حملت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الدولة المسئولية الأساسية عما قد يكون أسوأ أعمال عنف فى تاريخ مصر الحديث من حيث عدد الضحايا، وذلك خلال تقرير أصدرته اليوم حول عدد من أحداث العنف السياسى التى ضربت مصر بقوة فى الأسابيع التي سبقت وتلت عزل حكومة الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013. وأكد التقرير أن عدد الضحايا قد تجاوز آلاف القتلى، محملًا الدولة المسئولية الأساسية عن انتهاكات حقوق الإنسان في تلك الفترة، سواء لمشاركة قوات الأمن بشكل مباشر في هذه الانتهاكات أو لامتناعها وتقصيرها عن حماية أرواح وممتلكات المواطنين من الاعتداءات الواقعة عليهم من أطراف غير رسمية. كما حمل التقرير مسئولية أحداث عنف معينة لأعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين مع حكومة الرئيس المعزول مرسي سواء لتورطهم في عنف مباشر ضد منشآت عامة أو ممتلكات خاصة، أو لتوظيفهم خطابًا يحض على الكراهية والتمييز الطائفي. و صدر التقرير مكون من أربعة أجزاء تناول أحدهم فض اعتصاميِّ ميدانيِّ رابعة العدوية والنهضة، الذي وقع في يوم 14 أغسطس، وقد تم إفراد جزء خاص بهاتين الواقعتين، حيث إنهما الأكبر من حيث عدد الضحايا والاستخدام المفرط للقوة وحجم الانتهاكات. وشدد التقرير على أن عدد ضحايا فض اعتصام رابعة، الذي استمرت اشتباكاته لمدة 11 ساعة على الأقل، يتراوح ما بين 499 (وفقًا لمصلحة الطب الشرعي) و932 وفقًا لبيانات المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو الرقم الأكثر دقة، ويقترب من تقدير رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي، الذي تحدث في الإعلام بصورة تقريبية عن ألف قتيل، أما ميدان النهضة بجوار جامعة القاهرة فقد استغرق فض الاعتصام نحو ساعتين وأسفر عن وفاة 87 شخصًا. واتهم التقرير قوات الأمن بالفشل في التخطيط لعملية فض الاعتصام بغية تقليل حجم الخسائر البشرية، وإنزال عقاب جماعي على كل من تواجد داخل منطقة الاعتصام وبخاصة بعد أن قام عدد قليل في أغلب التقديرات من المعتصمين باستخدام الرصاص وتبادل النيران مع الشرطة. كما أكدت المصادر التى جاءت بتقرير المبادرة المصرية، أن قوات الأمن استخدمت القوة المميتة بغير وجه حق في أكثر من حالة واستهدفت عددًا كبيرًا من المعتصمين دون دليل على وجود سلاح معهم، ولم تكن هناك معظم الوقت مخارج آمنة فعليًا تحمي المعتصمين الراغبين في مغادرة المكان دون التعرض لمحاولات سكان المباني المجاورة البطش بهم. ولفت التقرير الأنظار إلى أن قيادات جماعة الإخوان المسلمين لم تبذل أي مجهود يذكر في محاولة تقليل عدد المتواجدين من أنصارهم في الاعتصام مع بدء عملية الفض، ووضوح حجم الخطر الكبير على المعتصمين، وأكدت المبادرة أن الشهادات والمواد المتوفرة لديها أظهرت أن عددًا من المعتصمين استخدموا أسلحة نارية، إلا أنه من الصعب تحديد الوقت الذي بدأ فيه المعتصمون استخدام الرصاص وتقدير كمية الرصاص المستخدمة. وطبقًا للتقرير، يبدو أن عددًا من المعتصمين استخدموا الطوب والزجاجات الحارقة والأسلحة البدائية (المقاريط)، وأن عددًا أقل استخدم الذخيرة الحية وأطلق منها على قوات الشرطة ونجح في إسقاط عدد من القتلى في صفوف الشرطة، إلا أن الواضح من شهادات شهود العيان والصحفيين وبمقارنة عدد الضحايا من الجانبين أن الأغلبية العظمى من المعتصمين كانوا من العزل، وأن اعتصام رابعة تحديدًا لم يكن اعتصامًا مسلحًا على الطريقة التي كان عليها اعتصام النهضة، كما أن تصريح وزارة الداخلية الرسمي، الذي قالت فيه إن قوات الشرطة عثرت على عشر قطع من السلاح الآلي و29 بندقية خرطوش يؤكد أن التعامل مع اعتصام رابعة لم يتطلب هذه الدرجة من التدخل العنيف والاستخدام المفرط للقوة المميتة، ويظهر أيضًا من مقاطع فيديو لعملية فض الاعتصام أن عددًا من القتلى لم يكن يشكل أي تهديد على الإطلاق، وأن إطلاق الرصاص بصورة عشوائية لفترات طويلة من جانب قوات الشرطة أسقط الكثير من الأبرياء، كان بعضهم في أثناء محاولته الهرب أو الاختباء. وأبدت المبادرة المصرية اعتقادها بأن قوات الأمن كان يجب عليها أن تراعي مبدأين رئيسيين في التعامل مع اعتصامي رابعة و النهضة ، هما التناسبية ، وحسن الإدارة.
