صرنا ننام ونستيقظ على سيرة "داعش". الميديا في العالم كله لاشغل لها إلا "داعش". بلدان عديدة كبرى في شمال العالم المتقدم وأخرى في جنوبه الفقير قلقة من "داعش". والأمريكان يدعون لبناء تحالف دولي لمواجهة ذلك التنظيم، والأوروبيون خائفون من وصول عناصره لأراضيهم ذلك أن منهم من يحملون جنسيات أوروبية. هناك "فوبيا" جديدة اسمها "داعش"، وهي لم تعد تقتصر على تلك العصابة المتطرفة فقط، إنما كالعادة يمتد شررها إلى الإسلام نفسه حيث يتواصل تعرضه للإهانة والتشويه وربطه بكل ماهو بربري ، كما يستمر تحويل المسلمين على عمومهم إلى دعاة عنف وممارسي إرهاب دون تخصيص الحديث عن جماعات الخوارج التي تعتبر نقطة في بحر الأمة الإسلامية المسالمة المتحضرة. نرفض ما يفعله تنظيم "داعش" في المناطق التي يسيطرعليها في سورياوالعراق وحتى لو كان المس بإنسان واحد أعزل بغض النظر عن دينه وطائفته ومذهبه وعرقه وقوميته. لكن نريد صورة دقيقة لما يجري في تلك المناطق خشية التهويل المبالغ فيه حتى يكون التناول والكتابة عن تلك العصابة في إطاره الصحيح، مع علمنا بالطبع أن أنظمة الحكم وجماعات الدم والقمع تكره الإعلام الحر ولا تسمح له بالعمل حتى لاينقل حقيقة مايجري على الأرض. هناك أنظمة في المنطقة مستفيدة من النفخ في "داعش" وتحويلها إلى الخطر الأعظم على العالم والحضارة الإنسانية لتستثمر ذلك في التغطية على جرائمها ضد شعوبها والتي تزيد في البشاعة عما يتواتر من أنباء عن ممارسات "داعش". وإسرائيل تتشارك مع تلك الأنظمة في الاستفادة من "داعش"، وهي في عدوانها الأخيرعلى غزة الصابرة الصامدة نفذت محارق ضد المدنيين ولم تنزعج الدول الكبرى ولا إعلامها بممارساتها النازية مقارنة بانزعاجها من أفعال "داعش" وهي مدانة بالطبع ، كما لم يتحرك ضمير الإعلام الغربي للمذابح وصور الأطفال والنساء الضحايا مقارنة بتركيزه على "الدواعش" إلا بعد أن خرجت مظاهرات في عواصمه احتجاجا على الإبادة فأخذ يعرض بعض الصور والفيديوهات على خجل رغم أن جرائم إسرائيل تفوق جرائم "داعش" حيث يُفترض أنها دولة عضو بالأمم المتحدة، أي عليها التزامات قانونية وإنسانية دولية، ويُفترض أيضا أن تكون عليها التزامات أخرى تجاه الشعب الذي يقع تحت احتلالها، أما "داعش" فهي عصابة منفلتة لاقانون ولا قيم تحكمها حتى وإن ارتدت عباءة الاسلام وتحدثت بالآية والحديث. الحقيقة أن إسرائيل نشأت كعصابة، وتحولت إلى دولة العصابة. من مخاطر "داعش" أن الغرب بدأ يصمت أكثرعما يفعله الأسد مع شعبه في أوسع مجزرة يشهدها التاريخ حيث هناك أكثر من 200 ألف قتيل و3.5 مليون لاجيء بالخارج و6.5 مليون نازح بالداخل، والقتل والتدمير مستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات ولم يتحرك هذا العالم لإيقاف المجزرة بأي وسيلة مثلما يتحرك سريعا لإنقاذ الأكراد من "الدواعش" الذين كانوا على وشك دخول أربيل عاصمة كردستان العراق ، وهو لم يتحرك لتهجير المسيحيين من العراق طوال سنوات واليوم يحن لهم عندما سيطر "داعش" على الموصل وقام بطردهم ، ولم يتحرك لإنقاذ المسلمين من الذبح في بورما وأفريقيا الوسطى كما يتحرك اليوم لإنقاذ اليزيديين. مكاييل مزدوجة رغم أن الإنسان واحد في كل البلدان والمناطق التي يتعرض فيها للذبح. "داعش" صارت بعد خفوت "القاعدة" عنوانا طازجا لمواصلة جعل الإرهاب قضية يتوحد حولها العالم، وهذا مقبول، لكن بشرط اعتبار ماتفعله إسرائيل ارهاب دولة رسمي، ومايفعله الأسد إرهاب دولة رسمي وجرائم المالكي في العراق وطائفيته إرهاب رسمي وممارسات الميليشيات الشيعية في العراق والتي تذبح على الهوية إرهابا، ومؤخرا ذبحت واحدة من تلك الميليشيات أكثر من 75 مصليا في مسجد خلال صلاة الجمعة، وكذلك اعتبار تراخي الحكومة في أفريقيا الوسطى وبورما عن قتل المسلمين إرهاب دولة. مواجهة "داعش" ضرورية، لكن يجب مواجهة كل "الدواعش" من أنظمة رسمية، وجماعات وتنظيمات وحركات مسلحة ترتكب جرائم أيا كان موقعها الجغرافي، أو جذورها العرقية، أو الدين الذي تعتقد فيه أو القومية التي تنتمي إليها. حفظ روح الإنسان وصيانة كرامته وحريته هو أسمى غاية في الوجود. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.