منذ قيام ثورة 25 يناير وحتى الآن ومع ما دار ويدور من أحداث والجميع في حالة ارتباك وعدم معرفة إلى ما ستؤول إليه الأمور، حتى أنك تجد انه كلما تقابل شخصين - سواء كانا صديقين أم لا – يسأل كل منهما الآخر أسئلة كثيرة غالبا ماتبدأ بأحد جملتين إما "هل تتوقع أن يحدث كذا وكذا..." أو "تفتكر ممكن يحصل كذا وكذا..." وأنا أيضا وأصدقائي ومعارفي نبدأ تساؤلاتنا تقريبا بنفس الجملتين مع قليل من التصريف. وعندما تأتي إجابة السؤال الذي يبدأ بأي من الجملتين تجد إن إجابات الكثيرين (ممن سمعوا من المسئوولين أقوالا كثيرة ولم يجدوا إلا أفعالا قليلة) تذهب في كثير من الأحيان إلى الرد ب "ربما" أو "مش عارف" أو "الله أعلم" وهي إجابات تنم عن وقوعهم في حيرة شديدة لا تمكنهم من الرد بثقة ووضوح بل ويظهر فيها اهتزاز ثقتهم في أداء الحكومة الإنتقالية. بالطبع أنا لاأقصد بهذه الأسئلة أن يستقرأ الإنسان الغيب أعوذ لله من ذلك وإنما قصدت توقع ما يمكن أن يحدث وفقا للوعود والتعهدات الإصلاحية التي تعهد بها المسؤولون عن المرحلة الإنتقالية والتي إن طبقت على أرض الواقع فهي تعتبر من أسباب استكمال ونجاح أي عمل والأخذ ب "الأسباب" أمر مشروع في الإسلام، وبالتالي فليس المراد معرفة الغيبيات التي هي من علم الله سبحانه جل في علاه. ستجد عزيزي القارئ أن الأسئلة التي أقصدها تدور في فلك: • هل تتوقع أن تستكمل ثورة 25 يناير مستهدفاتها مع ما نراه كل يوم من عراقيل توضع في طريقها • تفتكر ممكن يحصل أن جهاز الشرطة يغير من ثقافته تجاه حقوق الإنسان • هل تتوقع أن يحافظ المجلس العسكري على تعهده بحماية الثورة وضمان نجاحها • تفتكر ممكن يحصل أن رموز النظام السابق يعودوا مرة أخرى إلى المشهد السياسي • هل تتوقع إقامة الإنتخابات في موعدها • تفتكر ممكن يحصل أن يستسلم شباب ورجال الثورة الأصليين إلى محاولات بث الوقيعة والإختلاف والفرقة بينهم • هل تتوقع أن يتوقف رجال الأعمال المستفيدين من النظام السابق عن محاولاتهم المستميتة لإفشال الثورة • تفتكر ممكن يحصل أن أحوال البلد تستقر بعد الإنتخابات القادمة • هل تتوقع تحسن الإقتصاد المصري مع السياسة المتبعة حاليا • تفتكر ممكن ينجح مشروع زويل للنهضة العلمية • هل تتوقع عدم تدخل الغرب وإسرائيل في شئووننا الداخلية لعرقلة الثورة • تفتكر ممكن يحصل أن المواطن المصري يسير بأمان في بلده في أي وقت يشاء • هل تتوقع.... • تفتكر ممكن يحصل.... وهكذا عزيزي القارئ لا تنتهي الأسئلة من هذا النوع والتي بالفعل تحير عقول بعض وليس كل الناس وبالفعل عندما سألت العديد من أصدقائي كانت إجابات معظمهم تدور حول "ربما" أو "مش عارف" أو "الله أعلم" وقد تكون هذه الإجابات أيضا هي إجابة كل مواطن عادي بسيط يعيش على أرض هذا الوطن ولا يعرف الكثير عن دهاليز السياسة وألاعيبها، ويحلم فقط بتغير الأحوال إلى الأفضل. "ربما" تعني من المحتمل حدوث الشئ أو عدم