من الأفضل أن يسمي الفريق أحمد شفيق القرارات بمسمياتها الحقيقية وليس من الصواب المجاملة أو تجميل العبارات، بمعنى أن طريقة النظام البائد في الخطاب السياسي يجب دفنها مع أصحابها الراحلين. أقول هذا بمناسبة تصريحه عن أسوأ وزير إعلام عرفته مصر في تاريخها. أنس الفقي تمت إقالته والتحفظ عليه قبل أن يولي هاربا إلى لندن أمس السبت، وكان موجودا في مكتبه بوزارة الإعلام في مبنى الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو أثناء حصار الثوار له، وتمكن من الخروج من الأبواب الخلفية بمعاونة الجيش حتى لا ينال منه الغاضبون. الفقي كان على رأس عمله حتى اللحظات الأخيرة قبل تنحي مبارك. ظل يصرح بأن الرئيس المخلوع باق فيما العالم كله بعد البيان رقم واحد الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان متهيئاً وواثقا من أن مبارك سيتنحي، وهو أيضا ما أكده شفيق والدكتور حسام بدراوي الأمين العام للحزب الوطني قبل استقالته. الفقي إذن لم يستقل منذ يومين كما قال شفيق مجاملا. كان على رأس عمله حتى أمس السبت، واتصل المكتب الصحفي لهيئة الإستعلامات بمطار القاهرة لفتح استراحة كبار الزوار لأنه سيسافر إلى لندن، والسفر كلمة مخففة، فالواقع أنه حاول الهرب، وسبقه إلى هناك كبار رجال وزارته لتوديعه لكن قرار النائب العام بحظر سفره وتجميد أمواله كان أسرع منه في الوصول إلى السلطات الأمنية بالمطار. الوضع الذي تمتع به أنس الفقي في الوزارة والحكومة المصرية أثار التساؤل والدهشة دائما، فقد كان يتمتع بجرأة مدهشة في قراراته وتصريحاته وتهديداته للصحفيين والإعلاميين. يهدد أي إعلامي داخل مصر وخارجها، فارضا سيطرته على القنوات الخاصة ومكاتب القنوات الفضائية غير المصرية، ومن يرفض وصايته وأوامره مصيره المنع والمطاردة، وأحيانا تهديده في رزقه حتى لو كان يعمل خارج مصر. فتح الفقي مغارة علي بابا للإعلاميين والصحفيين الذين يقبلون التغطي بعبائته ومنهم زملاء صغار أصبحوا ملء السمع والبصر في قنوات إتحاد الإذاعة والتلفزيون وانتفخت أرصدتهم وصاروا من أصحاب الملايين والمليارات رغم أن مؤهلاتهم لا تزيد عن حركة الحواجب.. ثقافة متواضعة ومهنية أكثر تواضعا. وخلال ثورة يناير مارس أقصى درجات الابتزاز ضد الصحفيين، وحول تلفزيون الدولة إلى مثل سيء لإعلام لا يرى ما يدور تحته في ميدان التحرير.. الملايين في أخباره وتقارير مجرد مئات وآلاف. أما البلطجية فيراهم ملايين مؤيدين لمبارك، وهو ما ظل المدعوان تامر بسيوني وخيري رمضان يرددانه دون خجل. عندما لم يستطع أن يمنع تدفق الأخبار والتقارير الموضوعية عما يجري، لجأ إلى إطلاق ميليشياته لمطاردة الصحفيين من شارع إلى شارع ومن فندق إلى فندق. أول مرة نسمع عن وزير إعلام يمتلك ميلشيات مقاتلة بالخناجر والمطاوي والمولوتوف. بعد موقعة الجمال والخيول والبغال أطلق تلك الميليشيات لتخطف الصحفيين أو تقتلهم. كان يوما مخجلا لكل مصري هذا الفعل المزري من وزير لا أعلم كيف جيئ به وفي أي ظروف ليقود الإعلام المصري! إنه ليس وزيرا سيئاً فحسب وإنما تدور حوله شبهات الفساد، ففي البلاغ الذي تقدم به الأستاذ مصطفى بكري للنائب العام، متهم بضياع نحو 12 مليار جنيه في مشروعات وهمية لما يسمى تطوير الأداء التلفزيوني!.. هل الأداء المخجل للتلفزيون المصري الذي أضحك العالم خلال أيام ثورة 25 يناير هو نتيجة ذلك التطوير وحصيلة دستة المليارات؟! وفي البلاغ نفسه أن الفقي تقاضى شهريا نصف مليون جنيه مكافآت، وأن رصيده في البنوك تضخم إلى المليار! ستكشف الأيام خبايا هذا الوزير وأسرار تمدده ومن كان يقف وراءه.. ومن أمده بميليشيات لتخويف الإعلاميين. [email protected]