أخيرا .. صدر قرار النائب العام ظهر الاثنين 28 فبراير 2011، بالتحفظ على ممتلكات مبارك وأسرته ومنعهم من السفر، وهو قرار تاريخى بكل المقاييس، فبجانب أنه يعيد للقضاء المصرى شموخه الذى شوهه النظام الفاسد، بث الطمأنينة فى نفوس كل المصريين. قرار النائب العام صدر متأخرا، بشكل أعطى للرئيس المخلوع فرصة ليقوم بتحويل جل ثروته لمناطق آمنة (!!) وعدة دول أخرى قريبة لا تخضع لأى رقابة دولية، لأنها محكومة بنظم فاسدة لا تقل عن العهد المباركى الفاسد، فقد بدأت البلاغات ضد مبارك تتوالى على مكتب النائب العام من يوم 9 فبراير قبل خلعه، ولم يلتفت لها أى مسئول، وكان الأحرى بالنائب العام أن يكون سريعا فى إصدار أمره بالتحفظ على ممتلكات مبارك وأسرته، فهذه بديهيات لا تغيب عن جهاز النيابة العامة، لأن مبارك وعصابته استغل هذا الوقت وقام بجانب نقل أمواله إلى خزائن آمنة، قام بالتخلص من آلاف المستندات التى تدينه فى جرائم وطنية كبرى، لكن المهم أنه صدر هذا القرار التاريخى، الذى يمهد لمحاكمة مبارك وأسرته وأفراد عصابته. جاء مبارك حاكما لدولة بحجم مصر فى غفلة من الزمن، ومن بداياته بدا الرجل أنه أقل بكثير من أن يكون رئيسا لأحد أحياء القاهرة، فهو معدوم البديهية والذكاء، لايتمتع بأى ثقافة، وليس له أى تاريخ سياسى، وليست لديه أية ميول معرفية بالتاريخ والعمل السياسى، فتلقفته عصابة حكموا هم البلد من وراء ظهره، وجندوا آلة إعلامية رهيبة لجعله فى منزلة الآلهه، فهو القائد والزعيم الملهم، وهو قائد نصر أكتوبر، وكل خطاباته تاريخية، وكل خطواته متأنية، ولولا حكمته كانت المنطقة كلها وليس مصر فقط، كانت وقعت فريسة لقوى الظلام (!!)، ولولا حكمته لما حدث كذا وكذا، حتى أننا سلمنا بأنه لولا حكمته لما جرى النيل فى مصر، ولولا حكمته لما وجدنا فى الهواء أكسجينا نتنفسه (!!9 وخلال الدعاية الصاخبة التى كانت تجرى له فى كل استفتاء ولا أعرف ما ضرورتها كانت هناك يافطات فى ميادين وشوارع القاهرة تقول: "الأجنة فى البطون يريدون الرئيس حسنى مبارك"، ويا لهول ما فعل هو عصابته الذين أقاموا "أوكازيون" فريدا من نوعه لبيع مصر، ثم فتحوا أبواب النهب والسلب، والرجل لم يكن يهمه سوى نفخ زكائب أمواله وتهريبها خارج مصر، ففى الوقت الذى كان ملايين المصريين يتركون أسرهم ويغتربون بحثا عن فرصة عمل مهما كانت مهينة، يذوقون المرار والهوان، ويجلبوا لمصر المليارات من العملات الصعبة، بعرقهم وكدهم، كان مبارك الذى هو رئيس مصر، أول من يقوم بتهريب العملات الصعبة من البلاد، وتلك وحدها أكبر الجرائم. تعجز الكلمات والتعبيرات عن نقل صورة لما حدث فى عهد مبارك من فساد، وقهر، وسلب ونهب، وتدمير لكل مقومات الوطن، للدرجة التى سوف نفقد فيها احترام الأجيال القادمة، الذين سيتعجبون كيف صبرنا 30 عاما على كل هذا الفساد والهوان، فقد حكمتنا عصابة لا مثيل لها فى التاريخ، استباحوا فيها حرمات الشعب وامتهنوا كرامة أبنائه الشرفاء، وحاربوا دين الله ونكلوا بكل من يتمسك به، واستنوا القوانين لحمايتهم وتشجيعهم على النهب والظلم. أرى مثلما يرى جموع الشعب أن مبارك يجب محاكمته ليس فقط على التربح من منصبه، وسرقة مال الشعب، وتهريبه مليارات من العملة الصعبة خارج مصر، بل يجب أن يحاكم مبارك باعتباره مسئولا عن: أكثر من أربعة ملايين مصري يسكنون المقابر والعشش المصنوعة من الصفيح والكرتون، وانتشار العشوائيات بشكل وبائى. أكثر من 3 مليون طفل مشردين فى الشوارع. تدمير الزراعة المصرية، واستخدام مبيدات تسببت فى إصابة الملايين بالسرطان والفشل الكلوى والفشل الكبدى تحولت المستشفيات الحكومية إلى مجرد هياكل خرسانية ليس بها حتى قطعة قطن، وهى أقرب إلى الزرائب منها إلى المستشفيات. باع كل مؤسسات الدولة ببخس الثمن للصوص، وأخذ واسرته العمولات بالمليارت، وخسرت الدولة مئات المليارات، وبيع كل شىء فى الوطن، حتى البشر. سيطرة الأجهزة الأمنية على كل مؤسسات الوطن، من جامعات ونقابات، وجمعيات، وامتلأت السجون بمئات الآلاف من المظلومين الذين لا يعرفون سببا لما جرى لهم، وبسط الجهاز الأمنى سطوته على القضاء، فهو الذي يعينهم وهو الذى يلفق القضايا للشرفاء الذين لم يطبلوا لمبارك، ووضرب بأحكام القضاء عرض الحائط، فتعطلت