نشرت الزميلة "الأهرام" في موقعها الالكتروني أمس فضيحة ملف قطعة أرض نادي القضاة في بورسعيد ، وهي مساحة أرض تبلغ أكثر قليلا من خمسمائة متر مربع ، خصصتها محافظة بورسعيد لنادي القضاة بموجب عقد مسجل ، وينص العقد بوضوح كامل على أن الأرض مخصصة لبناء مكتبة وقاعة اجتماعات لنادي القضاة ، وأنه لا يجوز بيع الأرض ولا تأجيرها ولا تقسيمها كبناء لغير الغرض المخصصة له ، وأن محافظة بورسعيد هي الجهة الوحيدة التي تملك الحق في بيع الأرض أو تأجيرها ، لكن الذي حدث أن المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة باع الأرض في مزاد غريب ، رغم أنه لا يمتلك مستندا يسمح له بالبيع ، ولم يكن هذا هو المخالفة الوحيدة ، بل هناك ما هو أخطر ، وهو أن الأرض تم بيعها بثمن ثمانية عشر ألف جنيه للمتر ، رغم أن القيمة السوقية للمتر في تلك القطعة المميزة جدا في بورسعيد يبلغ أكثر قليلا من خمسين ألف جنيه (بمنطقة أرض جمرك الرحلات القديم ، والذي يقع خلف مبني الغرف التجارية وهي منطقه حيوية ومميزة جدا ) ، بما يعني أن نادي القضاة نفسه خسر عمدا حوالي خمسة عشر مليون جنيه على الأقل في تلك الصفقة ، وقد أضاف التقرير إلى ما سبق أن المشتري المحظوظ لقطعة الأرض هو أحد أقارب حرم المستشار الزند (ابن عم زوجته) ويدعى لطفي مصطفي مصطفي عماشه ، وفي المحصلة ، ووفق التفاصيل التي نشرتها الأهرام فنحن لسنا أمام إهدار فاضح للمال العام فقط بل نحن أمام اغتصاب صريح للمال العام ، وحتى كتابة هذه السطور لم يصدر أي تعليق من المستشار الزند على هذه القنبلة التي أصبحت حديث الساعة في المجالس والمنتديات . أول سؤال قابلني بعد نشر هذه الواقعة هو : ما هي الجهة التي وقفت خلف نشر هذا الملف الآن ؟ وهو سؤال تقليدي في الخبرة المصرية ، باعتبار أن "الأهرام" صحيفة الدولة الأولى لا يمكن أن تنشر تقريرا بهذا القدر من الخطورة أو تعيد فتح الملف بمعنى أدق إلا إذا كانت هناك جهة نافذة في الدولة أرادت نشره ، ولكن في مساء اليوم نفسه ظهر الزميل أحمد موسى وهو صحفي بالأهرام نفسها في برنامج تليفزيوني يقدمه ليدافع عن الزند بكل حماسة ويشتم صحيفته "الأهرام" التي نشرت الموضوع ويتهمها بالكذب وبأنها جزء من "حملة ممنهجة" لتشويه المستشار أحمد الزند وهو أحد أبطال 30 يونيو حسب ما قال ، وصدور هذا الكلام والدفاع الحماسي من موسى يعني أن الأجهزة ليست طرفا في هذه المشكلة حتى الآن على الأقل ، لكن كلامه أيضا يؤكد أن العملية منظمة وأن هناك جهات في الدولة قادرة ونافذة تقود ضد الزند "عملية ممنهجة" أي مرتبة ومنظمة ولها أهداف محددة وتكتيك محدد وخطوات محسوبة . في مصر هناك انطباعات سائدة وراسخة لدى النخبة ولدى القطاع الأوسع من الرأي العام ، بفعل خبرات كثيرة سابقة ، أن أي "ضربة" في شخصية لها وزن ثقيل ، سياسيا أو اقتصاديا أو إعلاميا أو فنيا أو خلافه ، لا بد وأن يكون وراءها "جهة رسمية مهمة" ، والناس عادة لا تنصرف إلى الحالة القانونية للواقعة أو الفضيحة والأدلة والمستندات والتحقيقات وما شابه ، وإنما إلى "التوجه السياسي" الذي يحرك الحدث وتنتهي إليه خيوط تلك الواقعة ، فالإرادة السياسية هي التي تحدد المطلوب ، والتكييف القانوني خطوة لاحقة وميسورة ، وتحضر هنا دائما العبارة الشهيرة في فيلم "الزوجة الثانية" والتي يرددها الناس كثيرا للتعبير عن تلك المعادلة (الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا يا عمدة) ، وكان الرئيس السادات رحمه الله إذا أخذه الغضب من المعارضة وضاق صدره وأطلق تهديداته لهم بالتأديب والتنكيل كان يعقب على ذلك بعبارته الشهيرة (..وكله بالقانون)!! . ووفق هذه المعادلات المصرية العتيقة ، سيظل الرأي العام مشغولا ، ليس بواقعة الفساد الذي كشفت عنها الأهرام في حد ذاتها ، وإنما بالجهة التي ضربت ضربتها للزند الآن ، لأن ملف هذا الموضوع له أكثر من ثلاث سنوات ، وتم دفنه من ساعتها ، وهناك اتهامات منشورة بأن جهات قضائية في حينه رفضت قبول دعوى لتحريك الاتهام في هذا الملف ، فلماذا تحرك الآن ، ولماذا تنشر صحيفة "الدولة" هذه الواقعة الخطيرة ، ومن هي الجهة التي قررت "ضرب" الزند تحت الحزام الآن ، هذا هو السؤال الذي سيبحث كثيرون عن إجابته في الأيام المقبلة .