مع التحولات الفكرية للعديد من التيارات الإسلامية، بات واضحا التوجه نحو العمل السياسي السلمي، كذلك التحول من العزلة للعمل السياسي. فمع التطورات السياسية، والتغير في المناخ الدولي، أصبحت فكرة التغيير بالقوة تخسر أتباعا كل يوم، كما أصبحت فكرة اعتزال العمل السياسي، تخسر أتباعا، وإن كان بوتيرة أبطأ. ومعنى ذلك عدم جدوى فكرة تغيير النظم الحاكمة بالقوة، وعدم جدوى العمل الدعوي الذي يبتعد عن السياسة أو يحرم العمل بها. وربما يرى البعض أن ترك فكرة التغيير بالقوة ناتج عن المواجهات الأمنية، ولكن الأصح هو فشل منهج التغيير بالقوة، لأنه نهج يؤدي لمواجهات مسلحة، ليس مع الحاكم فقط، بل مع المجتمع ككل. والنتيجة المحصلة، كانت خسارة على جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعة التي تتبنى هذا النهج، وكذلك عامة الناس. لهذا فشل منهج التغيير بالقوة، لأنه ببساطة لا يؤدي للتغيير، قدر ما يؤدي لنتائج سلبية على الأمة نفسها، وهي المعنية أصلا بالتغيير. وفي المقابل سنجد العديد من التيارات الإسلامية التي تحاول الابتعاد عن العمل السياسي، وترى أن العمل السياسي يشوه الحركة الإسلامية، وكأن السياسة لا يمكن أن تكون نظيفة. وتلك الحركات مثل الحركة السلفية في مصر، تعتمد على العمل الدعوي لتغيير الناس ونشر فكرتها، وتتجنب الخوض في غمار العمل السياسي، بما في ذلك تجنب الاشتراك في الانتخابات النيابية. والحاصل مع مرور الوقت، أن مثل تلك الحركات تكتشف أهمية التغيير في المجال السياسي، لأنه المجال المؤسس للنظام العام والدستور والقانون. والناظر لحال الحركات الإسلامية، يرى أنها تتحرك بعيدا عن العمل المسلح، وبعيدا عن اعتزال العمل السياسي، للتجمع في الوسط حول منهج العمل الدعوي السياسي التدريجي السلمي، وهو منهج جماعة الإخوان المسلمين، والتي قامت عليه وحافظت على تمسكها به. وتلك الصورة تؤكد فاعلية العمل التربوي الدعوي، وفاعلية التغيير السياسي السلمي، رغم صعوبة تحقيق التغيير في المجال السياسي بسبب الأنظمة السياسية المستبدة، والتي تحكم معظم الدول العربية والإسلامية. وربما يكون من أهم مزايا نهج التغيير السياسي السلمي، أنه لا يؤدي إلى توتر العلاقة مع المجتمع، أي عامة الناس، وإن كان توتر العلاقة مع الأنظمة الحاكمة يظل سائدا. وذلك لأن الأنظمة الحاكمة تعلم ضمنا، إمكانية وصول الحركات الإسلامية المعتدلة إلى الحكم، عبر صناديق الاقتراع. لهذا تتعامل الأنظمة الحاكمة مع التيار الإسلامي السلمي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، باعتباره بديلا محتملا، لذلك تحاول تحجيم فرص وصوله للحكم من خلال الحصار الأمني. وفي الانتخابات البرلمانية المصرية، في عام 2005، لوحظ وجود دعم جماهيري لجماعة الإخوان المسلمين، وجاء جزء من هذا الدعم من المنتمين لحركات إسلامية غير الإخوان، ومنهم السلفيون. وكانت دعوة القيادي البارز عبود الزمر من داخل محبسه، لدعم مرشحي الإخوان، لحظة فارقة في العلاقة بين التيارات الإسلامية في مصر. وبعد سنوات من المواجهات الفكرية والشعبية بين الجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين، نجد تحولا في اتجاه التوافق متمثلا في قبول العديد من التيارات لنهج الإخوان، والذي رفض في السابق وأعتبر نوعا من المهادنة. ولا نتصور تفويت هذه اللحظة التاريخية، والتي أصبح فيها السلاح في مواجهة العدوان العسكري، كما في فلسطين والعراق وأفغانستان، وأصبح العمل السياسي أداة التغيير في الداخل. فالسلاح في مواجهة العدو الخارجي، والعمل السياسي السلمي في مواجهة التدهور الداخلي، ولا نقول العدو الداخلي. وبهذا أصبح منهج العمل يجمع، بعد أن كان يفرق. والأمر لا يقتصر على منهج العمل، لأن منهج العمل يعبر عن رؤية للواقع، وتغير منهج العمل يعني تغير رؤية الواقع. والقدر الواضح من الاتفاق في منهج العمل، يعني أيضا أن الحركات الإسلامية المصرية، وتلك العربية والإسلامية، أصبح لها رؤية مشتركة للواقع الراهن في البلاد العربية والإسلامية. وتغير رؤية الواقع يترتب عليه تغير العديد من الأفكار الجوهرية في فكر الحركات الإسلامية. فإذا كان التغيير بالقوة يقوم على تكفير الحاكم، فإنه بالتالي يفتح باب التكفير ليشمل قطاعات واسعة من الناس، حتى يصل بنا لتكفير المجتمع كله. وعندما تتغير الأفكار وتتجه نحو العمل السياسي السلمي، تنتهي دائرة التكفير الجهنمية، والتي لا تتوقف في المعارك المسلحة، إلا بعد أن تشمل الجميع. لهذا نرى كيف تتحول الأفكار مع تغير منهج العمل وتغير رؤية الواقع، وتتشكل لدينا رؤية تقوم على أهمية تغيير الواقع الراهن بالأدوات السلمية، والتي تعتمد على الدعوة والنضال السلمي. مجمل تلك الصورة توضح إلى أي حد تقاربت المسالك بالحركة الإسلامية، بعد تباعد طويل. وهنا نتساءل في مصر خاصة، لماذا لا تتعاون الحركات الإسلامية؟ وفي تعاونها وتحالفها قوة لها، وفيه أيضا ما يفجر القلق للنظام الحاكم. والجواب يبدأ بالحساسية الشديدة لدى الحركات الإسلامية، حساسية مفهومة عندما اختلفوا على منهج العمل بين السلمي والعسكري، وحساسية مازالت موجودة حتى الآن. والسبب الرئيس فيها، هو الاهتمام بتأكيد الاختلاف في ما بينها، لأن التشابه يسمح بانتقال الأعضاء بين تلك الجماعات، وتأكيد الاختلاف يهدف للفصل بين التنظيمات وتحديد العضوية. ولا توجد جماعة ترحب بانتقال أعضائها منها لجماعة أخرى. ولهذا فالأسباب مفهومه، ولكن الوضع الراهن يشير بوضوح لأهمية التعاون، لأنه وسيلة مركزية للضغط على النظام الحاكم، فهل يقوم تحالف إسلامي في مصر، وهل تتبنى فكرته الجماعة الأم، أي جماعة الإخوان المسلمين؟ [email protected]