لم يكن الإفراج عن أيمن نور مفاجأة إلا للذين ظلوا يؤكدون طوال السنوات الثلاث الماضية، فى وسائل الإعلام، وفى كل المحافل الدولية، وأمام الوفود البرلمانية، وجماعات حقوق الإنسان، أن عقوبة السجن التى يمضيها أيمن نور ليست عقوبة سياسية بسبب ترشحه فى انتخابات الرياسة وفوزه بالمرتبة الثانية فى عدد الأصوات بعد الرئيس مبارك، ولكنها بسبب التزوير فى توكيلات الحزب.. وهى جناية لا يعفى منها على حد قولهم أحد فى مصر، صاحبة السجل الحافل فى نزاهة الانتخابات! وقد بدا من الأنباء التى تسربت وانفردت بها جريدة «الشروق» قبل يومين، أنه كان للزيارة التى قام بها وزير الخارجية أحمد أبوالغيط لواشنطن مؤخرا، علاقة بسلسلة من الخطوات والتفاهمات التى تم الاتفاق عليها، تمهيدا للزيارة التى يجرى التخطيط لها لإجراء المحادثات المرتقبة بين الرئيس مبارك وأوباما. وكان من بين هذه التفاهمات الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين السياسيين، وخروج أيمن نور من السجن، ووضع حد للملاحقات التى يتعرض لها الناشط السياسى سعد الدين إبراهيم. ولا تبتعد هذه التطورات كثيرا عما يتردد فى كواليس مجلس الشعب الآن، من استعدادات تجرى لنفض الغبار عن ملف قانون مكافحة الإرهاب وإلغاء حالة الطوارئ، وهو مشروع القانون الذى دخل نفق السرية ولم يخرج منه حتى الآن، بالرغم من أنه كان من أوائل مشروعات القوانين التى ارتبطت بتعديل بعض مواد الدستور، إلى جانب عدد آخر من مشروعات القوانين الخاصة بممارسة الحقوق السياسية. ونحن لا نريد أن ندخل القارئ فى متاهات الجدل الذى أعقب الإفراج عن أيمن نور، وهل هو إفراج صحى أم إفراج سياسى؟. فكل الدلائل تشير إلى أن القرار أكبر من مضمونه الذى يبدو للوهلة الأولى وكأنه متعلق بشخص نور. وإذا كان لنا أن نستقرئ الدلالات السياسية التى صاحبت هذا القرار، والتحرك المفاجئ لإعادة إحياء الحديث عن قانون لمكافحة الارهاب، فالأمر المؤكد أن مصر حريصة على بدء صفحة جديدة فى العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإزالة ما اعترض طريقها من سوء فهم أو سوء تقدير من الجانبين. تبدو مصر فى حاجة الآن أكثر من أى وقت مضى لكسب مساندة واشنطن، وتصفية الأجواء التى وضعتها دائما على طرفى نقيض مع المدافعين عن الحرية والديمقراطية فى الكونجس الأمريكى، خصوصا بعد أن دخلت العلاقات مع إسرائيل فى منعطف حاد. ولكن يظل السؤال الأكثر أهمية، هو: إلى أى مدى سوف ينعكس ذلك على الأوضاع السياسية الداخلية، وهل يكون بداية لحراك سياسى يبدد حالة الجمود الراهنة، ويمهد الطريق إلى الانتخابات العامة المقبلة التى لا يفصل بيننا وبينها غير شهور قليلة؟ أكبر الظن أن خروج أيمن نور من السجن، والحكم القضائى الذى صدر أخيرا لصالحه بشأن حزب «الغد»، سوف يطلق نشاطا سياسيا وحزبيا واسع النطاق.. يمكن أن يحرك المياه الراكدة التى بلغت درجة التعفن والموات!.