صرح الرئيس مبارك للرؤساء تحرير الصحف المرافقين له في جولته الخليجية الأخيرة بأن الإدارة الأمريكية باتت مقتنعة برؤية النظام المصري حول الإصلاح. ومع أننا لدينا برنامج عمل محدد قدمه السيد الرئيس عندما ترشح للرئاسة للمرة الأولي ومع برنامج آخر للحكومة الثانية للدكتور أحمد نظيف انبثق من برنامج الرئيس الرئاسي إلا أنه ليس لدينا جدول محاسبة واضح لمراجعة ما يتم تنفيذه من البرنامجين الهامين. تأتي أهمية البرامج المعلنة أنها هي الوثائق الوحيدة لدينا لمراجعة الحقائق على الأرض.وترتفع أحيانا أصوات قوية من داخل النظام لتبين حاجة الحزب الوطني نفسه إلى آلية للمحاسبة والمراجعة. فها هو صوت د. زكريا عزمي في لقاء اليوم الواحد للحزب الوطني يؤكد أن الحكومة لم توفر فرصة عمل واحدة خلال الشهور الستة المنصرمة على انتخاب السيد الرئيس بينما هي مطالبة بأن توفر آلاف الفرص من العمل ( 400 ألف فرصة سنويا على الأقل ) ونسي الدكتور عزمي أن الحكومة تسببت بسياستها العشوائية في معالجة أزمة أنفلونزا الطيور إلى إضافة مئات الآلاف إلى صفوف العاطلين عن العمل فلم تكتف بعدم توفير فرص العمل بل نجحت باقتدار في زيادة أعداد البطالة. وارتفعت أصوات أخري مثل د. أسامة الغزالي حرب ، ود. حسام بدراوي داخل لجنة السياسات الهامة تعترض على بعض السياسات والإجراءات والفساد. فهل نشهد خلال الأسابيع القادمة خروج البعض من الحزب واللجنة إلى فكرة تترد بإلحاح وهي تأسيس حزب سياسي جديد ينتهج الليبرالية. *** لدينا ما يدعونا إلى المزيد من القلق 1 حماية الفساد والمفسدين نرصد هنا : - كارثة العبارة الغارقة ، وسفر صاحبها إلى الخارج بأمان والجدل حول التعويضات المقررة للضحايا. - سفر إيهاب طلعت قبل أيام من صدور حكم بالسجن عليه . - مد المجالس المحلية لمدة عامين في صورة مكافأة لمفسدي المحليات. الهروب من الاستحقاقات الانتخابية التي من المفترض أن تضخ دماء جديدة في الحياة السياسية والنقابية. - تأجيل الانتخابات المحلية خوفا من ضياع النفوذ التقليدي للحزب الوطني ، وخشية توافر شرط جديد من شروط المادة 76 للترشيح لمقعد الرئاسة. - الالتفاف حول قرارات الجمعية العمومية غير العادية لمهندسي مصر والتي حضرها ألوف المهندسين واتفقوا فيها على رفع الحراسة عن النقابة وإجراء الانتخابات وشكلوا لجنة سباعية لمتابعة تنفيذ لقرارات فخرج السيد الوزير بإيعاز من أجهزة الأمن التي تدير الشؤون السياسية والنقابية ليصرح بعدم الاعتداد بالقرارات الهامة. - عدم الالتزام بالقانون سيء السمعة ( 100 ) للنقابات المهنية رغم الاعتراض عليه ، فمع ذلك لم تجر الانتخابات النقابية في ضم النقابات مثل الأطباء والصيادلة والبيطريين والعلميين وأطباء الأسنان والتجاريين وغيرها بينما تجري في عدد محدود جدا مثل الصحفيين والمحاميين على أمل أن تنجح الحكومة فإذا بها تفشل دائما. حتى في نقابة المعلمين أو نقابات العمال تهرب الحكومة وحزبها من مواجهة الاستحقاقات الانتخابية. ويتم تشويه صورة الإخوان عندما يشاركون في انتخابات النوادي الاجتماعية والرياضية. - مواجهة القضاة الشرفاء ونادي القضاة ، والالتفاف حول قانون السلطة القضائية وعدم إطلاع الرأي العام فضلا عن القضاة المعنيين عليه وكأنه قانون سري لا يهم المجتمع المصري. وكانت ذروة ذلك بتحويل رموز القضاة إلى التحقيق ثم التراجع بانتداب قاضي للتحقيق ثم الإصرار بزيادة أعداد المحولين والسير في إجراءات التحقيق مما يعني