سألني أحد المعقبين الأقباط: لماذا لا نجرب الحوار مع الكنيسة؟!.. السؤال بالتأكيد كان برئيا وعفويا ومن منطلق الانطباع الذي استقر في الوعي العام بشأن مركزية الكنيسة داخل الجماعة القبطية المصرية. والسؤال كان موجها بشكل شخصي.. فيما افترض وجود شكل من أشكال الوصاية ل"المصريون" على الرأي العام.. وهذا غير صحيح فالدور الذي نزعمه هو "تنويري".. ولا ندعي امتلاك الحقيقة، فما نقوله نعتقد بأنه صواب ولكن يحتمل الخطأ .. ورأي غيرنا ربما يكون خطأ يحتمل الصواب.. فتدفق الآراء المتباينة متروك للفرز وفق مستويات الوعي الجمعي المصري ودرجاته. غير أن الكلام عن الحوار مع المؤسسات الدينية بشأن "حقوق" الطوائف، يعتبر منحى ظلاميا" يفترض وصاية هذه المؤسسات على "المواطن".. أو أن الولاء المللي مقدم على الولاء للوطن.. أو البلد تعيش عرفيا وفق "محاصصة" بين المؤسسات المللية.. وأن لكل مؤسسة كلمتها على أتباعها.. حيث لا يعتبر هذا الافتراض "ظلاميا"وحسب، وإنما يؤسس للعودة إلى مرحلة "ما قبل الدولة".. وهي الوعاء الأكثر تقدما وحداثة من دولة "الطوائف" التي ربما نعود إليها، حال وضعنا "الكنيسة" موضع المسؤول عن الأقباط وليس الدولة.. ومن ثم فلا يجوز الحوار إلا معها بشأن الملف القبطي. مشكلة الأقباط الذين استظلوا تحت الكنيسة الشنودية، أن الوعي "الطائفي" لديهم بات هو الأعلى عن الوعي ب"المواطنة".. على نحو جعل القبطي يستبطن بوعي وبغير وعي علاقته بالكنيسة وسلطتها الأبوية القهرية .. حال شرع في تأسيس علاقة ما مع "الأزهر".. وهو الذي بدت تجلياته واضحة بشكل مثير للدهشة، عندما "قبل" نجيب ساويروس يد شيخ الأزهر.. وطلب منه "حماية " الأقباط من المسلمين! ساويروس في تلك اللحظة تكلم مع شيخ الأزهر.. وصورة البابا "الامبراطوري" و"السلطوي" في رأسه.. وهو الانطباع الذي تشكل في الوعي القبطي من الخبرة المسيحية المصرية مع "كنيسة" ما بعد عام 1972 ولا زالت حاضرة حتى اليوم.. رغم أن العلاقة بين "المسلمين" و"الأزهر" ليست علاقة "سلطة" لعدم وجود تراتيب كهنوتية صارمة في الإسلام أساسا.. وإنما هي علاقة "توتر" دائم بسبب صراع الأنظمة السياسية المتعاقبة مع المسلمين على "ولاء" الأزهر.. والتي كانت عادة تُحسم لصالح الأولى.. وهي النتيجة التي كانت تنعكس سلبا على منزلة الأزهر سواء على صعيد "الصدقية" كمرجعية علمية وبالتبعية على صعيد سلطته الاعتبارية التي يستقيها من توقير الناس له. الخلاصة هنا أن الحوار لا يكون مع المؤسسات الدينية، حتى لا نقع في مأزق التأسيس للولاء الطائفي.. لأن "الاستقواء" الحقيقي.. ليس بالمؤسسات الدينية كما يفعل المسيحيون.. وإنما بالجماعة الوطنية المصرية.. وإذا كان ثمة مشاكل طائفية موجودة فعلا فإنها تحل عبر تعزيز دولة القانون.. وليس من خلال دولة الطوائف كما حاول أن يرسم صورتها في الانطباع العام نجيب ساويرس عندما قبل يد شبخ الأزهر وطلب منه وليس من الدولة حماية الأقباط. [email protected]