يحدث ذلك في الإسماعيلية.. ويبدو لي بأنها ظاهرة ممتدة بمساحة الوطن، أقصد ظاهرة "الفساد الشيك".. أو قل "الفساد الناعم".. الذي يجيده الحواة، ولاعبو الثلاث ورقات. أتحدث هنا عن ظاهرة تحويل محطات الوقود إلى عمارات وأبراج.. حيث لا يقتنع مالكها، بما تدره عليه المحطة من ملايين.. بل تتطلع عيونه الفارغة، وكرشه الواسع وحساباته البنكية المكتظة بكل أنواع أوراق البنكنوت إلى "المليارات" ولو على حساب حرق وطن بكامله. في الإسماعيلية بات مثل هذا الفساد، "حرفة" و"مهنة" حصريا على أشخاص بعينهم، ومعرفين بالاسم، من خلال شبكة فساد واسعة، تتكون من صناع القرارات المحلية ، والتي تتحول بالتحايل والمناورة والتلاعب اللفظي، إلى "طاقة قدر" تُسقط المن والسلوى كسفا على صاحب الحظ، السخي الذي لا يقصر في إطعام بطون لا تتورع عن أكل الحرام. يبدأ "اللص الشيك" في تقديم طلب بتعطيل المحطة لزوم "الصيانة" ثم ينام في الخط شهورا طويلة، وإذا رفض طلبه المحافظ ومديرية التموين.. فإنه "شاطر" في تحويل هذا الرفض إلى "رخصة" لبناء برج سكني مكانها.. من خلال الحواة والنصابين في "الحي" التابع له. يتلقف شركاء "النصاب" بالحي، قرار رفض "مد المهلة"، ليفسرونها بمزاجهم بوصفها سندا يجيز لهم إلغاء الرخصة الأصلية "رخصة بنزينة".. فتأتي على الطبطاب لصاحبها، وهو غاية المراد من مذل العباد بالحي إلا للأسخياء في "بل الريق".. ليستخرج بعدها رخصة بناء مكانها، ولتمسي البنزينة خلال شهر، أثرا بعد عين.. فيما ينتفخ كرشه وجيوبه وحساباته البنكية بالمزيد من المال الحرام. في الإسماعيلية رجال أعمال متخصصون في النصب على الدولة، بتحويل محطات الوقود إلى أبراج سكنية، خاصة بعد القيود المشددة التي فرضتها الأجهزة التنفيذية والأمنية على عمليات تهريب الوقود إلى قطاع غزة . وكلها محطات تخدم قطاعا كبيرا ومناطق جغرافية واسعة ومهمة بالإسماعيلية، وذلك من خلال تواطؤ سدنة الفساد من محترفي تزييف الحقائق و"ضرب" القرارات داخل الأحياء التي تتبعها محطات الوقود التي عليها العين.
المحافظ.. له فريق قانوني "شؤون قانونية"، من المفترض أن يكون على مستوى رفيع من الحرفية والوعي والثقافة القانونية ، ومن المفترض أيضا أن يكون هذا الفريق مطلعا على القوانين والتشريعات وعلى مواد الدستور الجديد.. ولا أدري ما إذا كان المحافظ قد استشار فريقه القانوني في مثل هذه المسائل. وفي هذا السياق فإن الحل الذي يقدمه "النصابون" للمحافظ.. هو "إلغاء رخصة" البنزينة.. بزعم أنه إجراء قانوني.. فيما يغيب على المحافظ، أن إلغاء الرخصة، هو ما يريده صاحبها "النصاب" ويساعده على ذلك النصابون الذين يعرضون على المحافظ عرضا غير أمين بشأنها.. لأن إلغاء الرخصة "كبنزينة" هو في واقع الحال مساعدة لصاحبها لاستخراج رخصة بديلة وجديدة ببناء برج سكني.. لتُفتح له أبواب جنات تجري من تحتها، ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وإذا كان المحافظ يحتاج إلى مساعدة فإنني أنصحه بأن يطلع على المادة 35 من الدستور التي تعطي للسلطات حق نزع الملكية ل"المصلحة العامة" مقابل تعويض عادل يدفع مقدما وفقا للقانون. سيادة المحافظ: احذر النصابين وتصدى بشجاعة لهذا الفساد وإني أربأ بك أن يستغفلكم حاو أو لاعب ورق.. ثم إن مصلحة الناس في الإسماعيلية أمانة في ذمتكم، فلا تهدرها لصالح أمراء الفساد المنتشرين في الأحياء وخارجها.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.