مشهد "الداعشي" وهو يذبح البريطاني بالسكين، وقبله وهو يذبح صحفيين أمريكيين بنفس الطريقة البشعة، مقزز ومنحط، ولا علاقة له ببني البشر الأسوياء. مشهد لا يقول أبدًا إن هؤلاء مسلمون، فالمسلم الحق في القرن الحادي والعشرين، بل ومنذ بعثة رسول الإسلام والرحمة والتسامح لا يفعل ذلك أبدًا بأسير ضعيف لاحول له ولا قوة. هل هؤلاء - كما يتردّد - عملاء مأجورون تربوا وتعلموا وتدربوا على أيدي "الموساد" الإسرائيلي و"سي أي إيه" الأمريكي لمزيد من تشويه وتدمير الإسلام وتفتيت بلاد المسلمين وفرض الوصاية على خيراتها مثل "القاعدة" التي جعلت العالم بعد 11 سبتمبر 2001 مستنفرًا ومستفزًا من كل ما هو مسلم، وبثت الرعب عندما اتبعت تحت قيادة الزرقاوي في العراق مسلك جزّ الرؤوس البشع، هل قطع الرؤوس هو الصورة الحضارية التي يقدمونها عن إسلامهم الذي يُحيي الأرواح ولا يقتلها، لولا أنني لا أبتلع نظرية المؤامرة بسهولة لصدقت أن كل "الدواعش" في العالم الإسلامي المنكوب بفيروس جماعات عنف وإرهاب والذين يتحالف الجميع ضدّهم اليوم هم صنيعة استعمارية غربية، لكني موقن أن هناك بين المسلمين متطرفين عن كامل اقتناع بأفكارهم، وهناك من يؤمنون بالعنف ويتفاخرون به، وهناك من يعشقون لون الدم وهم يمارسون القتل، وهناك من يخاصمون الحداثة والمدنية ويعتبرون الديمقراطية كفرًا، وهناك من يريدون مواجهة الغرب "الكافر" في نظرهم بالسلاح وليس بالعلم والفكر والابتكار والاختراع والحرية وحقوق الإنسان، بل الأعجب أن تجد شبابًا بائسين مقموعين في بلدانهم يلجأون للغرب فيأكلون ويشربون ويستدفئون ويُعالجون ويترعون في خيراته ثم يتحوّلون ضده ويصيرون أعداء له ومنهم من يترك بيئة التحرّر العقلي والإبداع ويذهب لبيئة الدم والكراهية ليشارك في صراعات عبثية بدل أن يتطوّر هناك ليصير شخصًا مرموقًا وعلامة ناصعة لإسلامه المتسامح ورسول محبة وسلام لأمته، وهنا من الطبيعي أن يزداد التطرّف والعنصرية في الغرب بل وفي كثير من بلدان العالم وحتى البوذية والوثنية منها ضدّ المسلمين والجاليات المسلمة وتزداد الكراهية للدين الذي ينتمي إليه هؤلاء المعتوهون المهووسون وتظهر الملصقات والرسوم والأفلام المسيئة، ويظهر من يحرق القرآن ومن يطالب بسحق المسلمين. "القاعدة" خفت بريقها بعض الشيء فارتفع بريق "داعش" بدلاً منها وكأن دوائر العنف والإرهاب تسلم بعضها بعضًا أو تتبادل أدوار الشر والأذى، وكأن هذا الدين مُبتلى بخوارج كل عصر وهمج كل مرحلة والغريب أن يجدوا من ينضمّ إليهم ويقاتل إلى جانبهم ويسعى للموت باعتباره شهادة وأن نجد من يدافع عنهم ويتحمّس لهم وعلى استعداد للفتك بمن يتحدّث عنهم بكلمة حق واحدة، والمُدهش أن أجد من ينشر مواد فقهية وشرعية تتضمن جواز جزّ رؤوس "الكفار"، أولئك الكفار الذين نعيش على أكتاف حضارتهم ولولاهم لكنا سقطنا في مزيد من التخلف على تخلفنا. أي كفار هؤلاء ونحن أضعف أمم الأرض وأقلها حيلة ونحن غثاء كغثاء السيل، عندما نقوى ونتأنسن ونقف على أقدامنا ونستقلّ بإرادتنا وبرغيف خبزنا ساعتها يمكن أن نفكر في مناطحتهم لكن بالعلم وليس بالحرب. مفتي مصر كان محقًا وهو يُطالب الإعلام العالمي بعدم استخدام اسم "الدولة الإسلامية" عند الكتابة عن هذا التنظيم الدموي الذي لو أنفقت إسرائيل والجماعات اليمينية والصهيونية المتطرفة وكل الكارهين للمسلمين المليارات لتشويه الإسلام في تلك الفترة القصيرة لما أنجزت المهمّة بجدارة كما أنجزها عناصر الخليفة البغدادي في سورياوالعراق. نعلم أن إسرائيل هي رأس "الدواعش"، وأن نظام الأسد فاق "الدواعش" في قتل الشعب السوري وأن إيران مستفيدة من "داعش" في وصم أهل السنة بالعنف وأن كثيرين آخرين مستفيدون من وجود ذلك التنظيم بمن فيهم أمريكا لكن مع ذلك يجب على عموم المسلمين ألا يسمحوا لأي تنظيم أو جماعة أن تلصق بثيابهم أي شبهة تطرّف أو إرهاب لأن شعوب العالم من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه لن تمسك "كتالوج" لتقول إن هذا مسلم متطرّف، وهذا مسلم معتدل، وذاك مسلم وسطي، بل سيقولون إن هذا مسلم إرهابي وفقط. ليس من مصلحة أي مسلم عاقل راشد يريد أن يكون جزءًا من العالم الذي يعيش فيه أن يدافع ولو من بعيد عن أي نهج متطرّف لكونه يرفع شعارات إسلامية خادعة أو يتحدّث عن مظالم يتعرّض لها المسلمون، فلم يفد بن لادن فلسطين ولم يحرّرها عندما ضرب البرجين بل ساهم في احتلال وتدمير بلد عربي وآخر إسلامي وتسبّب في مقتل ألوف مؤلفة من العرب والمسلمين في المحارق، والبغدادي يسير على طريقه اليوم وبشكل أخطر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.