تتنوع أشكال الديكتاتورية وتتطور يومًا بعد يوم لتأخذ صورًا جديدة وكأن قدرنا أن نعاني من الديكتاتورية بأنماطها المختلفة طوال العمر، والديكتاتورية الجديدة التي أماطت اللثام عن وجهها القبيح هذه الأيام هي ديكتاتورية النقد. نعم ديكتاتورية النقد، فقد دأب صنف من الناس على انتقاد المخالفين ليل نهار بسند وبدون سند. وهؤلاء الديكتاتوريون الجدد يمارسون نوعًا من الإرهاب الفكري لكل مخالف لهم في الرأي، ولا يحق لأحد أن يناقشهم أو يفند نقدهم، وإذا ما تجرأ أحد على هذا الأمر، سلقوه بألسنة حداد، وانهالت عليه سهام النقد الجارحة من كل حدب وصوب، لا لشيء إلا أنه قرر أن يدفع عن نفسه الاتهام أو يوضح أمرًا ظنه غاب عن الأفهام. هذا النوع من الديكتاتورية لا يقل خطرًا عن ديكتاتورية الحكام، فالقاسم المشترك بينهما قمع الحريات وأحادية الفكر. ودكتاتورية النقد تقمع حق الناس في إبداء رأيهم أو في الدفاع عن أنفسهم. وأكاد أزعم أن الديكتاتوريين الجدد لا يستطيعون العيش دون أن يمارسوا هذا النوع من الديكتاتورية ولا يمضي يوم عليهم دون أن يتعرضوا لأحد بالنقد، وإذا حدث فلربما انتقدوا ذويهم أو حتى أنفسهم! وهؤلاء يذكرونني بالحطيئة الذي لم يسلم أحد من لسانه وبلغ به الأمر أن هجا أمه، بل هجا نفسه فقال: أبت شفتاي اليوم إلاّ تكلُّما بشرَّ فما أدري لمن أنا قائله أرى لي اليوم وجها قبّح الله شكله فقبّح من وجهٍ وقبّح حامله اتضحت هذه الديكتاتورية بشكل كبير في الآونة الأخير بعد أن جاءت نتيجة الاستفتاء على غير مراد البعض فانبروا للهجوم على التيار الإسلامي تارة وعلى عموم الشعب تارة أخرى واستماتوا ولا زالوا في محاولات الالتفاف على نتائج العرس الديموقراطي الأول الذي شهدته مصر بعد ثورة 25 يناير، فسمعنا من ينادي بتأجيل الانتخابات البرلمانية إلى ما بعد وضع دستور جديد للبلاد، وشهدنا من يطالب بمجلس رئاسي مدني ليحل محل المجلس العسكري، ونسى هؤلاء أو تناسوا ما تشدقوا به سابقًا من احترام الديموقراطية ورأي الأغلبية، بل وراحوا يكيلون الاتهامات هنا وهناك لمن يعارضهم في إرهاب فكري صارخ، وزعموا أن نتائج الاستفتاء هذه لا ينبغي احترامها لأنها جاءت في ظل غياب الوعي السياسي اللازم لدى عموم الناس! فعن أي ديموقراطية يتحدثون، وهل تغير مفهوم الأغلبية واكتسب معنى آخر به يتشدقون؟! إن ديكتاتورية النقد ما هي إلا انعكاس لحالة من العجز في التكوين الفكري، فالرأي لا يقارع إلا بالرأي والحجة لا تدحضها إلا حجة أقوى، أما أن نزعم أن رأينا صواب لا يحتمل الخطأ ورأي الأغلبية خطأ لا يحتمل الصواب، فهذا مما لا يقبله عقل ولا يقول به منطق، سوى المنطق الفرعوني "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد". • مترجم وباحث شرعي