رحم الله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نقدهم القرآن الكريم وحلل وبين نوايا مشاعر وسلوكيات البعض منهم في أُحد فخاطبهم فيما يقارب حزب كامل من القرآن الكريم في آل عمران مستخدما فيها العديد والمتنوع من أساليب وأدوات المنهج النقدي التطويري البنائي. ورحمهم الله ثانية حين فقهم إلى الصواب حين لم يتكبروا ولم يجادلوا كما تكبر وجادل بنو اسرائيل ، بل استغفروا وأطاعوا واجتهدوا في الاستفادة مما وجه لهم من نقد وتقويم فتطهرت قلوبهم وارتقت نفوسهم وأكملوا المسير حول نبيهم ، وإلا كانوا قد وضعوا أنفسهم موضع الاستبدال والإحلال بقوم خير منهم ثم لا يكونوا أمثالهم. ومما لا شك فيه أن المنهج النقدي كما هو من أهم مناهج التفكير والإصلاح والتطوير في القرآن والثقافة الاسلامية عامة ، كذلك هو أحد أهم محركات النهوض والبقاء والتطور في كافة الحضارات ، وهذا ما اتفق عليه علماء الإسلام والغرب سويا بداية من ابن تيمية والغزالي في رحلته العقلية والتي جسد فصولها في كتابه مقاصد الفلاسفة , وابن خلدون و ديكارت في منهجه النقدي والذي بينه في كتابه المقال على المنهاج ، وتتابع مفكرو وعلماء الأمة في شرح المنهج النقدي وفوائده وثماره مما يؤكد بوجوبه منطقيا ودينيا وليتابع القراء إن شاؤوا النقد الذاتي للدكتور خالص الجلبى ، ونقد العقل المسلم للكاتب الكبير عبد الحليم أبو شقة ، والنقد بين الفن والأخلاق للدكتورة مريم النعيمى ، وكثير وكثير ...الخ في هذا المجال مما يؤكد انه لايمكن لعاقل من العقلاء أن يرفض النقد ، هذا وان قبل منه لضيق عقله ومحدودية افقه في شأنه الخاص فهذا شأنه ، أما إن كان يتمركز في موقع من مواقع الشأن والعمل العام فلا يمكن للأمر أن يقبل ، كما أن القرآن أشار وبين علاقة المنهج النقدي بالإيمان والنوايا والمقاصد وهذا بطبيعة الحال من شأن الله تعالى وما للبشر دخل فيه . التنظيم السري بطبيعته الغريبة عن دين أشرق على الدنيا بنوره ، وما يتبعه من قلق ومتابعة الحكومات المستبدة شديدة القلق والحساسية على كل مالا تعرف ، وآثاره الإجرائية على الأرض ، ومردوداته وإيحاءاته النفسية على أفراده بالإحساس بالأهمية والتميز عن بقية أفراد المجتمع ، ومعرفة شيئ من نصوص الإسلام وترجمتها ترجمة تنظيمية حركية وبناء وتخيل وتصور الفئة المصطفاة المنتقاة من المسلمين التي تحمل مسئولية ومهمة الدعوة والرسالة ، هذا ويغذيه واقع يعيش غيبة حقيقية عن فهم وممارسة الإسلام بل واضطهاده وملاحقة المنتسبين الفاعلين لخدمته ، هذا إذا ما اجتمع مع ترقي مسئولية تنظيمية ما في تنظيم سرى تنتخب قيادته وفق معايير تنظيمية خاصة تبتعد في فلسفتها ومعاييرها مع ما عهدته نظم الإدارة والقيادة، كما يبتعد أيضا عن روح وفلسفة ترشيح واختيار القيادة في الإسلام ، وما يعيشه أفراد التنظيم الديني من طاعة شبه مطلقة لقيادتها من منطلق الالتزام الديني ، هذا بالإضافة إلى التصورات التي يسترجعها عامة أفراد التنظيم في قادة الإسلام العظماء التاريخيين ويتمنوها ويتوقعوها في قادتهم التنظيمين فيتحول هذا التمني والتوقع إلى افتراض ويمتد عند الغالبية إلى الحقيقة خاصة في حال بساطة العقل والثقافة ، فيتخيل قادته التنظيمين أشبه بالصحابة الكرام ، ومن ثم هم غالبا لا يخطئون ومن ثم فالسير في ركابهم ودروبهم وعدم مناقشتهم هي الأفضل والأسلم ، فيتطور الأمر إلى أكثر من ذلك خاصة عندما تتفاقم وتتعقد المفاهيم الخاطئة البسيطة فتتحول إلى ثقافة ويتماهى هذا الفهم والممارسة مع ما يجده من سرعة التقدم التنظيمي للأفراد الطيبون المؤدبون المسالمون المطيعون غير المفكرون المجادلون المشاكسون ويسود منطق "اسكت تسلم "بل وتصعد وتنموتنظيما. كذلك سطحية وهشاشة البناء الثقافي والفكري في اختيار وبناء وصف أفراد التنظيم وقادته المتتاليين ، وقبول القيادة بذلك وتماهيها معه يقترب كثيرا من فكرة الحكومات المستبدة التي بينها الكواكبي في طبائع الاستبداد وفصل فيها ادوارد سعيد حيث تتوقف في تعليم ومعرفة شعوبها عند سقف معين حتى تضمن شعبا جاهلا أسهلا في الاستعباد والانقياد ، تماما كما "كرومر"رأس المستعمر الانجليزي في مصر حين استقدم واستشار دانلوب فأشار عليه بخطته في قيادة هذا الشعب عقل انجليزي ويد مصرية فاعتمد خطته للتعليم في مصري والتي جمدت العقل وغيبت الدين . وتتوالى وتتركب وتتعقد المشاكل أكثر وأكثر فيتخرج جيل وأجيال من القادة التنظيمين المسطحين ثقافيا وفكريا والمسيدين تنظيميا فتتوالى معه الكوارث النفسية والأخلاقية والمالية والإدارية ...