لم يتبلور الموقف بعد في تونس, لكن تبدو فوارق معتبرة لا يمكن تجاهلها بين التيارين الإسلاميين هنا وهناك, مع وجود فوارق أخرى معتبرة ايضا بين مكونات المشهد في تونس ومصر, تعكس فوارق مجتمعية وسياسية وثقافية ,فلا جيش مصر كجيش تونس ولا الشرطة ولا المجتمع ولا التحديات, كما تختلف أيضا الدوافع الاقليمية والدولية, فنظرة الاقليم لمصر تختلف عن نظرته لتونس, ونظرة العالم لدولة مجاورة للكيان الصهيوني, وبها مجرى مائي عالمي وتعداد سكانها يزيد عن 90 مليون قطعا ستختلف عن نظرتهم لتونس (دون التقليل من الأهمية الجغرافية لتونس في اطلالتها على البحر المتوسط) .. لكننا في هذا المقال نحاول تجريد أحد مكونات المشهد في تونس ونقارنه بأحد مكونات المشهد في مصر وهو الحالة الإسلامية, وتبقى مشكلة " تجريد" احد المتغيرات ومقارنته بمتغير أخر في مكان أخر, إذ لا يمكن لمتابع منصف أن يرصد أي ظاهرة بمعزل عن محيطها وسياقها العام الداخلي والاقليمي والدولي .
الحالة الإسلامية في الشرق لا تغيب !!
لم تغب الحالة الإسلامية ولا أظنها تغيب عن واقعنا الثقافي والاجتماعي والسياسي, ومن يقولون بفصل السياسة عن الدين ربما لا يعرف بعضهم سياسة أوطبيعة الدين, ولا اظن أنه يمكن لمتابع أحوال امتنا القول أن بلادنا قد شهدت سياسة, لكنها قطعا شهدت دين وعاشت بالدين , ولذلك , سنجد أنه (مع اختلاف البيئات) كلما حانت فرصة لاستحقاقات شعبية أو انتخابية لا يغيب عنها التيار الإسلامي إن لم يكن في صدارتها, تجد ذلك في "آسيا" اندونسيا أو ماليزيا أو باكستان أو في فلسطين ..الخ, وتجده في افريقيا (مصر وتونس والجزائر والسودان والمغرب وليبيا وموريتانيا ..الخ ) .. وحتى عندما خرج جزء معتبر من الشعب المصري في 30/6/2013 اعتراضا على على سياسة د.مرسي والإخوان, لم يغب عن مشهد التغيير في 3/7/2013 ممثلين للحالة الإسلامية ( كالأزهر وحزب النور) وجاءت دعوة د.الكتاتني للحضور للتأكيد على عدم غياب الحالة الإسلامية بأغلب مكوناتها .. وعندما حدث صراع 1954 (ناصر – الإخوان) سعى عبد الناصر الى عدم التغييب الكامل للإخوان عن المشهد السياسي العام , فقد كتب الدكتور القرضاوي في مذكراته "سيرة ومسيرة " : (انسجم الباقوري مع الثورة، وانسجمت معه الثورة، وكان خطيبها ولسانها المتحدث باسم الدين، وهو رجل حسن المظهر، حصيف الرأي، حلو اللسان، يحسن استقبال الناس، ويحسن الحديث إليهم، ويعرف متى يمسك لسانه، ومتى يطلقه، وفيم يطلقه … ومن حسناته: أنه ضم إليه مجموعة من الدعاة المعروفين، ووكل إليهم شؤون الدعوة والمساجد، والثقافة الدينية، وعلى رأس هؤلاء: أستاذنا البهي الخولي الذي ولاه منصب مراقبة الشؤون الدينية، وشيخنا الشيخ محمد الغزالي الذي تولى منصب مدير المساجد، وشيخنا الشيخ سيد سابق، الذي تولى منصب مدير الثقافة) ..
كانت المقدمة السابقة تمهيدا لفهم ما جرى في تونس ومصر, فقد تأثرت مصر بما حدث في تونس , فكان 25 يناير 2011 – ورأى قادة النهضة ما حدث في مصر في 30/6/203 وما قبله وما بعده فكان التوافق على الدستور وكانت نتيجة تصويت الجمعية التأسيسية 200 من اصل 216, وكان قرار الانسحاب من رئاسة الحكومة..وكأن تونس قد الهمت مصر في البداية , فألهمتها مصر بعد ذلك !! لكن الحق يقال أن اغلبية حزب النهضة في تونس اختارت رئيسا وطنيا نزيها ينتمي الى اليسار التونسي, حيث لا يخلو تيار من وطنيين بينما دفع إخوان مصر برئيس لها دون سماع لكل صيحات التحذير المخلصة التي طالبتهم بحسن قراءة الواقع المحلي والإقليمي والدولي من ناحية وبحسن قراءة واقعهم أنفسهم من ناحية أخرى في مدى قدرة كوادرهم على إدارة الدولة بكل معطيات حالتها الراهنة .. كانت الاستحقاقات واحدة ( مجلس تأسيسي ودستور وحكومة ورئيس) وتشابهت بعض التحديات ( ميراث "مبارك" وميراث "بن على" – في جوانبه المتعددة ) .. فكيف اختلف المسار؟ أهي السياسة ؟.. ربما .. أهو الفكر ؟... ربما .. أهو الاختلاف بين البلدين ؟ ربما ..أهو ذلك كله ؟ .. ربما ..
الفكر : بين الراشد والمرشد
عاش راشد الغنوشي في بريطانيا البلد الديمقراطي الحر حوالي 20 سنة, يقرأ ويكتب ويفكر ويحاضر ويحاور ويتابع ويرتحل من فكر الى فكر , ومن قطب الى مالك بن نبي .. ويقارن ويراجع .. فتبلورت الفكرة وتمحصت .. ولأن كل إنسان اسير تجربته وأسير بيئته فقد تميز الرجل بحق فيما يقول ويطرح .. ولعل الحياة في بيئة حرة ليست كالحياة في بيئة الزنازين والاستبداد حينما تتقدم متطلبات " التنظيم" عن متطلبات "الفكرة" وتطويرها .. ولعل تجربة موسى عليه السلام مع قومه الذين عاشوا طويلا في ظل الاستبداد الفرعوني كانت نتيجتها التيه لا التمكين, وحينما مضت 40 سنة وفني الجيل الذي عاش في زمن الاستعباد وجاء جيل جديد أوقف الله له مغيب الشمس لينتصر !!
وللحديث بقية ..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.