البيان الذي صدر أمس موقعا من مائة مثقف ومفكر وقيادة سياسية ونقابية مصرية تدعو إلى ضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين جدير بأن يحرك المياه الراكدة في أسوأ ملفات إهدار حقوق الإنسان في تاريخ مصر الحديثة ، لم يحدث أن تم سجن آلاف المواطنين المصريين بدون محاكمة أو عقوبة قانونية لمدد تقترب من حكم المؤبد ، لم يحدث ذلك من أيام محمد علي باشا أو أيام الاحتلال البريطاني ، وحتى أيام معتقلات الإخوان المسلمين في مرحلة الخمسينات أو الستينات ، هذه السوأة الإنسانية انفرد بها الحكم الحالي ، ولذلك ينبغي أن يكون هناك ناصحون حول الرئيس مبارك ، يوضحون له أبعاد هذا المشهد الخطير الذي يمثل فضيحة متجددة لمصر في عهده على كل المستويات الدولية والإقليمية والوطنية ، لم يحدث أن كان هذا الإجماع الوطني من كافة التيارات السياسية والفكرية المصرية ، بكل رموزها على قضية وطنية محددة ، وهذا يعني أن إحساسا بالألم والمهانة أصبح يؤذي مشاعر المصريين جميعا من هذا الملف الكارثي ، والذي يبدو أنه بلا أفق للحل ، وخاصة أن القيادة السياسية فوضت الأجهزة الأمنية في التعامل معه ، ومثل هذا الملف ، بهذا الحجم ، لا يصلح له التفويض للجهاز الأمني ، وإنما لا بد من قرار سياسي وإرادة سياسية تستشعر المسؤولية ، وتمتلك الشجاعة على اتخاذ القرار التصحيحي الذي طال غيابه ، البيان أشار إلى قضية الاعتقال المتكرر ، وهي بدعة لم تحدث إلا مع المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي في فلسطينالمحتلة ، ونقلتها أجهزة مصرية للتطبيق على المواطنين ، وهي تمثل فضيحة أخلاقية وإنسانية في حد ذاتها ، كما تمثل استهزاءا بالقانون وبالقضاء ، لأن عشرات الآلاف من المعتقلين حصلوا بالفعل على أحكام قضائية نهائية واجبة النفاذ بالإفراج عنهم ، لانعدام أي تهمة أو جريمة أو حتى شبهة ، ومع ذلك تقوم الأجهزة الأمنية بتفريغ هذه الأحكام من مضمونها ، عن طريق نقل المعتقل من سجنه إلى محبس أمني آخر لإثبات أنه خرج بالفعل من معتقله في سجلات السجون ، ثم يعود بعد أيام إلى نفس السجن بقرار اعتقال جديد ، وهي الفضيحة التي كشفت عنها العديد من مراكز حقوق الإنسان المحلية والدولية ، والتي أدت إلى وضعية بالغة الغرابة ، أن يحصل مواطن على أكثر من ثلاثين حكم بالإفراج الوجوبي ، ومع ذلك يظل داخل السجن ، وكأنه لا يوجد في البلد قانون ولا قضاء ولا معنى للعدالة فيه ، وعلى الرغم من أن موجة العنف التي كانت تتحجج بها السلطات الأمنية قد انحسرت من أكثر من عشر سنوات والقليل الذي وقع كان في سيناء وعلى أيادي أبعد ما تكون عن الحالة الإسلامية المصرية ولا صلة بالمرة بين المعتقلين وبينها ، إلا أن الوضع بقي كما هو ، باستثناء الإفراج عن عشرات من المعتقلين كل عدة أشهر لمجرد ذر الرماد في العيون ، ومجمل الذين أفرج عنهم لا يمثلون خمسة في المائة من إجمالي عدد المعتقلين ، إني أناشد كل قلم شريف في هذا البلد أن يكتب دفاعا عن إنسانية الإنسان فيه ، وعن محنة عشرات الآلاف الأبرياء المغيبين في السجون بدون جريمة أو قضية أو تهمة ومئات الآلاف الأخرى من ذويهم وأمهاتهم وزوجاتهم وآبائهم وأبنائهم ، وأناشد كل من لم يدرك التوقيع على البيان أن يوقع عليه من خلال الكتابة في المنابر المختلفة أو الصحف أو الرسائل التي ترسل إلى القيادة السياسية ، لا بد من طرق هذا الملف بكل قوة الضمير الوطني ، فقد آن لهذه الحقبة المظلمة أن تطوى صفحاتها إلى الأبد . [email protected]