«تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    عاجل: سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الثلاثاء 7-5-2024    بدء تلقي طلبات التصالح بالمراكز التكنولوجية في القليوبية    رئيس البورصة: إطلاق مؤشر الشريعة الإسلامية قريبا وإدراج 40 شركة    رئيس «خطة النواب»: 70% من الديون المستحقة للحكومة لدى الغير متأخرات ضريبية (تفاصيل)    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيه للمشتري اعتبارًا من أغسطس المقبل    مصدر رفيع المستوى: الوفد الأمني المصري حذّر نظراءه في إسرائيل من عواقب اقتحام معبر رفح    مبابي وديمبلي على رأس قائمة سان جيرمان لمواجهة دورتموند    محمد الشامي: حسام حسن أخبرني أنني أذكره بنفسه    كاراجر: مانشستر يونايتد الأسوأ في البريميرليج.. وأنصح كاسيميرو بالدوري السعودي    تأجيل محاكمة 3 موظفين متهمين بسرقة تمثال من مخزن المتحف المصري ل 6 يوليو    عاجل:- التعليم تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    الداخلية: سحب 1201 رخصة لعدم وجود ملصق إلكتروني خلال 24 ساعة    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    إصابة شابين إثر حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية في الشرقية    15 صورة ترصد أسوأ إطلالات المشاهير على السجادة الحمراء في حفل Met Gala 2024    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    مهرجان المسرح المصري يعلن عن أعضاء لجنته العليا في الدورة ال 17    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدًا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    اعتقال 125 طالبا.. الشرطة الهولندية تفض مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة أمستردام    رئيس خطة النواب: الحرب الروسية الأوكرانية والتغيرات الجيوسياسية تؤثر على الاقتصاد المصري    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    حفلات وشخصيات كرتونية.. سائحون يحتفلون بأعياد الربيع بمنتجعات جنوب سيناء    منخفض خماسيني.. الأرصاد تحذر من موجة حارة تضرب البلاد (فيديو)    خارجية الاحتلال: اجتياح رفح يعزز أهداف الحرب الرئيسية    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    إعلام أمريكي: إدارة بايدن أجلت مبيعات الآلاف من الأسلحة الدقيقة إلى إسرائيل    إيرادات «السرب» تتجاوز 16 مليون جنيه خلال 6 أيام في دور العرض    تحذيرات مهمة ل 5 أبراج اليوم 7 مايو 2024.. «الجوزاء أكثر عرضة للحسد»    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    «الصحة» تحذر من أضرار تناول الفسيخ والرنجة.. ورسالة مهمة حال الشعور بأي أعراض    في اليوم العالمي للربو.. تعرف على أسبابه وكيفية علاجه وطرق الوقاية منه    رئيس البورصة: النظام الإلكتروني لشهادات الإيداع الدولية متكامل وآمن لتسجيل العمليات    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024    إصابة 17 شخصا إثر انقلاب سيارة ميكروباص بزراعي المنيا    «معلومات الوزراء»: توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب بنسبة 1.7% عام 2024    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    عاجل.. طلب مفاجئ من اتحاد العاصمة يهدد إقامة نهائي الكونفدرالية بين الزمالك وبركان    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    ياسمين عبدالعزيز عن محنتها الصحية: «كنت نفسي أبقى حامل»    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    ميدو: تقدمت باستقالتي من الإسماعيلي بسبب حسني عبد ربه    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصنيع مصر فريضة غائبة عن ثورة‏25‏ يناير-طه عبد العليم
نشر في المصريون يوم 26 - 06 - 2011

لا بديل عن تصنيع مصر‏;‏ إن أراد المصريون نيل ما يستحقون من حرية وكرامة وعدالة‏.‏ وإذا استعرت شعار كلينتون للتعبير عن أهم مهام ثورة‏25‏ يناير لا أملك إلا أن أقول‏:'‏ إنه التصنيع أيها الغبي‏'!‏ وقد تبدو دعوتي إلي التصنيع خروجا علي سياق السجال الدائر حول أسبقية الدستور أم الانتخابات‏.