حدوثه وفقا للدلائل المؤدية لذلك، وبالتالي فهي تدل على أنه إذا إلتزم الطرف المتعهد "المسؤول" بتطبيق ما أخذه على نفسه من تعهدات فتكون إحتمالية حدوث الشئ أكبر من احتمالية عدم حدوثه، فمثلا "ربما ينجح مشروع زويل إذا توفرت له الإمكانات المادية والكفاءات البشرية المخلصة، وربما لا ينجح إذا لم تتوفر هذه الإمكانات" قس على ذلك الكثير من الأمور الأخرى. و"مش عارف" تعني إما أن الشخص لايعيش عالم الأحداث و لا يدري بالفعل وإما أن لديه شعور غير مؤكد وشواهد تحتاج إلى دليل بأن الطرف "المسؤول" مراوغ ولا يبدي نية حقيقية للإلتزام بتعهداته فيجيبك الشخص الذي سئل بكلمة "مش عارف"، وهنا تكمن المشكلة في إحساس المواطن بالضبابية والحيرة والإحباط مما يتطلب علاجا عاجلا قبل أن يؤدي ذلك إلى ثورة جديدة لايعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى. وأما "الله أعلم" فهي إجابة صادقة تعني أن العلم كله لله وعند الله فهو سبحانه أعلم بالسر وأخفى وبما يدبره أعداء الثورة وأعداء الإصلاح وبما أعده " أعني الله" لهم أيضا سبحانه من عقاب في الدنيا والآخرة، وهو أعلم بكل شئ. بالطبع وكما قلت آنفا ليس كل الناس تكون إجابته مثل ما ذكرت سابقا، ولكن هذا الفصيل من الشعب الذي يجبيك بمثل هذه الإجابات ليس بالقليل بل ويزداد مع مايراه هذه الأيام من بطء في إجراءات كل شئ تؤدي إلى تحقيق مطالب الثورة وتحقيق الأمن والإستقرار. ياترى مالذي أوصلنا لهذا المستوى من الحيرة في إعطاء رد أو إجابة واضحة شافية كافية، هل لأننا لسنا من أهل السياسة أو من أهل التخصص، كلا بل لأن الأمر السائر الآن وصل إلى الدرجة التي أوصلتنا لثورة 25 يناير ألا وهي عدم الشفافية في إعلام الرأي العام بما يدور من شئون تهمه بالدرجة الأولى فعجز المواطن عن توقع الإجابة السليمة أو حتى خيارات من عدة إجابات نظرا للضبابية الشديدة التي أصبح يعيش فيها بعد 25 يناير. أقول إن استمرار غياب الشفافية في الإلتزام بتعهدات الإصلاح، والبطء في هيكلة أجهزة الأمن بشكل جدي وفعال، والبطء في محاكمات رموز النظام السابق وسرية إجراءتها، وعدم تحقيق الأمن الإجتماعي والإقتصادي بشكل ملموس، وعدم تطهير أجهزة الدولة من الفاسدين الذين كانوا من أسباب قيام ثورة 25 يناير، وكثرة الأقوال وقلة الأفعال...كل هذه الأمور تعتبر أسباب كافية لقيام ثورة جديدة لا يعلم نتائجها إلى الله. وأقول للثوار الأصليين من جميع الحركات والقوى السياسية المختلفة اتحدوا...ففي الإتحاد قوة وماتم في الفترات الماضي من أمور خير شاهد على ذلك...اتركوا الفرقة والنزاع والشقاق والتحزب والتخوين والإقصاء وكل المعاني التي من شأنها تفتيت وحدة الصف وواصلوا كفاحكم وغيروا من خططكم ووسائلكم لإنقاذ مطالب الثورة الحقيقية المشروعة والله معنا ومعكم. الأستاذ المساعد بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية إيميل: [email protected]