حينما كنا صغاراَ ، كان يحلو لآبائنا أن يسألونا عما نحلم به ولاسيما السؤآل التقليدى " ماذا تحلم بأن تكون؟ ". وكنا نتبارى فى إختيار الوظائف والتخصصات، وبالطبع كانت الرتب العسكرية لها الزهو التقليدى الذى يتمثل فى اللباس العسكرى. لم تكن لأحلامنا حدود ولكن كانت هناك حدود نفسية لمدى تقبل الآباء لهذه الأحلام. أذكر بأن أحد أصدقاء طفولتى قال " أحلم بأن أكون رئيساَ للجمهورية". لقد كان أبوه ناظراَ للمدرسة، وهو منصب لم يكن يحلم به الكثيرون من آباء القادة فى العالم. ولقد ناله من الضحك الساخر الكثير، وقال له والده " يابنى.. إحلم بشىء لا تكون نتيجته نفى أبيك إلى حر الصعيد أو برد الزنزانة" ثم ابتسم إبتسامةَ لم نفهم معناها. لقد أخطأ جيل الآباء أخطاءَ جسيمة فى توجيه الأبناء وما كان لهم أن يفعلوا ذلك.لقد تصوروا رئيس الجمهورية وكأنه نصف إله، فهو كائن دائماَ على صواب، ويجمع من العلم ما لا يعرفه أحد. سليل أسرةِ عريقة فى السياسة. والسياسة محرمة على من ليس له مقعد فى اى من المجلسين أو مؤسسات الدولة السيادية. لقد تصوروا أن على الإبن أن ينظر دائماَ إلى أبيه ، وألا يشذ عن درب أترابه. لم يكن السبب هو أن منصب رئيس الجمهورية هو منصب قد يتنافس عليه الملايين؛ ولكن هى الفلسفة الأفلاطونية الجامدة التى تعتمد على الطبقات المغلقة. لقد عبر آباؤنا عن فلسفة لا يعرفون مصدرها ولا يهتمون بمدى تعارضها مع مبدأ العدالة الإجتماعية فى أن لكل مواطن الحق بأن يحلم وأن لا يسفه أحد حلمه وأن الله وحده هو الذى يقرر من يكون رئيساَ ومن لا يكون. لقد عنى آباؤنا بتلقيننا دروساَ خاطئة وساعدهم أساتذتنا فى ذلك وكنا لا نعلم ولا نعرف حقنا فى أن نعلم،بل كنا لا ندرك أننا لا نعلم. لقد علمنا أساتذتنا أن طه حسين هو قاهر الظلام وأديب الأمة، وعرفنا فيما بعد ما عرفنا، ولم يكن سوى إناء يصب فيه مستشرقوا الغرب أحقادهم على الإسلام ، فقاده غروره إلى أن يدعوا إلى نقد القرآن وهو يقول بأن كازانوفا الفرنسى " معلمه" أفضل من علماء الأزهر الكرام. وعلمونا أن نقول " يحيا سعد " ، ولقد علمنا بعد بأن سعدا لم يكن يعرف فى الأساس بالثورة التى نسبت له، وأن تمثيلية قد حبكت لتمجيده، وأنه أنفق مال الشعب فى الميسر" القمار" وترك المناضل محمد فريد ليموت من الجوع فى الخارج . علمنا أساتذتنا أن نضرب مثلا بقاسم أمين فى تحرير المرأة ، ويشهد ميدان التحرير بأنه لأول مرة فى تاريخ مصر منذ المسيح عليه السلام تمشى النساء سافرات بعد أن أرغمن على خلع الحجاب عشية الإحتفال بسعد الذى أهدى له قاسم أمين كتابه فيما بعد. ولا يزال التجهيل مستمراَ. لقد أسقط آباؤنا ومعلمونا عقدة الإخوان المسلمين على عقولنا، نعلم أنهم كانوا يحبوننا ويخشون علينا مصير الإخوان المسلمين وما عانوه من ظلمِ وإضطهاد ، ونعلم أنهم كانوا على قليل درايةِ بالأمور، وأن ساحة الفكر السياسى لم تكن مفتوحة مثل اليوم، لكن حرية الرأى لم تكن متاحة ولم يتغير واقعها بعد. لكننا فى كل الأحول كنا نود لو لم يعلمونا ما هو خطأ، فذلك ظلمٌ كبير، ونحن اليوم نبذل جهدين للتعلم، أحدهما بمحو ما تعلمناه من خطأ والآخر بالبحث عن الحقيقة كالذى يحقق فى جريمة مر عليها عشرات السنين ومات شهود الإثبات فيها والنفى. هذه هى العوامل التربوية التى جعلت الحلم برئاسة الجمهورية حلماَ مسفهاَ، وليس العلم أو النسب أو القرب من مراكز صنع القرار. وعندما يقول سياسى مخضرم مثل الأستاذ أسامة الباز بأن عملية البحث عن بديل جارية وتمر السنون دون العثور على من يتناسب مقاس رجله على " فردة" الحذاء، فإننا نأسف لذلك كثيراَ، لا لعدم الوصول إلى البديل ، ولكن لأن سياسياَ فى مستوى معرفة أستاذنا لم يكن ليهين الشعب بهذا الشكل. يا قوم..أليس منكم رجلُ رشيد؟؟؟ أما أنا، فمن حق طفلى أن يحلم، وسألقنه الحق ما علمته، وسأخبره بأنه " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" وأن " الساكت عن الحق شيطانُ أخرس" وأن " أفضل الجهاد.. كلمة حقٍ عند سلطانٍ جائر" وأنه " لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق" وذلك عملاَ بقول الله عز وجل " وليَخشَ الَّذينَ لو تَرَكُوا مِن خَلفِهِم ذُرِّيَةً ضِعافاَ خافُوا عَلَيهِم، فَليَتَّقُوا الله وليَقُولُوا قَولاً سَدِيدًا" وأنه حين سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ابا بكرِ الصِّدِّيق عن أولاده " ماذا تركتَ لهم" ، قال " تركتُ لهم اللهَ ورسوله". ويا رجال التعليم " إتقوا الله فى أبنائنا".