من الضروري أن يفرض الجيش سلطة الثورة والتي تعني في المقام الأول التصرف السريع والحاسم ضد الفوضى وتحدي هيبة الدولة. لقد رأينا في الفترة الماضية استهانة بهذه الهيبة في ظل الخلط بين أجواء الديمقراطية والحرية، وبين مواجهة العبث بأمن الناس واستقرارهم واشاعة أجواء الرعب والفزع. ما حدث أمس الأول من هجمات طائفية لا مبرر لها يوضح بجلاء أهمية ما نتحدث عنه، فقد اغتر البعض بالموقف اللين الذي يجدونه من السلطة المسئولة عن الشارع حاليا، فالمجرمون يتحركون بلا رادع، والشرطة تركت أماكنها وتمتنع عن العودة لواجبها الذي تقبض مرتباتها من أجله بلا رادع أيضا، والمظاهرات الفئوية تنطلق في كل اتجاه. من لا يعجبه وزير يتظاهر لخلعه. ومن لا تعجبه وزارة يتظاهر لالغائها أو لفصلها عن وزارة أخرى. حتى المدارس يتظاهر تلاميذها لتعديل المناهج أو تغيير المعلمين أو لأي سبب! سلطة الثورة تعني التصرف الحازم والقاسي إذا احتاج الأمر لتهيئة الأجواء الصحية لعملية التغيير، إذا كان الجهة المسئولة عن فرض هذه السلطة جادة وتملك رؤية سياسية للعبور بالوطن والمرحلة إلى الشاطئ الآمن. على سبيل المثال اخلاء الجيش أمس للجزيرة الوسطى المقابلة لمجمع التحرير من الخيام والمعتصمين عمل كان يجب أن يتم بمجرد سقوط وزارة شفيق وتولي الدكتور عصام شرف لمنصبه، خصوصا أنه ثبت بعد ذلك أن هذه الخيام بمعتصميها ليست قوة ضاغطة مؤثرة، فعددهم لا يتجاوز العشرات، وكل ما يفعلونه حاليا هو افتراش أرض الخيام نهارا، والتحول ليلا إلى مقهى مجاور منصوب في طرقات شارع متفرع من شارع شمبليون لتدخين الشيشة المشتركة بين شابات وشباب، وقد قضيت بعض الوقت معهم فلم أجد لهم طلبا محددا. القوة الضاغطة تحولت إلى الشعب كله في أي مكان من مصر، فقد انتقل تماما من حالة الخوف إلى حالة الثورة وفرض مطالبه المشروعة عندما يجد الأمر يحتاج إلى ذلك، وهذا ما رأيناه يومي الجمعة والسبت الماضيين عندما اقتحمت جموع الشعب إلى مقار أمن الدولة في كل المدن والمحافظات دون أن تنطلق من ميدان التحرير. شباب مخيمات الجزيرة الوسطى يريدون دستورا جديدا الآن لأنهم يفهمون أو هكذا قيل لهم إن الدستور المعدل والذي وصفه المستشار طارق البشري بأنه مؤقت للانتقال فقط من هذه المرحلة الانتقالية، دستور دولة دينية بسبب المادة الثانية، وهو الشعار نفسه الذي حمله المعتصمون المسيحيون في ماسبيرو، وقد جاءوا بداية بحجة حرق كنيسة "اطفيح" ثم ظهرت حقيقتهم عندما وضح أن أربعا من قيادات منظمات أقباط المهجر وصلوا خصيصا من الخارج ليقودوا ذلك الاعتصام ويعلنوا رفضهم انصراف المعتصمين في تعنت وتحد واضح لهيبة الدولة. سلطة الثورة يجب استخدامها في فض التجمعات الطائفية بالقوة لأنها أخطر ما يكون على أمن الوطن ووحدته، خصوصا أننا نشك بشدة بسبب وجود القيادات القبطية الخارجية الأربع على رأسها، وفي علاقتها بفلول النظام السابق التي لن تستسلم بسهولة. وسلطة الثورة يجب فرضها على اعادة الشرطة إلى أماكنها وإلا تقديم رجالها للمحاكمة العسكرية التي يمكن أن تصل إلى فصلهم من الخدمة، وأي غفراء نظاميين يمكنهم القيام بالدور الأمني بدلا منهم وبنجاح كامل. تستطيع القوات المسلحة في أيام معدودة بامكانياتها تحويل المليون ونصف مليون من جنود الأمن المركزي وهم مجندون في الأساس، إلى عساكر درك تشبه عسكري الدرك زمان الذي كان صوته الجهوري يهز أعتى المجرمين والبلطجية. سلطة الثورة يمكنها أن تخرج عدة دفعات من كلية الشرطة مبكرا عن موعدها لملء الثغرات الأمنية في الشارع، ولابد لهذه السلطة أن تمنع المظاهرات الفئوية وإلا يتعرض القائمون بها للفصل من العمل، فنحن الآن في مرحلة إنتقالية لها قانونها الخاص الذي يجب تطبيقه وبغيره سنظل محلك سر وستفلت الأوضاع وتضيع الخيوط وتتفكك الدولة. سلطة الثورة معناها محاكمات سريعة للفساد والفاسدين، ومنع أي من رموز النظام السابق من العمل، فليس معقولا أن نفاجأ قبل يومين بزكريا عزمي يتصل ببرنامج على الهواء للزميل الإعلامي جمال عنايت ليخبره بأنه ما زال على رأس عمله ولكنه يعمل تحت رئاسة المشير، أي أن الرجل الثاني بعد مبارك أو "ظله" على حد تعبير زميلنا الصحفي المتألق والجرئ وائل قنديل مدير تحرير الشروق، ما يزال رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية، بل إن قنديل صدمنا وأوجعنا بمفاجأة كارثية، فقد اكتشف أن عزمي يوقع قرارات تعيين وتنقلات السفراء بجانب توقيع المشير، لدرجة أن قرارات كانت موقعة من حسني مبارك وزكريا عزمي، تم إعادة اعتمادها بعد رحيل مبارك من السلطة. والتغيير الوحيد أن المشير قام بالتوقيع بدلا منه، فيما وقع زكريا عزمي إلى جانبه، مما أدهش السفراء الذين تخصهم تلك القرارات! إنني لا أفهم سبب ابقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة على زكريا عزمي في منصبه رغم كتل الفساد والاتهامات الغارق فيها، وما علاقة زكريا عزمي بالقرارات البطيئة التي تثير الشعب وتشككه في الأحوال، وهل القرارات تصدر منه في الحقيقة باعتباره الرجل السياسي بين العسكر حاليا؟! إذا كانت هذه الشكوك صحيحة فمعناها أن زكريا عزمي (ظل حسني مبارك) هو الحامي لسيده حتى هذه اللحظة وهو المانع للتغيير السريع والفعال،والمشجع للمظاهرات الطائفية أو المحرض عليها، والسبب في الوزراء الذين أبقى عليهم شفيق قبل تغييره رغم رفض الشعب لهم، وفي بقاء بعض الوزراء من عهد مبارك في وزارة عصام شرف! تأكدوا أن سلطة الشعب لن تقبل الالتفاف عليها بأي وضع أو شكل.. وسلطة الثورة القاصمة الجبارة هي التي ستنقلنا إلى المرحلة الانتقالية، وبدونها فاننا سنشك في كل فعل وبطء ومهادنة وطبطة. [email protected]