أظهرت عملية إبادة غزة التى بدأت فى الأسبوع الثانى من يوليو 2014 وهى الثالثة، لكن الأكثر شمولا وتخطيطاً، منذ عام 2008 أن الطرف الفلسطينى فقد الحاضنة العربية فى الصراع مع إسرائيل، بل تحول الوسط العربى من حام لفلطسين إلى وسط تخترقه إسرائيل من خلال واشنطن طبعا، ويصبح هذا الوسط أحياناً متحالفا مع إسرائيل ومتفقا معها. ولعل الحالة الأخيرة هى التى لم تدع مجالا للشك بأن القضية الفلسطينية دخلت فى طور جديد تماما يؤذن بتصفيتها وشطبها من خريطة القضايا الإقليمية بما يترتب على ذلك من آثار جيوسياسية خطيرة. ولذلك لابد من عقد ندوة تجمع بين المفكرين والرسميين لتدارس الخطة التى تم تطبيقها حتى وصل الوسط العربى إلى هذا المستوى، وما هى العلاقة بين مخطط تصفية القضية ومراحل الاختراق الصهيونى سواء من حيث فصم الروابط الثنائية الاستراتيجية بين دول عربية بذاتها مثل مصر وسوريا أو من خلال إثارة الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة وتفتيت المنطقة العربية. تبحث هذه الندوة أيضاً بصراحة ومكاشفة تامة كيف تساقطت أوراق القوة العربية، وما علاقة مخطط السلام مع إسرائيل الذى بدأ بزيارة القدس وظهور الصراع بين مصر والدول العربية الذى انتهى إلى إنهاء دور الجامعة العربية وانتصار مصر على الممانعة العربية فى تسويق إسرائيل وإخراج مصر من دائرة الصراع واستبدال الصراع بالسلام الإسرائيلى. تناقش الندوة أيضاً القدرات الاقتصادية والمالية والنظم الاستبدادية والحكم العسكرى ودور الجيوش العربية سواء إزاء إسرائيل أو أزاء تفاعلات المجتمعات العربية الداخلية، والاتجاه إلى التنسيق الأمنى العسكرى وظهور محاور أساسية صارت إسرائيل طرفا أساسيا فيها بحيث تمكنت إسرائيل من دعم النظم الاستبدادية كما اعتمدت هذه النظم على دعم إسرائيل فى مواجهة الشعوب، ثم نشأة ما يسمى بالإرهاب، حقيقته ومضمونه وماهيته واسبابه، باعتبار أنه أصبح القاسم المشترك للتعاون العربى الإسرائيلى. ولابد أن تبحث الندوة بالتفصيل ظهور المقاومة ومدلولها وتطور الموقف العربى فيها وأثر 11 سبتمبر على الموقف العدائى العربى من المقاومة، ولماذاصارت المقاومة حصان طروادة لإيران فى المنطقة، فاختارت الدول العربية إسرائيل وواشنطن ضد إيران والمقاومة. تبحث الندوة أيضا آثار تولى الإخوان وسقوطهم في الرئاسة فى مصر وخاصة على حركة حماس وأثر الصراع الإيرانى السعودى على الفتنة الطائفية وانعكاساتها على المقاومة، وأخيرا خطوات حصار المقاومة وإشغالها. فإذا كانت المقاومة بديلا عن فشل الجيوش العربية فى المواجهة، فإن التقارب العربى الإسرائيلى وتحول وظائف الجيوش العربية إلى الحياة العامة والسياسية، جعلت مقولات التضامن على أساس القومية العربية أو على أساس الرابطة الإسلامية بالغة الضعف. كيف حدث هذا التحول، الذى رأينا أثره على الموقف الشعبى والرسمى العربى الذى لا يقارن بمواقف المجتمع المدنى الدولى حتى داخل إسرائيل نفسها. كيف تمكنت إسرائيل من شق الصف الفلسطينى بحيث صار الناس يرون جثث القتلى وأرقام الضحايا بدرجة عالية من البرود وكأنهم يتفرجون على فيلم تسجيلى تاريخى لاعلاقة له بآلام اللحظة. كيف تمكنت إسرائيل من تهيئة الساحة العربية والعالمية وحتى الأممالمتحدة لكى تنفرد بكل قوتها بغزة وأن تتجاوز جميع الخطوط الحمراء القانونية والأخلاقية والسياسية، وتصل إسرائيل إلى تصريح نتانياهو بأنه ماض فى مخططه مهما كانت الضحايا حتى ينهى الأنفاق، ومعناها حتى يقضى على القطاع الذى فشل فى إخضاعه وهزيمته، ومع ذلك تعلن واشنطن عزمها على الاستمرار فى دعم المخطط الإسرائيلى. تبحث الندوة أيضاً، مافات وتستشرف ما هو آت وأولها مصير المقاومة وهل تنتهى بلا تسوية لصالح الفلسطينيين بحكم الانسحاق، أم تنتهى بشرط تحقيق تسوية منصفة للفلسطينيين وكأن المقاومة جيشاً مقابل جيش وسلاحا مقابل سلاح مكافئ. والأهم من كل ذلك كيف يمكن إعادة تموضع القضية الفلسطينية وتصفية جيوب التوتر والاحتقان وسوء الفهم ووضعها عند نقطة يجمع العرب عليها. وباختصار هل قرر العرب الانبطاح أمام المشروع الصهيونى وفتح أوطانهم للإجهاز عليها أم يتعين مقاومة هذا المشروع بطريقة عقلانية وبخطاب ثقافى بعد تقييم وسائل المواجهة السابقة وأوجه القصور فيها، وأسباب هذا القصور. بصرف النظر عن نتيجة الدمار الذى تحدثه إسرائيل في غزة، فمن الخطأ أن نتحدث عن وقف القتال، أو وقف إطلاق النار، وإنما الصحيح أن تتحدث عن وقف أعمال الإبادة الإسرائيلية التى تقوم بها من طرف واحد إنه من الخطأ الجسيم أن ينظر العرب إلى إسرائيل على أنها تهدد فلسطين وحدها وإنما هى سرطان يهدد الجسد العربى كله .وتاريخ الصراع بين الطرفين يشهد بذلك، فهو كيان شيطانى زرع في جسد حضارى آدمى ويفتك بمقومات الحياة فيه، ولا مجال للحديث عن الإنسانية والنخوة ووشائج القربى، وإنما القضية تتعلق بآخر فرص الوجود العربى على هذه الخريطة فى مواجهة هذا الأخطبوط الذى يستمد قوته من هزال وضعف الوسط العربى ويتغذى على المؤامرات واستئناس الأطراف العربية.