الارتباك والاضطراب في التعامل مع سلطة هامة وخطيرة من السلطات الرئيسية الثلاث في أي بلد ديمقراطي. وكان الخطر يأتي في استخدام النيابة العامة عبر سلطة النائب العام الذي يعينه رئيس الجمهورية بترشيح من وزير العدل في صراع السلطتين التنفيذية والقضائية واستدراج السلطة الثالثة التشريعية لتكون طرفا في صراع هام حول " استغلال القضاء". - صدر حكم قضائي بحبس الصحفي عبد الناصر الزهيري سنة ثم تراجع الوزير السابق محمد إبراهيم سليمان في صلح سعي إليه وزراء حاليون وسابقون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من وعود الرئيس التي صدرت قبل عامين في المؤتمر السنوي لنقابة الصحفيين. ويبقي القانون بمواده الكثيرة في العديد من التشريعات سيفا مسلطا على رقاب الكتاب والصحفيين حيث تتكرر عقوبة الحبس في قضايا النشر في مصر بينما نري قانونا جديدا يصدر في الكويت قبل أيام يحقق آمال الشعب الكويتي في حرية الرأي والتعبير في مطلبين يسعى المصريون إليهما منذ عقود وهما : - حرية إصدار الصحف دون شروط تعجيزية. - ضمان حرية الرأي بعدم حبس الصحفيين والكتاب في قضايا النشر إلا بعد حكم قضائي و كما قرأنا في الصحف لعل مراجعة تأتي لتستبدل التعويض والغرامة بالحبس نهائيا بينما لدينا يحبس الصحفي احتياطيا أيضا. *** ثم كانت الحملة الأخيرة على الإخوان المسلمين باعتقالات تصاعدت من القبض على سبعة إخوان أثناء لقاءهم السلمي للتشاور حول دور القطاع الطلابي في مواجهة كارثة أنفلونزا الطيور وتخفيف آثارها على المجتمع المصري ( الجمعة ) ثم كانت المفاجأة أن أهم المقصودين هو المهندس عبد المجيد مشالي رئيس مجلس إدارة شركة آي تو ( I2 ) لأجهزة الهاتف المحمول والعضو المنتدب لها وهي شركة استثمار مشترك ( 70% خليجي عربي 30 % مصري ) وقد دخلت السوق المصري منذ سنتين تقريبا ونجحت في منافسة شركتين كبيرتين تستحوذان على السوق تقريبا هما ( راية ) ، و ( رينج ) ، واقتطعت من السوق حصة تبلغ 25 % تقريبا في مدة قياسية. وسارعت أجهزة الأمن إلى إغلاق المقر الرئيسي للشركة وفروعها المنتشرة في بعض المحافظات وتناثرت اتهامات متطايرة أن الشركة واجهة لاستثمار أموال الإخوان ثم تزايد الارتباك لنقرأ في صحف الثلاثاء أن هناك اتهامات جاهزة للإخوان بإعداد شباب وتدريبهم للسفر إلى المناطق الساخنة في العراق وغيرها للقتال هناك ضد الاحتلال الأمريكي ، وهذه الاتهامات كانت جاهزة قبل عامين تقريبا في قضية الرأي المشهورة والتي تعرض فيها أكثر من 17 للتعذيب البشع في المقر الرئيسي لجهاز مباحث أمن الدولة في مدينة نصر ثم مات الأخ المهندس أكرم الزهيري بسبب الإهمال في الرعاية الصحية والتشديد في المعاملة داخل السجن بمنع الاتصال والرعاية والزيارة وتمت مصادرة عدة ملايين من أموال الإخوان ثم انتهت إلى الإفراج عن الجميع قبل عيد الأضحى بكفالات عالية جدا. تصاعدت الحملة لتشمل القبض على عضو مكتب الإرشاد أ. د. رشاد البيومى ( 70 عاما ) أستاذ الجيولوجيا المتفرغ والمتميز بجامعة القاهرة ، ولعل السبب في انتقائه شخصيا آخر مقالين كتبهما تعليقا على حوار السيد جمال مبارك مع جريدة يومية تحت عنوان " لا يا سيد جمال " كانت لهجتها شديدة وحادة لعل البعض رأي أنها لا تليق بخطاب شخص في وزن السيد جمال مبارك. حتى الآن الحملة وصلت إلى 17 من الإخوان : الكثير منهم كان القبض عليه انتقائيا في صورة انتقام مخزون في صدور بعض الضباط من سنوات. *** هناك ظواهر أخري