جمال سلطان انتصرت أصوات الحرية أمس في مصر ، فقد نجحت وقفة القضاة واجتمع الآلاف منهم في ناديهم تلبية لنداء الوطن والواجب ، ونجحت أمس الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين في الاكتمال وإثبات الحضور ، والقارئ العام ربما لا يدرك أهمية مثل هذا الاكتمال لنقابة مهنية ، ولكن الحقيقة أن نقابة الصحفيين تمثل قاعدة مثلث الحماية للحريات في مصر ، والذي يشمل نقابة المحامين ونادي القضاة ، والذي يتأمل في المشهد السياسي المصري الراهن ، سيجد بوضوح أن الصحافة هي الرئة الوحيدة التي يتنفس منها الشعب المصري ما يمكن أن نسميه هواء الحرية ، حيث يحرم من كافة أبعاد الحرية الأخرى ، ومن ثم يكون من المهم للغاية الحفاظ على هذه الرئة حية ونابضة وجسورة ، والجمعية العمومية للصحفيين الكتلة الأكبر فيها هم صحفيو الصحف القومية المحسوبة على الدولة ، وهذا يعني أن إرادة الصحفيين الشرفاء لا تقل عنفوانا في الصحف القومية منها في الصحف الحزبية والمستقلة ، وأن توجيه سياسات الصحف القومية في يد قلة قليلة هي المحسوبة على منظومة القمع والفساد أما القاعدة فيها فهم الشرفاء ، ولقد قرأت هذا الأسبوع لرئيس تحرير إحدى المجلات القومية مقالا مروعا يستبق فيه انتفاضة زملائه من أجل الحرية ويحرض فيه على قمع الصحفيين ، ويتهمهم بقلة الأدب ، وأن مطالبهم بإلغاء قانون حبس الصحفي في قضايا النشر ليس له ما يبرره ، ثم حشد في مجلته ملفا كاملا استكتب فيه بعض ترزية القوانين وأمثالهم لكي يهاجم انتفاضة الصحفيين ، وللقارئ أن يتخيل هذه المفارقة المدهشة ، ولكن عندما نعلم أن أمثال هؤلاء لا ينطقون إلا بلسان منظومة الفساد التي تقاتل معركتها الأخيرة من أجل حماية فسادها ونهبها واستباحتها للبلاد والعباد ، حمايتها من سيف القلم الحر الأمين والجسور ، وأنها ترتعد فرائصها من كل خبر أو مقال يكشف فسادها أو يشير إلى المخبوء ، عندما نعلم ذلك فلن نندهش ، فأمثال هؤلاء لا يهمهم أصلا الدفاع عن حرية الصحافة ، لأنه لا ينطق إلا بما يمليه عليه أسياده الذين نصبوه في منصب لا يستحقه ، ويستطيعون أن يلقوا به في الشارع غدا إذا خرج عن الخط الذي رسموه له أو فقط امتنع عن نشر ما يملى عليه ، وشهيرة هي العبارة التي قالها رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة قومية شهيرة في اجتماع لقيادة الحزب الوطني عندما رفض تقديم أي تنازل للقوى الوطنية المطالبة بالحرية والديمقراطية وقال : ونتنازل ليه طالما معنا الجيش والشرطة !، ولعل القارئ أيضا لا يدرك أن القانون المطروح والذي يقاتل عنه الصحفيون اليوم لا يخص الصحفي وحده ، وإنما كل مواطن صاحب رأي كتبه أو نشره ، وإن كان الصحفيون أكثر الناس احتياجا له من الناحية العملية بحكم أن مهنتهم هي مهنة الرأي والخبر ، لأن معظم الأخبار التي ننشرها أو التقارير الحساسة يشترط المصدر أن لا ننشر اسمه أو نشير إليه ، خاصة إذا كان مسؤولا أو في منصب حساس ، وإذا حدث ونشرت اسمه فإنه لن يأتمنك على شيئ بعدها ، ولن يعطيك أخبارا ، وبالتالي لن توجد صحافة أصلا ، وإنما البيانات الرسمية عن إنجازات السيد الرئيس والسيد الوزير والسيد وكيل الوزارة وبالتالي فكان أحد أهم بنود القانون الجديد هو أن يكون على الطرف الآخر إثبات كذب الخبر ، والطريف أن القانون الحالي يوجب حبس الصحفي حتى إذا كانت المعلومات التي نشرها صحيحة باعتبار ذلك سبا ، وأما إذا كانت غير صحيحة فيكون سبا وقذفا ، وقد سجن مجدي حسين وصلاح بديوي بسبب حملتهم التي كشفت وقائع الفساد في وزارة الزراعة ويوسف والي مدعمة بمئات الوثائق الرسمية ، وبعد ذلك بعدة سنوات تم تقديم قيادات وزارة الزراعة للمحاكمة بتهمة الفساد ، وكانت وثائق جريدة الشعب هي نفسها وثائق الاتهام في القضية . [email protected]