ثورة الخامس والعشرين من يناير ثورة رائعة، نقية، نزيهة، هدفها الحرية والعدل والكرامة. وللأسف هناك الانتهازيون الذين لم يحلموا بها، ولم يشاركوا فيها، ولكن وجدوها فرصة للغوغائية والخروج على المألوف وكسر حاجز الأدب... وأين؟ في الجامعة. الطلاب غاضبون، يتظاهرون حول مكاتب رؤساء الجامعات، يهتفون بسقوطهم، يكيلون لهم الشتائم والسباب. ويتجمعون حول مكاتب العمداء منددين بوجودهم، ويمنعون أساتذة من الدخول إلى قاعات الدرس، بل ووصلت الغوغائية إلى حد المطالبة بتعديل نتيجة الفصل الدراسي الأول لإنجاح الأفشال منهم. هذا فضلا عن الملصقات التي تحوي عبارات تسئ إلى المجتمع الجامعي بأسره. لا ألقي باللائمة كلها على الطلاب،فقد يكون هناك من الأساتذة من تجاوزوا حدود التعامل السوي، ولكن جاء رد فعل الطلاب ليعالج خطأ بخطإ أفدح. فلا شئ يبرر اعتداء التلميذ على أستاذه. أيضا تتعالى صيحات هيئة التدريس بضرورة تغيير قانون الجامعات، وإزاحة القيادات الحالية وانتخاب غيرها، الأمر الذي خلق حالة من الارتباك والتراخي، وجعل جميع القيادات في انتظار الاستغناء حتى عن أولئك الذين لم يستكملوا بعد مددهم القانونية، وبغض النظر عن كونهم صالحين أو طالحين. فليس من الحكمة في شئ إنهاء عمل من لم يستكملوا المدة القانونية للمنصب قبل تغيير القانون، خاصة وأن استمرارهم الآن أصبح قلقا وحذرا. والتغيير ليس بالمهمة السهلة، إذ يخشى إن تعجلنا في التغيير أن يولد القانون مبتسرا مخيبا لما يرجى ويراد. (واذكر هنا بأن المجلس الأعلى للجامعات طلب من المجلس العسكري ومن رئيس الحكومة الاستعانة بأفراد من وزارة الداخلية. نعم الداخلية والجيش لتأمين الامتحانات... ترى هل تسرعنا في إخلاء الجامعة من الحرس الجامعي... أكان من الأليق والأنفع أن نرشد دور الحرس الجامعي... بل ونحده بحدود لا يتجاوزها؟). المهم... الأنسب أن نطالب بإجراء تعديلات جزئية على قانون الجامعات الحالي كل فترة بما يلائم مقتضيات الحاجة، إلى أن يتم التغيير الشامل، خاصة وأن القانون الحالي قبل تعديلاته الشهابية المخربة قانون جيد. فليكن مطلبنا العاجل تحسين الأوضاع المعيشية، ووضع معايير للقيادات يتم الانتخاب على هديها، والكشف عن ميزانية الجامعة وإعطاء هيئة التدريس الحق في مناقشتها فيما يشبه جمعية عمومية في بداية ونهاية السنة المالية. وهنا يطفو سؤال... لماذا التركيز على الجامعة دون غيرها من المؤسسات. فالحكومة بها وزراء من العهد السابق، والمحافظون لم يأتوا بالطريقة التي يريدها الناس، بل ومنهم من لم تنلهم يد التغيير، ونفس الحال للأعلاميين ورؤساء البنوك وغيرهم وغيرهم. وليس معنى هذا الكلام الإبقاء على الحال كما هى عليه، فقط يجب أن يسبق قرار التغيير والتبديل فرصة للتفكير... وماذا لو فحصت بدقة الذمم المالية لرؤساء الجامعات وعلى هديها يتقرر مصيرهم. مطلوب قدر من الهدوء في الجامعة خاصة في الفترة الحالية (الامتحانات)، فالتغيير قادم لا محالة. ومطلوب قدر من الحزم مع الطلاب، والتوقف عن تدليلهم. الطلاب لا شأن لهم بنتائج الامتحانات، ولا شأن لهم بالقيادات الجامعية ولا بالأساتذة، وحسبهم إشراكهم عن طريق ممثليهم في الاتحاد في المجالس الجامعية لعرض مطالبهم للعمل على تحقيق ما يتيسر تحقيقه منها. وعلى هيئة التدريس الالتزام بالتقاليد الجامعية، ولنتخلق جميعا بأدب الثورة ولن نزيد. وعلى الوزير المسئول- رغم حيرته بين الطلاب تارة والأساتذة تارة أخرى- الانتهاء من استصدار ما يهدئ النفوس ويطيب بالخواطر ثم لتكن بعد ذلك وقفة جادة موضوعية للتغيير الشامل للنهوض بالتعليم إن أريد له أن ينهض.