لا شك تدعو إلى قلق متزايد حول برنامج الإصلاح في مصر والجدول الزمني المقترح له، الذي أريد أن أقوله : إن الإصلاح أصبح مطلبا شعبيا بالأساس وليس حاجة ملحة للنخب السياسية والفكرية، وليس لضغوط من الخارج. وإذا نجحت القوي الشعبية وفي مقدمتها الإخوان المسلمون وحركة كفاية وحركات التغيير والضغط في أوساط القضاة والصحفيين وأساتذة الجامعات والطلاب والنقابين في الانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل لزيادة الضغط وتواصله بهدف الالتحام بالمزيد من القواعد الشعبية الزاهدة في النشاط العام ، فلعل مصر تكون على أبواب مرحلة جديدة من التغيير. عجلة التغيير بدأت في الفعل وإرهاصات التغيير تلوح في الأفق ولعل ذلك ما يدعو أنصار " بقاء الأوضاع على ما هي عليه " داخل النظام للارتباك والاضطراب وتصعيد الحملة ضد دعاة الإصلاح وقوي التغيير قد نشهد في المستقبل القريب سيناريوهات متعددة: - سيناريو متفائل يحقق آمال المصريين في تثبيت شرعية جديدة لنظام الحكم عبر : توافق وطني عام واتفاق على معالم رئيسية لنظام جديد يحقق تداول السلطة في انتخابات دورية حرة ونزيهة أهم معالم ذلك هو : 1- إلغاء حالة الطوارئ وعدم تقديم قانون جديد للإرهاب كما وعد السيد جمال مبارك أخيرا 2- استقلال حقيقي للقضاء عبر قانون جديد وهو ما لم يتطرق إليه السيد جمال في تصريحات للأهرام الثلاثاء 8-3. 3- حرية تشكيل الأحزاب دون قيود من السلطة التنفيذية . 4- حرية الصحافة والإعلام وحرية الحصول على المعلومات. 5- برلمان حقيقي يوازن السلطة التنفيذية المتوحشة. شرط هذا السيناريو 3 أمور : أ- نجاح التيار الإصلاحي داخل الحزب الوطني لإعلاء صوت العقل والمصلحة الوطنية على سدنة وكهنة بقاء الأوضاع على ما هي عليه المستفيدين من تحالف الاستبداد والفساد. ب- تقوية الجبهة الوطنية من أجل التغيير وتفاعلها لتمثيل غالبية القوي الراغبة في التغيير. ج – زيادة الاهتمام الشعبي وجذب قطاعات الشباب إلى قوي الإصلاح والتغيير سيناريو متشائم : هو نجاح تحالف الاستبداد والفساد في تصعيد الأزمات ضد قوي التغيير وبث الفرقة فيما بينها مثلما نجح في ضم قيادة حزب التجمع للنظام خلال العقدين الماضيين ونجح في تجميد أحزاب العمل والأحرار والغد وحجب أحزاب الكرامة والوسط . ويحاول الآن إرهاب القضاة والصحفيين. هذا السيناريو يقود البلاد إلى فوضي مدمرة لا خلاقة ولا بناءة وشرط نجاحه هو : - دعم خارجي مشكوك فيه يمثل له غطاء سياسيا. - فرقة داخلية بين قوي التغيير وإعلاء التناقضات الثانوية على التناقض الجوهري ضد الفساد والاستبداد. - انصراف الشعب إلى همومه اليومية المتزايدة. سيناريو وسط : يهدف إلى كسب الوقت فقط انتظارا لحدوث معجزات لا تأتي وهو محل اتفاق بين فريق وطني داخل النظام يريد التغيير ولكنه يخشى من عدم وجود بديل قادر على قيادة سفينة الوطن وفريق خارج المؤسسة يعمل من أجل التغيير ولكنه يفتقر إلى السند الشعبي ولا يريد أن يتعاون في إطار الجبهة الوطنية من أجل التغيير. السبب في ذلك التردد في الاقتناع بصدق نوايا الإخوان المسلمين وعدم فهم برامجهم وخططهم للمستقبل ، والخشية من ردود الفعل الدولية على زيادة نفوذ الإخوان المسلمين في المعادلة السياسية هناك مزيج بين تلك السيناريوهات يمكن تركيبها لاستخراج المزيد. لكني يملؤني الأمل أن اليوم أفضل من الأمس وأن الغد يحمل لنا المزيد من الإصلاح والتغيير هذه سنة الله تعالي ولن تجد لسنة الله تبديلا.