العدالة فى الوطن، ورجعنا لعصور الجاهلية الأولى، حيث كان قانونها هو القوة والنفوذ. تدمير التعليم، وإقصاء الدين تماما عن العملية التعليمية، والإهتمام بأنشطة الموسيقى والرقص والتمثيل والغناء والطرب فقط، فى الوقت الذى كان المتمسكون بقواعد الدين يتعرضون للسجن والتعذيب. تراجع دور مصر الدولى فأصبحت مثل أى دولة إفريقية متخلفة. قامت أجهزة إعلامه ومؤسسات وزارة الثقافة بشن حرب ضروس على الدين الإسلامى، فجعلوا العلمانيين والملحدين والشيوعيين نجوما ومفكرين، يحتذى بهم. كان موكب مبارك يتسبب فى تعطيل كل مصالح العاصمة، على مدى يوم كامل، ويضم أكثر من مائة سيارة فارهة، مابين سيارات مصفحة، وأخرى ذات تجهيزات خاصة تتصل بالأقمار الصناعية، وتشوش على أجهزة المحمول، ويتم إغلاق كافة المؤسسات، وكان البعض يلقى حتفة داخل سيارات الإسعاف التى لا تستطيع أن تتحرك بسبب موكب الفرعون الجبار. ظهرت فى عهده القصور المنيفة، والشواطىء الخليعة، والفيلات والشاليهات، والطائرات الخاصة، وكلها أمور يتنعم بها المحظوظون فقط، والأغلبية الساحقة تعيش تحت خط الفقر. انحطاط أخلاقى وانتشار ثقافة الانحلال، بسبب أقصاء الدين من مفردات الحياة، وتسويق النموذج الغربى المنحل، وترك الحبل على الغارب للقوادين وتجار الرقيق الأبيض، وانتشار المخدرات بشكل رهيب. كما أطالب بأن يفتح النائب العام تحقيقا خاصا مع السيدة (الفاضلة) لمعرفة حجم الأموال التى أنفقتها من ميزانية الدولة على مواكبها، وأنشطتها المسلية، فقد كانت ترأس عشرات بل مئات المجالس والجمعيات والمؤتمرات التى لا تعود بأى فائدة على البلد، ولها مخصصات ضخمة من ميزانية الدولة، وتأمر رؤوس الحكومة علنا، بما فيهم رئيس الوزراء، دون ما سند قانونى أو دستورى، يعطى لها مشروعية هذه الأفعال، سوى الرغبة فى الظهور أمام الأضواء بصفة دائمة، وتسببت فى هدم كل القيم الفضلى فى المجتمع، بتبنيها للنموذج الغربى المنفتح اللأخلاقى، والعمل على نشره فى مصر، بما فيه من تعارض مع الشريعة الإسلامية، والأعراف والتقاليد المصرية ... كم أنفقت الست سوزان على مدى 30 سنة من ميزانية مصر، وبأى صفة كانت تفعل ذلك؟؟. إن النائب العام المصرى، المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود كان رئيسا لنيابة أمن الدولة قبل ذلك، ويعلم جيدا عدد القضايا التى كان يلفقها جهاز أمن الدولة للأبرياء والشرفاء، والآن أمامه فرصة تاريخية لن تتكرر، فتاريخ مصر الناهضة يكتب الآن، وسوف تتصدر قراراته صفحات التاريخ، فقد وضعته الظروف لأن يكون أداة هامة وفعالة فى هذه الثورة، وأمامه مهام جسام، وملحمة وطنية عظيمة سيكون واحدا من أبطالها ورموزها. إن كل الوزراء والقيادات الكبرى فى الجهاز الإدارى للدولة محل شبهة، فقد كان معيار التعيين والترقى للمناصب العليا أن يكون "فاسدا"، وكل قيادات العهد البائد جاءوا بترشيح من أمن الدولة، من ذلك رؤساء الجامعات والمعاهد، وعمداء الكليات، ورؤساء الشركات، والقطاعات الإنتاجية (أو التى كانت إنتاجية)، وكذا رؤساء المعامل بوزارة الزراعة الذين ساعدوا والى فى جلب واستخدام المسرطنات، برعاية وزير الزراعة الحالى الذى كان اليد اليمنى ليوسف والى، وكذا كل القيادات الصحفية والإعلامية، وكل المحافظين ورؤساء المدن والأحياء، ورؤساء الوحدات المحلية القروية، والعمد والمشايخ، ومديرو المديريات والإدارات فى كل الوزارات، فكل هؤلاء المعينون من قبل الأمن، عبارة عن خلايا سرطانية، وصنعوا بؤر فساد تغلغل فى كل أركان الدولة، ولابد لكى تنجح ثورة شعبنا العظيم وتحقق أهدافها، أن يتم إقصاء كل هؤلاء، وتطهير أجهزة الدولة منهم، ومحاكمة كل من تحوم حوله أية شبهات، فنحن نسير فى ركب ثورى، والثورة تعنى تغيير كل شىء، والتأخر عن التغيير يهدد بضياع الثورة ووأدها. كلمة أخيرة: وقعت بورندى يوم أمس الثلاثاء أول مارس 2011 على اتفاقية دول منابع النيل، وبمقتضاها سيتم خصم 15 مليار متر مكعب من حصة مصر فى مياه النيل، وقعتها بورندى كنوع من الإنتقام الاسرائيلى من مصر بعد خلع مبارك، لأن كل دول المنبع يتحركون بما يمليه عليهم العدو الصهيونى، وقد يكون هناك أفعال انتقامية أخرى من مصر وراؤها اسرائيل الحليف الوحيد لمبارك. [email protected]