وقد قلت رأيي بضرورة وإمكانية تحقيق وفاق وطني في هذه القضية; من أجل تركيز الجهد علي استشراف سبل تحقيق غيرها من الغايات الإستراتيجية للأمة. وأقول باستقامة أن عدم إدراك حتمية تصنيع مصر- وهو بالمناسبة مهمة توحد ولا تفرق- يهدد وعد الثورة ببناء مصر الجديدة التي نتطلع إليها جميعا; ببساطة لأن وعي الحاضر يحدد صورة المستقبل!
واستمرار التصنيع فريضة غائبة عن رؤي وبرامج القوي السياسية المصرية بعد الثورة, ليس سوي تكريس للأوضاع التي أدت الي الثورة! وباختصار, فإن تراجع مكانة ودور مصر ليس سوي محصلة لضعف قواها الشاملة; لأن مكانة الأمة ودورها يتوقف علي قوتها النسبية الشاملة, خاصة قدراتها الصناعية التكنولوجية. ولنتذكر أن التخلي عن مهمة التصنيع كان أساس تهميش الذات, وقاد إلي استبعاد مصر من مجموعة العشرين, التي تضم بلدانا سبقتها مصر الرائدة طوال تاريخها القديم والوسيط والحديث. ومن المشين حقا, أن يد مصر صارت السفلي بعد أن كانت العليا, تتلقي العون بدلا من أن تقدمه, منذ جري التخلي عن التصنيع, واعتمد نموها علي موارد ريعية خارجية متقلبة وتضاعف ثروة القلة المضاربة بالعقارات!
وإهدار الكرامة الإنسانية للمصريين ليس بدوره سوي حصاد للفقر, المطلق والنسبي. أقصد فقر الدخل الذي يؤدي إلي الحرمان من القدرة علي إشباع الحاجات الإنسانية الأساسية من مأكل وملبس ومسكن, وفقر القدرة المتولد عن الحرمان من فرص التعليم الجيد والرعاية الصحية اللائقة. وأقصد الفقر النسبي, المتولد عن الإحساس بالفقر رغم زيادة الدخل, وذلك جراء العجز عن تحقيق التطلعات الي نوعية حياة أفضل, يراها المصريون أمام ناظريهم مع اتساع الفجوة وغياب العدالة في توزيع الثروة داخل الوطن, وحين تدفعهم الحاجة وغياب فرص الترقي الاجتماعي إلي الاغتراب بالهجرة المؤقتة أو الدائمة الي البلدان الغنية. وبدون التصنيع, فلا سبيل الي تنمية وطنية مستدامة; تضاعف الثروة الوطنية والدخل الفردي بدون حدود, ولا تجعل عدالة توزيع الدخل مجرد اشتراكية تتقاسم الفقر!
وقد كتبت في مقال حتمية تصنيع مصر, المنشور بجريدة الأهرام في29 يونيو2008, أقول: أن مصر لن تصبح دولة متقدمة بمجرد تحقيق معدل مرتفع للنمو الاقتصادي; حتي وإن استدام هذا النمو ربع قرن من الزمان! وإنما يتحقق تقدم مصر فقط بتحولها إلي دولة صناعية. باختصار, لأن التقدم منذ فجر الثورة الصناعية وحتي عصر العولمة الاقتصادية لم يتحقق في أي مكان بغير التصنيع; رافعة النمو المتواصل للإنتاجية والتصدير والتشغيل! ولهذا فإن الدول الصناعية هي التي تصنف- دون غيرها- باعتبارها الدول المتقدمة, بل وتعد الدول الصناعية- الجديدة والصاعدة- أكثر تقدما بالمقارنة مع الدول الغنية المصدرة للبترول, مهما تفوق معدل نمو وتضاعف الناتج القومي وارتفع دخل الفرد في الأخيرة!
لكن منظري' السوق الحرة' من حواري التوريث لم يدخروا وسعا في ترويج وتحسين النظريات المعادية والمناوئة للتصنيع أو المشككة في جدواه وفي نتائجه العملية. ولنتذكر أن برنامج الحزب الوطني الديموقراطي, قد تجنب التعامل مع مفهوم التصنيع. ولمن يروج لأن مصر تملك عوامل النجاح في السياحة مثلا دون الصناعة, قلت: إن عوامل النجاح واحدة, سواء تعلق الأمر بالتصنيع أو بأي مجال من مجالات التنمية الاقتصادية. ويتوقف حسم خيار التصنيع- بداية- علي أن التحرر من أسر النظريات التي شككت في إمكانية تصنيع مصر, وروجت لأن مصر عاجزة عن خوض' ماراثون' التصنيع!
