كَثُرَت خلال السنوات الأخيرة حالات الطلاق السريع بين الشباب والشابات الذين لم يمر على زواجهم سوى فترة قصيرة غير كافية لاعتبار التصادم الحادث بين كل زوجين منهم مؤشرا لعدم التوافق بينهما، أو دليلا دامغًا على استحالة الاستمرار معًا تحت سقف واحد!.. مما يوحي بأن كل زوج من هؤلاء اتخذ قرار الطلاق قبل شروعه في الزواج، وكأنه زواج على ورقة طلاق!!.. فغالبًا ما تصل الخلافات الزوجية إلى طريق مسدود، فيتناسى الطرفان كل لحظات الحب والشوق واللهفة التي جمعتهما، ويبدأ مسلسل تبادل الاتهامات والصراخ والتهديد لينتهي كل شيء ويهدم بيت يضم زوجين وأبناء جراء كلمة واحدة قد ينطق بها الزوج دون وعي وإدراك للعواقب، أو قد تصل الزوجة بعنادها إلى أبسط حل يخلصها بحسب وجهة نظرها ، وهو أن تقول طلقني،
الطلاق تجربة قاسية مؤلمة للمرأة لاسيما في مجتمعاتنا العربية التي تفرض قيودا على السيدة المطلقة الناضجة.. وتزداد تلك القيود لو كانت هذه المطلقة شابة تحت سن العشرين أو تجاوزتها بقليل، فلم تعد المتزوجة مبكرا محظوظا لفرارها من شبح العنوسة، فهي غالبا ما تقع في قبضة الطلاق المبكر لتعاني نظرة المجتمع لها باعتبارها نصف امرأة فقدت براءة البنات ولم تحتفظ ببريق المرأة المتزوجة!!..
هناك عدة أسباب للطلاق السريع الذي صار ظاهرة خطيرة تخلف وراءها مشكلات عدة لها بالغ الأثر على سلامة واستقرار المجتمعات ومن بينها:
أولًا: عدم اكتراث الكثير من المقبلين على الزواج بضرورة توافر الاستقامة والالتزام الديني في زوج أو زوجة المستقبل والتركيز على بعض الأمور السطحية غير الدائمة مثل المال والجمال وغيرهما من الأشياء التي لا تصنع وحدها الاستقرار والحب والسعادة.. فالكثير من شباب الجنسين لا يلتزم عند اختيار شريك حياته بالضوابط التي حثنا عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث يقول: “تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك”، متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: “إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.
ثانيًا: غياب الدور التوجيهي للآباء والأمهات: حيث يظن بعض الآباء أن دوره التربوي أو التوجيهي ينتهي بزواج ابنه أو ابنته، علاوة على غياب هذا الدور عند حصول مشكلات بين الزوجين، إضافة إلى ترسيخ بعض المفاهيم الخاطئة لدى الأبناء التي تهدم وتحرض أحد الطرفين على مشاكسة الآخر خلافا لما أمرنا به ديننا.
ثالثًا: تزوير وزيف القائمين على الفن والإعلام في وطننا العربي حيث يقدمون في الغالب الأعم صوراً في أعمالهم الدرامية والسينمائية خيالية وغير واقعية للحياة الزوجية، فالزوج شاب وسيم أنيق مترف يغدق الهدايا بمناسبة وبدون مناسبة، والزوجة جميلة حسناء جذابة متفرغة للعواطف والحفلات والنوادي هي وزوجها، وكأن هذه المرأة لا تعرف حملا ولا وضعا ولا رضاعة ولا تربية أبناء ولا ترتيب شؤون المنزل!.. فهي فقط للشهوة واللذة، فيرسمون صورة حالمة واهمة للحياة الزوجية من خلال هذه المشاهد الخيالية وسرعان ما يصطدم الخيال بالواقع لدى حديثي الزواج.
رابعًا: الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار وارتفاع إيجار الشقق مع انخفاض الرواتب: كثيرا ما تتسبب عدم قدرة الزوج المادية في هدم عش الزوجية لصعوبة تلبية احتياجات أسرته الأساسية وتوفير سبل العيش الكريم الآمن، فضلًا عن أن العديد من الزوجات خاصة اللائي كن يعشن في رغد وترف في كنف أسرهن قبل الزواج، واللائى تفوق مطالبهن وتطلعاتهن قدرات أزواجهن المادية، فتبدأ الخلافات على أثر ذلك لشعور هؤلاء الأزواج بالعجز وقلة الحيلة، فينتهي الأمر بالطلاق.
خامسًا: تدليل الأبناء” وتزويجهم في سن صغيرة، بحيث يكون سهلا عليهم الزواج بمساعدة والديهم وبالتالي يسهل عليهم الطلاق فهم لم يتعبوا في الزواج ولم يتحملوا مسؤولية، وبالتالي يسهل عليهم هدم بيوتهم دون التفات للعواقب الوخيمة التي ستترتب على ذلك خصوصا لو كان لديهم أبناء!.
للطلاق السريع أضرار اجتماعية ونفسية واقتصادية على الطرفين والعائلتين بل والمجتمع كله، ومن هذه الآثار، زيادة عدد المطلقات في المجتمع، فضلًا عن تفكيك الروابط العائلية والأسرية، حيث إن الطلاق السريع والمفاجئ يسبب توتراً بين العائلات، فهذا الطلاق ليس معناه انفصال الزوج عن زوجته فقط بل حدوث خصام بين الأسر، كذلك الخسائر الاقتصادية للطرفين حيث إن الطلاق المبكر والذي جاء بعد الزفاف بأشهر معدودة تكون وراءه التزامات مادية كثيرة، فالزوج لم يخرج من اشكاليات مصاريف العرس ليفاجأ بضرورة دفع المؤخر ونفقة العدة وإذا كان هناك طفل فلابد من توفير مسكن ونفقة له، وكذلك الزوجة التي صرفت أموالا كثيرة حتى تظهر في يوم عرسها في منظر جميل، يتبخر حلمها بعد أشهر لتجد نفسها تحمل ورقة طلاقها، عائدة مرة أخرى الى منزل أهلها!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.