع ولا نرى إلا الأصوات الداعية للعودة إلى مرحلة ما قبل الدولة: "العجرفة" شعارها الوحيد، ولا نرى إلا "القمع" و"الدهس" بالبيادة حلاً لأي عقدة حتى لو كان سهل حلها.. ولعلنا نتذكر منذ أسابيع قليلة، مضت عندما اقترح "مفكرو الحداثة" في مصر إغلاق الجامعات لعامين متتالين، لمكافحة مظاهرات الطلاب!! تخيلوا: إلغاء التعليم الجامعي لسنوات لمنع المظاهرات الطلابية!! أي عبقرية تلك التي تمثل الحاضنة الفكرية للنظام الذي ورث عرش الإخوان بعد 3 يوليو؟!.. ومن بينها أيضًا اقتراحات بإلغاء التعليم المجاني من أصله، لمعاقبة الفقراء على عجز سلطة فاشلة في احتواء فلذات أكبادها من التلامذة! ولاحظ هنا التطابق في العقل العدواني الذي أنتج "إغلاق الجامعات" و"إلغاء التعليم".. مع فكرة "تهجير أهل سيناء".. إنه عقل واحد "عبثي".. يميل إلى فكرة "العقاب الجماعي" للشوشرة على فشله وخيبته القوية. البعض يتساءل مستنكرًا: هي إيه المشكلة في "التهجير"؟.. ويستدعي تجربة حرب الاستنزاف عندما هجر سكان مدن القناة الثلاثة: السويس، بورسعيد والإسماعيلية.. وهو استدعاء ليس في محله.. لأنه كان إجراء لحماية المدن المصرية الثلاثة من قصف العدو الإسرائيلي لها على مدار الساعة.. والوضع بالنسبة لسيناء مختلف، لأن الاقتراح بتهجير سكانها، يأتي تمهيدًا لتسوية مدنها بالأرض بسلاح "الأهل والأشقاء" من الجيش والشرطة المصرية.. والفرق هنا كبير: فرق بين أن يدك أعداؤك الإسرائيليون مدنك بالصواريخ وبالطائرات.. وبين أن تدك أنت يا مصري مدنك وقراك وبلدك بسلاحك المصري. ويبقى أن أذكر هنا أن السيناويين سيستدعون تجربتهم مع الاحتلال الإسرائيلي.. الذي لم يفعلها معهم.. رغم علمه أنها مدن وقرى كانت تمثل آنذاك حاضنة اجتماعية وشعبية للمقاومة وأجهزة المخابرات والاستطلاع المصرية.. بل شارك أهل نفس المنطقة في عمليات مسلحة جسورة ضد الاحتلال.. ومع ذلك لم يُقدم الإسرائيليون على فكرة التهجير.. فيما يتحمس لها أشقاؤهم المصريون الآن في الدلتا!! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.