ويري كل ذي عينين أن الدول الصناعية المتقدمة هي التي تتمتع بالقوة الاقتصادية والشاملة, التي مكنتها من إدارة شئون العالم في اتجاهات تتوافق مع مصالحها وقيمها. والدول الصناعية الجديدة والصاعدة هي التي تمكنت دون غيرها من أن تفرض نفسها شريكا مؤثرا في إدارة العولمة! وبفضل التصنيع بمفهومه الواسع; أي بفضل تطوير وتعميق وارتقاء الصناعة التحويلية, ونشر ثمار التحديث الصناعي التكنولوجي في بقية قطاعات الاقتصاد, لا تعد الدول الصناعية هي المصدر الأهم فقط للسلع المصنعة, وبالذات منتجاتها ومكوناتها ذات المحتوي المعرفي الأرقي والقيمة المضافة الأعلي, بل صارت المصدر الرئيسي أيضا للمعرفة والتكنولوجيا والخدمات والغذاء!
ولا جدال في أن قدرات مصر الكامنة تسمح لها بانجاز التصنيع وبلوغ ما تستحقه: أن تصبح دولة صناعية متقدمة! ولكن بدون إستراتيجية للتصنيع; أي تبني سياسات اقتصادية وصناعية تضمن أسبقية تنمية وتعميق وتنويع الصناعة التحويلية, لن تعزز مصر أمنها القومي بتملك القدرة الصناعية والتكنولوجية, ومن ثم القوة الاقتصادية والشاملة, اللازمة لحماية مصالحها وقيمها وتعزيز مكانتها ودورها. ولن يتمتع المصريون بأمنهم الإنساني, فيتحرروا من الحاجة والفاقة والخوف من المستقبل, إلا بفضل ما تتيحه عملية التصنيع من وظائف غير محدودة ومرتفعة الإنتاجية, تؤمن لهم عملا لائقا, ودخلا مرتفعا, وحياة كريمة مديدة بصحة جيدة. ولن يتحقق تقدم مصر بجسارة وثبات علي طريق التصنيع بغير أن تثق- قيادة ونخبة وأمة- في قدرتها علي أن تصبح دولة صناعية, وأن تدرك أن إنجازات محاولاتها للتصنيع علي مدي القرنين الماضيين, رغم ما تعرضت له من إخفاقات, تؤكد ولا تنفي هذه القدرة.
وتتأكد حتمية إعادة الاعتبار للمشروع الوطني بتصنيع مصر إذا سلمنا بحقائق قيود المياه والأرض علي فرص التنمية الزراعية الأفقية, واستحالة رفع إنتاجية الزراعة المصرية بغير إنتاج ونشر مدخلات التقدم الصناعي التكنولوجي. وإذا أدركنا حدود ومخاطر الاعتماد علي مصادر الدخل الريعية المتقلبة مثل العوائد البترولية أو إيراد قناة السويس أو الدخل السياحي أو تحويلات المهاجرين...إلخ. وأخيرا إذا إنطلقنا من بديهية أن تعظيم القيمة المضافة من الثروة البترولية مرهون بتطوير الصناعات البتروكيماوية في حلقاتها الأرقي, وأن مضاعفة القيمة المضافة للسياحة تتوقف علي ما يتيحه التصنيع من إنتاج محلي لمستلزماتها من المدخلات المصنعة...إلخ.!
وإذا أردنا لمصر مكانة مرموقة وللمصريين حياة لائقة, فلابد أن تكون قضايا حفز وتوفير عناصر تصنيع مصر محورا رئيسيا للحوار الوطني, خاصة أن هذه القضية المشتركة تمثل أحد أهم مجالات الإجماع القومي. لكن تصنيع مصر لا يعني مجرد التنمية الصناعية والنمو الصناعي, وإنما يعني تحول الاقتصاد المصري تحولا نوعيا من حال إلي حال, تصبح فيه مصر عضوا في النادي المرموق للبلدان الصناعية المتقدمة. وبهذا المعني, لا يزال تصنيع مصر مهمة غائبة عن جدول أعمال الأمة بعد ثورة25 يناير; رغم أنه ينبغي أن يكون المشروع القومي للثورة بلا منازع.
نقلا عن الاهرام:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.