يذكر الرأي العام المصري الفضيحة التي ارتكبها المستشار عدلي منصور ، وقت أن كان رئيسا مؤقتا للبلاد ، بإصداره قانونا يحمي لصوص المال العام من سيف العدالة ، وهو قاض ، ويحرم الشعب المصري من الدفاع عن ماله العام ويغل يده مهما رأى ممتلكاته وإرث أجياله المقبلة وهو يضيع ويبدد بيد حكومة فاسدة أو فاجرة أو مستهترة ، طالما أن الحكومة ومن اشترى منها أو أخذ هبتها راضين عن العقد ، مال الشعب وماله ؟! ، الفترة التي قضاها عدلي منصور هي فترة انتقالية قصيرة ، وهو رئيس الصدفة أو اللحظة العابرة ، ووجوده كان بروتوكوليا من الناحية العملية ، لأن السلطة وقبضتها في مكان آخر ، وكان من المفترض أن عدلي منصور لا يصدر أي تشريعات إلا ما تقتضيه الضرورة القصوى ، تاركا التشريعات التي تنظم الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد للرئيس المنتخب أو البرلمان المنتخب ، ولكن عدلي منصور كان "يسهل" تشريعات طوال فترته ، وبدا أنه في سباق مع الزمن "لتخليص" عدة تشريعات خطيرة للغاية في غفلة من الناس والشعب ومؤسساته ، وكان من تلك التشريعات القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 والذي منع المواطنين من الطعن أمام القضاء على العقود التي تبرمها الحكومة مع المستثمرين ورجال الأعمال ، وأنها طالما كان الطرفان : الحكومة ورجل الأعمال ، راضيان ومنسجمان ولا يشتكي أحدهما أي ضرر من العقد أو "النهيبة" ، فلا يجوز لأي شخص أو جهة أخرى أن تطعن على العقد إلا إذا كان شخص أصيب بضرر مباشر كاغتصاب أرضه أو بيته مثلا . مجلس الدولة الذي نظر في بعض تلك العقود التي تم الطعن عليها أمامه ، قرر إحالة هذه القضايا إلى المحكمة الدستورية باعتبار أنه يشوبها عوار دستوري واضح ، وكان محور ما قاله تقرير مفوضي محكمة مجلس الدولة حول هذا القانون بسيطا للغاية ، فهذه الممتلكات التي تبيعها الحكومة هي "مال عام" وأبسط تعريف للمال العام أنه "مال الشعب" أو "أملاك الشعب" فكيف يصدر تشريع يمنع الشعب من حماية ماله ، كيف يصدر قانون يحول بين المواطن وبين الدفاع عن أملاكه العامة ، السؤال بسيط للغاية ، ولكنه لم يكن بذلك الوضوح في "ضمير" المستشار عدلي منصور وهو يرضخ لآخرين ويصدره ، والغريب أن تقرير هيئة المفوضين الذي أعده المستشار أسامة الجرواني قال أن هذه المعاني هي من البديهيات التي لا تحتاج حتى النص عليها دستوريا ، لأنها مبادئ ما قبل الدستور نفسه ، غير أن التقرير وثق مخالفة ذلك القانون لخمسة مواد دستورية حيث أوضح مخالفة نصوصه للمواد ( 22 ، 33 ، 34 ، 53 ، 97 ) من الدستور المصري الجديد الصادر في 2013م . وقائع القضية الجديدة تعود إلى تقرير أصدرته هيئة المفوضين بمحكمة الاستثمار بمجلس الدولة، أمس الأحد ، في الدعوى التى حملت رقم 12576 لسنة 67 قضائية ، أوصت فيه بإحالة الدعوى القضائية التى تطالب بصدور حكم قضائى يقضى ببطلان بيع منطقة الشباب بمشروع الصالحية (حوالي أربعة وثلاثين ألف فدان بما عليها من مبان ومنشآت) إلى المحكمة الدستورية للفصل فى مدى دستورية القرارات الإدارية. التقرير حسب نصه أشار إلى أن وسائل حماية الملكية العامة تتحقق في مواجهة تصرفات الدولة بحق الأفراد أصحاب الصفة والمصلحة الأصلية والأصيلة (المواطنة) في التجائهم إلي القضاء – فحق التقاضي في تلك الحالة هو وسيلة لغاية أسمى وأهم مناطها الحفاظ علي الملكية العامة