رغم أننى لم أر الحبيب أبو بكر رحمه الله تعالى رحمه واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء منذ أكثر من سبع سنوات لظروف تفرقنا فى السجون ثم الإفراج عنه منذ خمس سنوات إلا أننى ما أن جاءنى خبر وفاته إلا وشعرت أنه كان لا يزال معى منذ لحظات فكانت صدمتى فيه كبيرة لأن تقديرى له ومكانته فى قلبى أكبر.. والحقيقة أننى أكنّ لجيلى الذى تعلمت وتربيت على علمه وحلمه وخلقه وبذله وتضحياته أكن له كل تقدير وخاصة رفقاء محنة السجن التى اختلطت فيها المشاعر ما بين الحزن والفرح ما بين الجرح والألم فلقد كنا نتشارك ساعات الحزن والألم كما كنا نقتسم لحظات الفرح والسعادة على ندرتها. إننى يوم أنعى أبو بكر عثمان وهو من أعز أصدقاء المحنة فإننى أنعى معه رجولة نادرة وشهامة تكاد أن تختفى وزهداً لا يُذّكرنا إلا بالسابقين وتوكلاً ويقيناً ورضى بكل ما قضى الله وقدر. لقد عاش "ربع قرن" كاملاً فى السجن فما شكى وما تضجر.. وظل السرطان ينهش فى بدنه ما قضاه بعد ذلك من عمر فما شكى وما توجع.. كما أشهد أنى لم أرك يا أبا حمزة فى جمر المحنة إلا محتسباً راضياً سعيداً بقدر الله وكلما حدثتك عن الرضى بالبلاء قلت : بل من فى حالنا يجب عليه أن يشكر!! كان رحمه الله تعالى كما يقول ابن تيمية فى صفة العارف: "العارف لا يرى له على أحد حقاً ولا يشهد له على غيره فضلاًَ" فعاش يرى نفسه مقصراً فى حق الجميع مديناً لهم بينما هو الذى أدان الجميع بدينه وخلقه وترفعه وزهده.. فدان له الجميع وعرفوا فضله. لقد كان مثالاً ونموذجاً للمسلم فى زمن الاستضعاف فكانت جديته فى كل أموره تسبقه وعزيمته لا تفتر وشفقته على المسلمين فى مواطن الجهاد لا تنقطع وولاؤه لكل المسلمين بلا حدود وغيرته على حرماتهم لا تهدأ.