الخ وتسود ثقافة الأحزاب الوطنية ثم تنحدر أكثر إلى منطق الأحزاب النفعية بدلا عن التنظيم الديني فتجد الحرب الغير معلنة على كل مبدع ومفكر ومبتكر تماما كما التقرب والتزلف من المسئول الكبير صانع القرار ، كما تجد نماذج متعددة للمسئول الكبير متعدد الوجوه فهو في التنظيم قائد تنظيمي ديني كبير وموجه روحي ملهم ، بيد انه في شركته ومؤسسته نصاب دولي محترف يقدم الرشاوى ويأكل حقوق الناس ويحترف تجاوز القانون والمرور من ثغراته ، ويغير في مواصفات ما اتفق عليه في العقد مكتوبا ، ولا ضرر حيث سيكسب من ذلك مليون وسيتصدق ويدعم تنظيمه ودعوته بخمسين ألف .. بطبيعة الحال لم أجرؤ على كتابة ما اكتب إلا وقد عايشته بأسماء أشخاص وأحداث اليقينية التي لا تقبل مجرد الشك ، وقبل أن أكون مسئولا أمام قرائي فأنا مسئول أمام الله تعالى. كما تجالس البعض فيحاول من الوهلة الأولى فرض إحساس بأستاذيته الفكرية عليك عبر أدواته ومصطلحاته التي يستخدمها ، ونوعية الخطاب التي يتحدث بها ، وبعد لحظات من النقاش تجده معذورا بشكل كبير ، فالمسكين لم يدرك من علوم المنطق والكلام والاتصال شيئا فيخلط بين الرأي والفرضية والحقيقة ، كما يربكك حديثه حين يقدم الحلول السحرية المباشرة على ظواهر المشاكل دون البحث عن أسبابها ومدلولاتها فتحاول نصحه بشكل ما أن النهضة والتمكين تستند إلى العلم والمعرفة، فيسبقك مجيبا وهذا ما حققناه في شبابنا ، وحتى هنا أفضل ذهب الصمت على فضة الحديث. بطبيعة الحالة حينما تتراكم المشاكل وتتعقد وتتراكب فوق وداخل بعضها تصبح بيئة خصبة لنمو وانتشار الميكروبات والطفيليات ثم السرطانات ، والى هنا أتوقف على حد هذا المقال فى هذا الموضوع وما كنت ابغي الحديث مطلقا في هذا الأمر ، وسامح الله من استفزني بسؤاله لماذا لا ينتصر أصحاب الحق مع طول الوقت ؟ ما استفزني ليس سؤاله فهذا سؤال عادى ومتكرر ، ولكنه صاحب السؤال يريد فرض ما يراه من أجابه من وجهة نظره ، بأنه قوة واستعلاء الظالمين وتعاونهم محليا وعالميا ضد أهل الحق ، فقد أغلق عقله وصم أذنه وغيب بصيرته عن مجرد النظر في سنن الله تعالى في تداول الصراع بين الحق والباطل ، والأعجب أنه سأل ، ولكنه يريد الإجابة التي توافق رأيه فقط ، على شاكلة الكثير من أبناء الحالة الاسلامية الذين يظنون أنفسهم بالتزامهم الديني ملاكا للحقيقة فيخلطون بين الإسلام كحقيقة مطلقة ، وبين التزامهم وأشخاصهم كأفراد يقتربون أو يبتعدون عن فهم وممارسة الإسلام والأمر لله من قبل ومن بعد حقيقة الأمر استثارني كثيرا ولكنى حدثت نفسي مواسيا فقلت لها صبرا عليه فهو عقل ديني نشأ في غرفة مظلمة لعله إن خرج للنور اكتشف الحقيقة ، ولخصت له إجابة تنجيني من طول مجادلته ، أن المشكلة في حاملي الحق وليست في أعداء الحق والحمد لله أن اجابتى مرت عليه مرور الكرام فلم ينتبه لمفارقتي بين حاملي الحق وأصحاب الحق ، والحمد الله اكتفى بيد أن استفزازه دفعني لشئ من التنفيس ربما انتفع به البعض . وعذرا قارئي الكريم على الدخول بك في مناطق الإثارة والمشاكل ، ولنا عود حميد إن شاء الله مع ملفات وأدوات البناء كما وطنت نفسي وحددت مساري. أعود فأؤكد وأبين انه لا كبير على النقد فمن أهم مقاصد النقد جبر المكسور وإصلاح المعوج وإلا ما اهتممنا ونقدناه ، كما أن من محددات النقد في الشأن العام أن تكون على الملأ فذلك أبين واردع ، وفيه تعزيز لنشر ثقافة الشفافية والديمقراطية ، والتنافس الايجابي في طهارة القصد واليد ، أما النصح الخاص فمحدده وأدبه السر لا العلن . بطبيعة الحال لابد أن نفرق بين الإسلام كحق مطلق لاريب ولا خطأ فيه وبين الفكر والتنظيم البشري والاشخاص الذين يتعرضون للقصور والخطأ كطبيعة وفطرة للبشر. [email protected]