يتعامل العديد من المسلمين في زماننا هذا - وللأسف الشديد - مع شهر رمضان الفضيل باعتباره شهرًا للراحة والكسل، حيث يتقاعسون عن أداء أعمالهم ويقصرون فيها وينامون طوال النهار ويسهرون ليلًا أمام شاشة التلفاز لمشاهدة ما يتم عرضه من مسلسلات وبرامج ساقطة تافهة تفسد الأخلاق وتنشر الفواحش!..
والحقيقة أن شهر رمضان شهر عبادة وعمل وجهاد ودعوة، لا شهر خمول وكسل وتقصير في أداء الواجبات بحجة الصيام..
في رمضان أنزل الله عز وجل القرآن لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وفيه تُفتَح أبواب الجنة وتوصد أبواب النار، وتُغَل فيه الشياطين وتُضاعَف الحسنات وتُغفَر فيه الذنوب وتُمحى السيئات وتُرفَع الدرجات.. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء رمضان فُتِحَت أبواب الجنة وغُلِقت أبواب النار وصُفِدت الشياطين"، رواه مسلم.
ولذلك على كل مسلم أن يغتنم فرصة قدوم شهر رمضان المعظم فيجدد العهد مع الله ويتوب إليه توبة نصوحة ويلتزم بأداء الطاعات فرائض كانت أم نوافل، ويجتنب المعاصي صغيرها وكبيرها ، ظاهرها وباطنها، ليكون من الفائزين بمغفرته ورحمته وجنته بمشيئته تعالى..
أوقات شهر رمضان الكريم لا تُعوَض ولا تُقدَر بثمن فهي شاهدة للطائعين بطاعاتهم، وشاهدة على العصاة والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم..
تجدر الإشارة إلى أن العبادة والعمل في الإسلام قيمتان متلازمتان.. فبالعبادة يسعى المسلم إلى رضا ربه، فهي المقصد الأسمى من خلق الإنسان.. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات: 56 والعمل عبادة لأنه يحقق معنى الاستخلاف في الأرض الذي هو الهدف من خلق الإنسان، قال سبحانه: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب} هود: 61
وقد ربط الله عز وجل بين الصلاة كعبادة وبين العمل والسعي في الأرض كعبادة أيضًا: قال تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} الجمعة: 10
وربط النبي صلى الله عليه وسلم بين الصيام والعمل، فعن أبي سعيد المقبري، قال حدثني أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟، قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يُرفَع عملي وأنا صائم"، أخرجه أحمد.
يشهد تاريخ المسلمين الطويل على أن هذا الشهر هو شهر الإنتاج والعمل، وشهر الانتصارات الكبرى، حين تهب ريح الإيمان، ونسمات التقوى، وتتعالى صيحات الله أكبر فيتنزل النصر من الله تعالى، رغم قلة العَدد وقلة العتاد.. ومن أشهر الانتصارات والفتوحات الكبرى للمسلمين في شهر رمضان ما يلي: - غزوة بدر الكبرى 2 ه - فتح مكة 8 ه - موقعة البويب 13 ه - فتح الأندلس 29 ه - فتح عمورية 223 ه - معركة عين جالوت 658 ه - فتح أنطاكية 666 ه معركة شقحب 702 ه - حرب السادس من أكتوبر العاشر من رمضان 1393 ه
- اللهَ أسألُ أن يجعل شهر رمضان الكريم شهر عمل وطاعة وجهاد وخير وبركة وكرامة وعزة، وأن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا وذِكرنا وتوبتنا وصدقاتنا ، وأن يجعل كل ذلك إيمانًا واحتسابا إنه على كل شيء قدير. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.