في جلسة وجع ...نعم جلسة وجع مستغربين ليه؟!!!....هكذا تمضي حكايتنا وتمر مواجعنا من نوافذ القيظ .....استمعت لبعض الأحبة وهم يحدثوني عن فصل موجع من فصول المحنة المنصرمة كنت أستمع وكأني لم أعتقل ولا حتى شاهدت سجنا ... فصل موفور الألم وبقعة من سجون الظالمين كانت تطل على الدنيا من نافذة الأجداث والقبور الصامتة مستشفى ليمان طره ...وما أدراك ما هي ....لا أجد لها وصفا غير أنها إحدى منازل الآخرة ...وبناية في شارع من المقابر المترامية على أطراف القرى يا لهذه العين التي رأت ما مر بإخواننا في مقابر ليمان طره ويا لهذه الأذن التي لديها من القوة ما يجعلها تنصت لتفاصيل الأسى سمعت أنا بحول من الله وقوته لبعض القصص .....ملفات تحتاج إلى برامج ضغط عالية لتدخل وتستقر في الذاكرة الممتلئة هي الأخرى بتفاصيل أخرى للوجع شاهد عيان قال وأنا أسمع ... عنبر طويل وأسرة بالية كان يرقد عليا مرضى من إخواننا ....أصناف شتى من المرض كلهم في عنبر الموت سواء الدرن / الشلل/ غيبوبة السكر/ سرطانات/ حالات تسمم / حالات نفسية / أمراض القلب كل هذا كان ممددا على سرير الموت أغلب الحالات لا تتحرك ولا تفارق مكانها لمدة تصل لسنوات طويلة ولذلك تنتشر في أجسادهم القُرح وتعفن الجسد قال وأنا بحول الله اسمع ....الأخ فلان كنا نقطع من جسده بالمشرط بعض اللحم المتعفن حتى وصلنا مرة إلى فقرة ظهر أحد الأخوة وآخر قطعوا من لحم جسده المتعفن حتى انتهينا إلى عظام الفخذ يا الله .... أخبرني شاهد عيان آخر شاركنا الحديث أنه كان يقطع من جسد أحد الأخوة أجزاء متعفنة واتسعت لدرجة تسع لكفة يد الصدمة في حادثة ذكرها أحد الأخوة قال كنت أشتكي من نوبة قلب شديدة وهو أخف حالات المرض في مقبرة الليمان يقول (ذهبوا بي إلى مستشفى القصر العيني أدخلوني عنبر المعتقلين ...فعلا مقبرة ..فتحوا لي بابا دخلت طرقة طويلة وزنازين انفرادية على اليمين وعلى الشمال خالية لا يوجد فيها أحد ...... فتحوا بابا وأدخلوني ثم أغلقوه ورغم أنني قدمت القصر العيني نظرا لشدة النوبة القلبية تركوني وحيدا في غرفة (مقبرة ) بها سرير لا زالت عليه آثار الدم والاستفراغ والمكان متعفن ولا يسمعك أحد ولا يسمعني أحد .....تذكرت ساعتها كل الأخوة الذين كانوا يتم نقلهم من مستشفى الليمان إلى عنبر المعتقلين بالقصر العيني وعلمت لماذا كانوا يموتون بعد يوم أو يومين من وصولهم لهذا المكان .....تخيلت أن أحمد عبد الحسيب والذي كان يعاني من غيبوبة كأنه اشتد به التعب ثم قام وظل ينادي عليهم ويطرق الباب بأي شيء وظل هكذا حتى مات وتذكرت فلان وفلان وفلان ..... ضابط هناك مجرم كان يناوب طالما أن أحد المعتقلين موجود في عنبر القصر العيني ولكي يذهب إلى بيته وينعم بأولاده كان يتفنن في تطفيش الأخ المريض حتى يطلب أن يغادر المكان أو يستعجل موته بأن لا يلبي طلباته ويتركه بلا دواء ولا ماء أو حتى علاج ........... وفي الليل يتعمد بعض العساكر افتعال أصوات غريبة لتطفيش الأخ المريض (الميت لاحقا) المكان مخيف والزمان أنت محجوب عن الدنيا كلها ) انتهى فصل متفرد في الوجع حكاها لي هذا الأخ اليوم بينما كنت أتوسل لذاكرتي أن تفسح مجالا لكل كلمة كان يذكرها لأن الكلمة الواحدة تمثل فيلقا من الأوجاع كانت تمر البطيئ على إخواننا الذين رحلوا دون أن نعلم ما حدث لهم قاطعه شاهد عيان آخر وهو يحدثنا عن ذلك الأخ الذي كان معهم في مستشفى ليمان طرة وداهمت جسده قُرح الفراش حتى صنعت جيبا داخليا في الفخذ من الصديد وتورمت قدمه وفخذه اضطر على إثرها أحد الأخوة وكان طبيبا أن يفتح بمقص كان معه فتحة ويصنع جيبا وممرا للصديد ما بين فخذه وركبته ....