من ناحية – ومن ناحية أخرى تفعيل دور الرقابة الشعبية ضد مظاهر اعتداء الدولة ذاتها علي الملكية العامة إذا ما أساءت التصرف والإدارة على نحو مخالف للقانون أو يهدد حقوق المجتمع – ومن ناحية ثالثة إقامة نوع من التوازن بين سلطات الدولة في إدارة المال العام وبين حق الأفراد في الدفاع عن الملكية العامة وما يقتضيه ذلك الحق من مراقبة تصرفات الإدارة المسئولة والقوامة علي إدارة المال العام ، وأكد التقرير أن هذا الحق إنما هو مشتق من مضمون النصوص الدستورية والتي تؤكد على هذا المعني حال استنباطها الهدف من خلال ما تقره تلك النصوص من مبادئ دستورية استقرت وعلت وتأكدت طبيعتها حتى لو لم ينص عليها الدستور صراحة فهي مبادئ انبثقت من أصل الحق وطبيعته ومدي ارتباط النصوص الدستورية بنصوص أخري أكثر قوة في عباراتها ومن خلالها يمكن تخريج واستنباط المعني من خلال الدلالات القانونية وما يعنيه ترتيب النصوص الدستورية استنادا إلي وحدة الموضوع ونوع الحق المنصوص عليه. وأوضح التقرير أنه ومن أجل استخلاص هدف معين ومقصد بذاته في نص من النصوص الدستورية إذا كانت عباراته حمالة لأوجه متعددة فإنه يمكن البحث عن الهدف في نصوص أخرى قاطعة الدلالة على مراد المشرع الدستوري متى كانت النصوص ذات ارتباط عضوي وموضوعي أو متصلة بذات الهدف – ولبيان ذلك فإن الدستور وإن كان في نصوصه 32 ، 33 ، 34 لم يشر إلي حق الأفراد في حماية المال العام مثلما فعل في دستور 1971م و 2012م إلا أن هذا الحق هو حق يستفاد ضمنيا من طبيعة الملكية العامة وما قصده المشرع في تلك النصوص من إخراج هذا المال من دائرة التعامل وعلة إخراجه منها باعتبار أنه مال مملوك علي الشيوع لكل أفراد الشعب لذلك فهو مفهوم مستقر وثابت ولا يتغير بتغير النصوص الدستورية سواء تم النص عليه أم لم يتم لأنه مشتق من أصل الحق ومضمونه .
التقرير أوضح أيضا مخالفة المادة (97) من الدستور، من حيث أن المادة الأولي من القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014م بتفسيرها الواضح الجلي وفهم مدلول عباراتها الواضحة قد مست أصل الحق المنصوص عليه دستوريا وتناقلته الوثائق والمبادئ الدستورية ردحا طويلا من الزمن بحيث أضحي مبدأ دستوريا معترفا به ولو لم ينص عليه الدستور صراحة والمساس بأصل الحق هنا والذي عصفت به تلك المادة إنما يتفرع منه أمرين، الأول وهو إنكار حق أفراد الشعب في الملكية العامة وما يرتبط به من وسائل الرقابة والحماية للمال العام، والثاني وهو مصادرة حق التقاضي وإن كان في صورة تنظيم له حيث أغلقت طريق الطعن في العقود الإدارية التي تبرمها الدولة عن صاحب الصفة الأساسية في مراقبة الدولة فيما تبرمه من تصرفات تتعلق بإدارة الملكية العامة أو المال العام أو من طرفي العقد ، وجعلت نطاق الطعن مقصورا علي أصحاب الصفة الفرعية ممن لهم حقوق شخصية أو عينية علي المال موضوع التصرف، في مخالفة صريحة لمفهوم الملكية العامة وخروجا بها من نطاق التعامل نصا وروحا وإهدارا لحق أفراد الشعب في مراقبة تصرفات الدولة وتقويم اعوجاجها سواء كانت في صورة مباشرة أو في صورة غير مباشرة . انتهى النقل عن التقرير والذي أوضح باختصار ووضوح أن "عدلي منصور" أهدر حق أفراد الشعب المصري في مراقبة تصرفات الدولة وتقويم اعوجاجها ، أو بالعربي الفصيح أصدر عدلي منصور قانونا يتستر على الفساد ويحمي اعوجاج السلطة .