دائمًا ما ينعت اليمنيون وغيرهم من العرب والمسلمين بلاد اليمن بأنها "اليمن السعيد"، حتى أنه لا يكاد يُطلق اسم هذا البلد العربي المسلم، إلا وكان مصحوبًا بوصفه السعيد. اليمن السعيد، وهو يدخل شهره الثالث في ثورته المباركة على نظامه الاستبدادي، حتمًا سيظلُّ كذلك، مهما طالت فترة بقاء الرئيس الاستبدادي علي عبد الله صالح في الحكم، ومهما استمرَّ صلفه وكبرياؤه، مما جعله لم يعد يهتمُّ بمطالب شعبه، بل ويثخن فيهم القتل والجراح بكل قسوة واستبداد. وكعهْد سالفيه زين العابدين بن علي وحسني مبارك، فإن صالح لا يزال يردِّد نفس الخطاب، "اختاروا بيني وبين الفوضى"، وبهذا الخطاب ينظر المستبدُّون إلى أنفسهم على أنهم دعاة استقرار، وأن ما سواهم هو الفوضى والخراب. على هذا النحو يفهم النظام اليمني استمراره في الحكم، وهو الذي ظلَّ طوال الأسابيع الماضية يُذيق شعبه العديد من ويلات الثبور والهلاك والقمع والإذلال، عن طريق العمليات العسكريَّة، حتى أصبحت دماء اليمنيين حاليًا مستباحةً بكل معاني الكلمة لصالح ونظامه، ولا أدل على ذلك من تلك المجازر التي يرتكبها هذا الجزار وزبانيته في أنحاء مختلفة من عموم اليمن، حتى صارت هذه الدماء الطاهرة أرخص ما يكون عند هذا النظام البائد. ومن ساعة إلى أخرى، بل من دقيقة إلى غيرها، ونظام عبد الله صالح يثبت أن استمراره هو الخطر الأكبر على اليمن، وأن رحيله أصبح واجبًا وطنيًّا عليه أن يستجيب له، إذا كان هو حريصًا على وطنه، أم إذا كان حريصًا على مصالح غيره، فله ذلك، ولكن عليه أن يترك اليمن، فهي ليست ملكيته الخاصة ليتحكم في حكمها وقتما شاء، وينفذ من خلالها "أجندة" غربيَّة، كيفما شاء. هذه العمالة أصبحت واضحة للغاية في أن صالح كما سبق وقال لا يريد السلطة –وهو في ذلك كاذب غير صادق- "فالسلطة لم تعد غنيمة، فقد زهدنا فيها"، ولكن من يتحفظون على تخلِّيه عنها لهم رأيٌ آخر، يجد منها دعمًا، فيجعله متمسكًا بتلابيبها، وذلك لحرص الدول الكبرى على استمراره في الحكم، وخاصة الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة. وهنا نقف عند الفارق في الموقف الأمريكي بين دعمه المطلق لنظام علي عبد الله صالح، وبين موقفه المغاير من نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك، خاصة في الساعات الأخيرة من حكميهما، ومعهما تاليًا نظام الفاسد العقيد معمر القذافي، وما تمارسه أمريكا ضدّه من مناورات، تستعصي على كل من لا يفهم ازدواجيَّة المعايير التي تمارسها القوى الكبرى ضد أنظمة الحكم العربيَّة المستبدَّة. والواقع، فإن الناظر إلى ممارسات الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة في اليمن، يجدها تتدخل في شئونها على نطاق يخدم مصالحها، وهو الأمر الذي اتسع كثيرًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتدخلها السافر لتصفية عناصر وقيادات تنظيم القاعدة، حتى أصبحت اليمن السعيدة تلوثها هذه التدخلات الأمريكيَّة السافرة، ثم تدعي بعد ذلك أمريكا أنها لا تتدخل في الشئون الداخليَّة للدول. علاوة على ذلك فإن الولاياتالمتحدة تدرك أن طبيعة اليمن وما تتسم به من قبليَّة مسلَّحَة يمكن أن تمنح الجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة أرضيَّة خصبة للانطلاق، ولذلك فإن أنسب من يقمعها هو نظام علي عبد الله صالح. من هنا يمكن فهم تصريحات المتحدث باسم الخارجيَّة الأمريكيَّة، والتي يؤكِّد فيها أن "الحكومة اليمنيَّة لا تزال قائمة"، عكس ما وجَّهَه لنظام القذافي بأن "عليه أن يرحل"، وما ناور به من قبل مع حسني مبارك، بين التلويح بالاستمرار في المنصب، أو"الرحيل اليوم، وليس غدًا"، تم تراوغه بعد ذلك، "عليه تحقيق إصلاحات عاجلة"، حتى ظهر تناقض في الخطاب بين إدارة البيت الأبيض ووزارة الخارجيَّة. ومن أجل الدور الذي يؤديه وبقوة للأمريكيين، فإن البيت الأبيض لا يودُّ الرحيل لصالح، حتى لو رغب الشعب اليمني في ذلك، حتى لو قتل الكثيرين منهم، فالمهم هو بقاء صالح في الحكم، لحين إجراء ترتيبات جديدة، يمكن أن تضمن سلامة المصالح الأمريكيَّة في قمع أي تواجد للقاعدة على أرض اليمن، خاصة لما تظنُّه أمريكا من أن أي نشوء أو تطور للحركات الجهاديَّة في اليمن، يمكن أن يؤثر على مصالحها في المنطقة، خاصة مع التطورات الجارية حاليًا في العالم العربي، وتأثيرات ذلك على المستقبل الاستراتيجي لها في المنطقة. ومن هنا، فإن أمريكا لا ترغب في أن تضحي بمزيد من أنظمتها الاستبداديَّة بعدما فقدت عميلها الأبرز حسني مبارك، أو وفق ما يصفه الإسرائيليون بالكنز، ولذلك فهي حريصة على ألا تخسر مزيدًا من أمثال هؤلاء المستبدِّين، في الفترة الراهنة على الأقل. علاوة على ذلك، فإن الولاياتالمتحدة حريصة على عدم زعزعة استقرار الحكم في دول الخليج العربيَّة، وتهديد دولة حليفة لها مثل اليمن، لما سيكون في حال زعزعة استقراره، وانهيار نظام حكمه من انعكاسات سلبيَّة على مصالح أمريكا في هذه المنطقة، التي صارت مهدَّدة بفعل الثورات الشعبيَّة. ولكن حتمًا سيكون رأي الشعب بإرادة ربه هي النافذة في تحقيق مطلبه، حتى لو أثخن صالح في اليمنيين الكثير من الدماء، فحتمًا سيكون اليمن سعيدًا، وسيظل كذلك.. وأبدًا لن يكون تعيسًا، كما يروِّج لذلك صالح وأعوانه. المصدر: الاسلام اليوم