يقول كانت رائحة الصديد متعفنة ومنتنة للغاية لدرجة أنك تشعر بأنك جالس في مقبرة أموات ....حتى اللذين كانوا يأتون من خارج العنبر يضع على أنفه قطعة قماش من شدة العفونة وماذا حدث لهذا الأخ ؟ انتشرت السموم في جسده كله حتى دخل في غيبوبة ومنها إلى الموت طب كيف كنتم تصنعون مع حالات الموت يقول شاهد العيان وكان مريضا بحساسية الصدر أخفهم وطاة (حضرت تقريبا 60حالة وفاة لإخواننا داخل مستشفى ليمان طره...يدخل الأخ في غيبوبة ...سكرات موت ...منهم من يحدثنا بكلام طيب ومنهم من يوصينا بالخير والتقوى ومنهم من يذكر الله حتى آخر نفس ...ثم نقوم بحمل الأخ وتغسيله ثم نكفنه ونصلي عليه ثم ننادي على الضباط لنخبرهم بوفاته .....كنا نفعل ذلك لأنهم لو أخبرناهم بوفاة أخ كانوا يأخذونه بطريقة كيس زبالة مثلا ثم يستدعون أحد الجنائيين ويقوم بفتح خرطوم مياه على الأخ وهو على الأرض ممد وبقطعة قماش بالية يلفونه ويذهبون به إلى مشرحة زينهم حتى يتعفن أو يحضر أهله لاستلامه ولا أحد يصلي عليه ) يتبعه شاهد عيان آخر وهو أخ مهندس نحسبه على خير يقول (كانت المشكلة في حالات الشلل التام والتي كانت تصاب بقرح الفراش وكنا نقوم بقطع أجزاء كثيرة من جسد الأخ ....أفزعني مشهد وكرهت من يومها (النمل ) .....نعم النمل المخلوق الصغير كان يجتمع على الأجزاء المتآكلة من جسد الأخوة بسبب القرح ..والله رأيت مرة عند منطقة العورة مجموعات كبيرة جداا من النمل في ذات المكان لدرجة تشاهد كتلة سوداء ثم ينتشر بسرعة على باقي الرجلين والأخ طبعا لا يشعر بشيء بسبب الشلل لم نجد حلا سوى أن نجعل كل رجل سرير في علبة حلاوة طحينية ونجعل فيها ماء ونبعد السرير قليلا عن الجدار لنمنع تسلل النمل إلى جسد الأخوة ....) حتى النمل !!!!!! هذه هي مصر الدولة ومصر الدين !! ومصر الأزهر .....كل هذه وأكثر كان قاب قوسين أو أدنى منكم ....لم يكن في خلد هؤلاء الراحلين حلم ولا حتى مطالب شتى ولا قائمة بحقوق الأحياء فقط كانت لديهم قائمة بحقوق الموتى قبل أن يلقوا ربهم يتمنى الواحد منهم أن يستجاب لطلبه يتمنى أحدهم حتى شربة ماء يروي به عطشه قبل أن يلقى ربه مظلوما من هذه المطالب ..كانوا يتمنون لو حتى أنيس بجوارهم يلقنهم الشهادة وهم يصارعون سكرات الموت بلا رفيق يثبتهم أو حتى يمسح الزبد الخارج من أفواههم كان مطلبهم ساعتها وهم في عنابر الموت وهو على استحياء أن يستجاب لطلبه كي ينظفوا جسده من الصديد والعفن السارب في الجسد حتى يلقى ربه على طهارة ونقاء أتخيل أنا آخر لحظة وآخر صرخة وآخر سكرة مرت بواحد من هؤلاء الراحلين آه ....يا شاويش ....طب حتى شربة ماء .....غنت فين يا أمي كان نفسي تكوني جنبي تواسيني ...طب هاتوا لي الأخ فلان يسندني ويذكرني بالله ...طب حتى صورة لعيالي أشوفهم ....يا رب خد روحي يا رب ....لا إله إلا الله ....لا إله إلا الله .....اللهم هون عليّ سكرات الموت .....طب يا باشا اسقيني بلعة ميه ......يا رب سامحني يا رب ....يا ناس حد يسند راسي .....مين اللي واقف هناك ده !!!!! ....تعالي يا أمي خديني في حضنك ....انت تأخرتي في الزيارة ليه ....لا إله إلا الله .....لا إله إلا الله أحبس الآن دموعي المتمردة على قاع عين يضج بها ...كيف بإخواني يتحملون وحدهم هذه الطامة الكبرى ....بينما كنت أنا في سجون أخرى لا يشغلني غير أن أصمد في تفتيش للكلاب وأنا مشغول بزيارة أمي لماذا تأخرت عني شهر ّّ يا رب رحمتك بإخواننا ......هم يحبونك ونشهد لهم بذلك وأنت أرحم بهم منا