وقال التقرير إن "من أهم قواعد حسن الإدارة في التعامل مع التجمعات والاضطرابات العامة، أنه في حالة اتخاذ قرار باللجوء إلى القوة ينبغي على الحكومات وضع مجموعة من الاستجابات وردود الفعل الممكن اتخاذها في أكثر من سيناريو مختلف , وكيفية التعامل مع كل سيناريو بالطريقة الملائمة والمتناسبة . وذكرت المبادرة انه لا يبدو من الوقائع الواردة في التقرير أن قوات الأمن خططت بصورة جيدة لاحتمال محاولة صد الاقتحام ، باستخدام الأسلحة النارية من قبل المعتصمين. ويظهر من الشهادات المتفرقة ومن إفادات المعتصمين أنفسهم أن إطلاق النار من جانب المعتصمين جاء فقط من ناحيتين ، الأولي من بعض غرف داخل دار مناسبات رابعة العدوية، والثانية من مبنى غير مكتمل الإنشاء، الذي يطل على شارع الطيران، المسمى بعمارة المنايفة. وأعلنت المبادرة أن باحثيها قد تحدثوا إلى أكثر من 40 شخصًا، من ضمنهم متظاهرون ومصابون وأطباء ميدانيون ومسعفون وصحفيون ومراسلون تواجدوا بموقع الحدث، وأطباء باشروا علاج الحالات المصابة ومتطوعون ساهموا في حصر الجثث وفي توثيق الوفيات والإصابات ومسئولون حكوميون. كما قام باحثو المبادرة في المساهمة في حصر الجثث وفي تقديم المساعدة القانونية في مصلحة الطب الشرعي ، والتواجد في المستشفيات وفي مشرحة زينهم وهو ما سمح لهم بمعاينة عدد من الجثامين، وبالاطلاع على تقارير الوفاة وتقارير التشريح الظاهرية. وقد قام باحثو المبادرة ومحررو التقرير بمطالعة تقارير ميدانية عن الواقعة ومراجعة البيانات الرسمية وتصريحات المسئولين وقيادات وزارة الداخلية. وإضافة لعنف الدولة وخاصة قوات الشرطة التي استخدمت القوة بصورة مفرطة، يظهر التقرير أهمية دراسة النمطين الآخرين من العنف خلال فترة الدراسة وهما "العنف الأهلي" و "العنف الطائفي". وقد تداخلت هذه الأنماط الثلاثة من العنف عبر الحوادث المختلفة التي يتعرض لها التقرير الذي ينقسم إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول، يغطي الفترة من 30 يونيو 2013 حتى 5 يوليو 2013 التي اتسمت بهيمنة العنف الأهلي. الجزء الثاني، يغطى الفترة من 8 يوليو حتى 14 أغسطس التي اتسمت بهيمنة عنف الدولة. والجزء الثالث، يغطى الفترة من 14 أغسطس حتى 17 أغسطس التي اتسمت بهيمنة العنف الطائفي. وأوضحت المبادرة أن باحثيها لم يتعرضوا لبعض الأحداث و الوقائع التى وقع فيها مئات القتلى والجرحى مثل أحداث رمسيس ومسجد الفتح والنزهة والألف مسكن (القاهرة) والعمرانية وكرداسة (الجيزة) وكوم الدكة (الإسكندرية) والسويس وعدة أماكن أخرى في مصر، لم يتمكن باحثو المبادرة ساعتها من القيام برصدٍ تفصيلي مباشر لها وقت تفاقمها. وأوصى تقرير المبادرة بعدة توصيات، مؤكدة أنها تستلزم من اجل تنفيذها رغبة سياسية وتغييرات في أسلوب ونطاق عمل الأجهزة الأمنية والقوانين الحاكمة لها وإعلاء أوضح لمبادئ حكم القانون ومؤسساته. وأعربت المبادرة المصرية عن أملها في أن "تتمتع مصر في المستقبل بمؤسسات أمنية وقضائية وسياسية قادرة على إدارة الصراعات المدنية بأساليب أنجع وأكثر سلمية، تحتكر فيها الدولة العنف ليس لممارسته خارج نطاق قانون عادل وقواعد واضحة، ولكن من أجل ضمان عدم استشراء العنف كوسيلة لحل النزاعات والحصول على الحقوق أو التعدي على حقوق الآخرين." وأوصى التقرير بتشكيل لجنة مستقلة تضم خبراء أمنيين وقانونيين وممثلين للمجتمع المدني لاقتراح سياسات ونظم وتغييرات تقنية في أسلوب عمل الشرطة على أن تقدم هذه الاقتراحات للبرلمان القادم لوضعها في صورة قانون ، حيث أدرج التقرير عددا من جوانب عمل الشرطة التي تحتاج لإعادة النظر ومنها تعديل القوانين المنظِّمة لاستخدام القوة والأسلحة النارية من قِبَل الشرطة بحيث تتوافق مع الحد الأدنى من المعايير والممارسات الفضلى الدولية كما دعا التقرير لوضع التعديلات القانونية الملائمة للتعامل مع خطاب التحريض على العنف دون التعدي على الحق في حرية التعبير السلمي عن الآراء.